إذا ما تخيلنا أن تقديرات الاستخبارات الخاطئة الشهيرة المتعلقة بتطوير العراق لبرامج إنتاج أسلحة غير تقليدية كانت صحيحة، فما الفارق الذي كان يمكن أن يحدثه ذلك علي المجهود الأمريكي في العراق؟ لو كان ذلك قد حدث، فلربما كانت الصعوبات التي واجهتها إدارة بوش في خطابها المتعلق بالدفاع عن قرارها بالذهاب إلي الحرب ستكون أقل مما كانت عليه بالفعل، علي الرغم من أن اكتشاف وجود أي برامج لإنتاج تلك الأسلحة لم يكن ليؤكد شيئاً بشأن الاستخدامات التي كان صدام ينوي توجيهها إليها، أو ما إذا كانت تلك البرامج ستؤدي في النهاية لحصول العراق علي أسلحة نووية أم لا. أما بالنسبة للحرب، فكانت ستظل هي الحرب بكل ما فيها من محن ومعاناة، كما أن التمرد المدفوع بدوافع لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل، وله علاقة ضئيلة بصدام حسين سيكون هو هو. ولا يزال مستمراً. ولو كان ذلك قد حدث لكانت انقسامات العراق الطائفية، وبيئته الثقافية غير المتسامحة، ما تنفك تدفعه نحو الحرب الأهلية، ولكان قد ظل -كما هو الآن بالفعل- آخر وأكبر قاعدة لتجنيد الجهاديين واجتذاب الممولين لتنظيم "القاعدة" وتعزيز الحركة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم. ولكانت الولاياتالمتحدة أيضاً لا تزال تعاني من نزيف الدماء والأموال في العراق، ومن نفس التشويه لصورتها، ووضعها وعلاقاتها الدولية. الآن، نجد أن المناقشة الآخذة في التسارع، والمتعلقة بإيران وبرنامجها النووي، قد بدأت هي الأخري تُظهر علامات علي أن الإدارة تتبع نفس النمط من الاختزالية الخطرة الذي اتبعته قبل حرب العراق. في هذه المناقشة الجديدة، يدعو البعض إلي توجيه ضربة جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية ويفضل أن يتم ذلك دون تأجيل. وليس معروفاً علي وجه اليقين ما إذا كانت إدارة بوش ستقوم بالعمل بموجب هذه النصيحة خلال العامين القادمين أم لا. ولكن الشيء المؤكد أنها تتخذ في الوقت الراهن خطوات تصاعدية شملت في الآونة الأخيرة تعزيز القوات الموجودة في الخليج العربي، واقتحام القنصلية الإيرانية، وهي خطوات تزيد من فرص مفاقمة للتوتر، وتصعيده بعد ذلك إلي صدام عسكري. ستكون هناك حاجة إلي مناقشة مطولة حول العديد من المسائل التي قلما يتم تناولها، حتي يمكن للإدارة الانتقال من فكرة أن إيران تسعي إلي امتلاك أسلحة نووية، إلي استنتاج مؤداه أن توجيه ضربة جوية إلي إيران أو حتي اتباع سياسات تصاعدية معها سيكون خياراً صائباً. لاشك أن ذلك سيكون أمراً صعباً بالنسبة للإدارة هذه المرة وذلك لعدد من الأسباب منها عدم مصداقية المعلومات الاستخبارية حول البرنامج النووي لإيران (وإن كان هذا الموضوع ينال حقه من المناقشة في الوقت الراهن بسبب الاتهامات التي وجهت للاستخبارات الأمريكية بشأن المعلومات الخاطئة التي قدمتها قبل شن الحرب علي العراق). وهناك عدة أسئلة تطرح نفسها في هذا السياق هي: ما هو مدي إلحاحية اتخاذ إجراء قوي ضد إيران، خصوصاً إذا تم الأخذ في الاعتبار أن التقديرات المعلنة تفيد بأن إيران لن تتمكن من تطوير سلاح نووي قبل مضي عدة سنوات من الآن؟ وما هي طبيعة النوايا الإيرانية؟ هل هي نوايا لم تتبلور بعد أم لم يتم تعريفها بدقة؟ وما هي نوعية التغيرات في سياسات واشنطن التي يمكن أن تقود طهران إلي التخلي عن برنامجها النووي الخاص؟ ومن تلك الأسئلة أيضاً: إذا تم افتراض أن نوايا طهران لن تتغير فما هي الخيارات الأخري التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها لإبطاء أو تعويق برنامجها النووي؟ وإذا ما حصلت إيران بالفعل علي سلاح نووي فما مدي تأثير ذلك علي احتمالات تغيير سلوكها، وما مدي تأثير ذلك بالتالي علي المصالح الأمريكية؟ وأخيرا السؤال: ما هو - علي وجه التحديد- السبب الذي يجعل أسلوب الردع الذي نجح في المحافظة علي السلام مع الأعداء لا ينجح في تحقيق ذلك مع إيران؟ أما معظم الأسئلة الأخري المهملة فهي تتعلق بالتداعيات الأخري التي يمكن أن تترتب علي توجيه الولاياتالمتحدة لضربة جوية لإيران أو اندلاع أي نوع من القتال بينهما حتي لو لم يؤد ذلك القتال إلي احتلال طويل الأمد؟ وما هو رد الفعل الإيراني المتوقع علي أي عمل من أعمال الحرب من جانب الولاياتالمتحدة؟ وما هو نوع الإرهاب الذي تستطيع إيران شنه ضد الولاياتالمتحدة؟ وكيف يمكنها استغلال نواحي الانكشاف الأمريكي في العراق؟ ومتي بدأت تحديداً في استغلال نفوذها الذي عملت علي تنميته بدأب هناك؟ وما هي الأعمال العسكرية الأخري التي يمكن أن تلجأ إليها خصوصاً مع بقاء إمكانية توسع أي صراع تنخرط فيه ليصبح صراعاً أوسع نطاقاً يشمل منطقة الخليج العربي كلها؟ وهناك بالطبع الأسئلة التي تتعلق بالسياسات الإيرانية منها: كيف يمكن أن تؤدي زيادة احتمالات إقدام أمريكا علي شن أعمال عدائية ضد إيران إلي تقوية صفوف المتشددين داخل إيران، والذين يبنون موقفهم علي فرضية العداء الأمريكي لبلادهم؟ وما الذي يمكن أن تضيفه تلك الأعمال العدائية إلي قائمة الأحزان والمظالم التاريخية التي يشعر الإيرانيون بأن أمريكا قد ارتكبتها ضد بلادهم؟ وما هي التأثيرات العكسية التي يمكن أن تترتب علي مثل تلك الأعمال بالنسبة لعلاقات الولاياتالمتحدة بأي حكومة إيرانية في المستقبل؟ من المنتظر أن تترتب علي مثل تلك الأعمال تداعيات إقليمية أوسع نطاقاً تشمل التأثير علي أسواق النفط، وتضاؤل رغبة دول الشرق الأوسط في التعاون مع الولاياتالمتحدة، واحتمال تفاقم الأضرار التي ألحقتها حرب العراق بسمعة الولاياتالمتحدة ووضعها العالمي. قد يجادل البعض بالقول إن السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن يتمخض عن حصول إيران علي سلاح نووي سيكون علي درجة من السوء تفوق جميع الاعتبارات الأخري. قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن يجب علينا القول إنه مهما كانت تلك الأسباب، فإنها لن تكون أكثر من الأسباب التي كانت موجودة قبل حرب العراق، وبالتالي فإنها لا يجب بأي حال من الأحوال، أن تحول بيننا وبين التفكير في السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن يتمخض عن جانب واحد من جوانب معادلة السياسة علي الأقل. وسيناريو أسوأ حالة الذي يمكن أن يتمخض عن حدوث مواجهة عسكرية أمريكية- إيرانية مخيف للغاية: حيث يمكن لآلاف الأمريكيين أن يلقوا حتفهم سواء جراء العمليات الإرهابية الانتقامية، أو جراء اتساع نطاق الحرب في منطقة الخليج، وحيث يمكن لسعر النفط أن يرتفع إلي مستوي 150 دولاراً للبرميل، مما يسبب كساداً عالمياً، وغير ذلك من أضرار جسيمة. ليس القصد من ذلك القول إن هذه هي الحالة المحتملة -كما أنه ليس تنبؤاً بوقوع تفجير نووي بواسطة إيران- وإنما قصدنا القول إن أجزاء كبيرة من هذا السيناريو يمكن أن تتبلور. إن تجنب الحماقة العسكرية التالية في الشرق الأوسط، يتطلب منا أن نكون حريصين أشد الحرص علي ألا تكون التحليلات، وألا تكون المناقشة التي تتم في هذا الخصوص مشابهة لما كانا عليه قبل حرب العراق أي مبتورين ومغرضين بشكل كبير. كما يجب علينا بالإضافة إلي ذلك ألا نكتفي فقط بعدم السماح للداعين للعمل العسكري بالتلاعب بالإجابات، وإنما يجب علينا ألا نسمح لهم بوضع الأسئلة من الأساس.