بقلم: ماهر عثمان عشية انعقاد المؤتمر الدولي لوزراء خارجية دول الجوار العراقي في شرم الشيخ اعترف وزير الدفاع البريطاني السابق جيفري هون بسلسلة «اخطاء» وعجز عن التأثير في مواقف شخصيات متنفذة في ادارة الرئيس جورج بوش، الامر الذي يقول انه ادى الى الفوضى التي ما زال العراق يعاني منها الى الآن، بعد اربعة اعوام على اعلان الرئيس الاميركي جورج بوش من على سطح حاملة الطائرات «يو اس اس ابراهام لينكولن» النصر في العراق وانتهاء «عمليات القتال الرئيسة» هناك.
وحتى لو اخذنا في الاعتبار النيات الطيبة والمثالية الواردة في البيان الختامي لمؤتمر شرم الشيخ بشأن العراق وكل ما فيه عن ضرورة الحفاظ على وحدة ذلك البلد وسلامة اراضيه والسعي الى توفير الامان لشعبه، فإن الوضع السائد ميدانياً، على الارض، في بلاد الرافدين يبقى الى حد كبير نتاج قرار الحرب الذي اتخذه ونفذه المحافظون الجدد الاميركيون ونتاج عملهم الدؤوب والحثيث بعدئذ على تفكيك الدولة العراقية تفكيكاً منهجياً.
وما كشفه هون لصحيفة «ذي غارديان» أول من أمس الاربعاء يبين بالمناسبة عدم صحة ادعاء بعض الاوساط الرسمية البريطانية بشأن تأثير لندن ونفوذها في سلوك ادارة الرئيس جورج بوش بخصوص غزو العراق والمرحلة اللاحقة مباشرة للغزو. ويقول هون في هذا السياق ان البريطانيين اختلفوا مع الاميركيين بشأن قرارين اساسيين في ايار (مايو) 2003، اي بعد شهرين على الغزو، أولهما القرار المتعلق بحل الجيش العراقي والثاني القرار المتعلق باقالة البعثيين من اجهزة الدولة ووزاراتها ودوائرها. وهنا يعترف هون بأنه وبعض كبار الوزراء البريطانيين الآخرين اساؤوا تماماً تقدير نفوذ ودور نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني، وكانوا يتحدثون مع نظرائهم ويتفقون على امور معينة ولكن القرار النهائي كان يأتي دائماً من تشيني الذي ليس لمنصبه ما يماثله في بريطانيا.
ويعترف هون بعدم التخطيط تخطيطاً صحيحاً لمرحلة ما بعد الغزو ويقول «ربما لم نفعل ما فيه الكفاية لرؤية (الامور) من منظور السنَة. ربما كان يجب علينا عمل المزيد لفهم موقفهم».
وعن حل الجيش وقوات الامن والشرطة والاستخبارات العراقية يقول هون ان الاميركيين كانوا مصرين على تنفيذ ذلك القرار الكيفي. ويقول ان حل بعض الوزارات وفصل موظفي الدولة البعثيين كان غلطة ادت الى شل عمل البنى التحتية في البلاد.
والمسألة الاخرى المهمة التي يذكرها هون في حديثه الى الصحيفة البريطانية هي معلومات الاستخبارات التي يقول انها اكدت امتلاك العراق اسلحة دمار شامل، ويقول في هذ السياق ان مسؤولي الاستخبارات كانوا يؤكدون ذلك ويصرون على ان معلوماتهم صحيحة. ومن المعروف طبعاً ان حكومة توني بلير استمدت معلومات قديمة من رسالة دكتوراه كان اعدها طالب عراقي عن اسلحة الدمار الشامل وقدمتها باعتبارها معلومات استخبارات مؤكدة وحورتها من اجل التوصل الى استنتاج زائف مفاده ان بوسع الجيش العراقي استخدام اسلحة دمار شامل بفترة انذار مدتها 45 دقيقة.
لقد دعا قائد عسكري بريطاني كبير سابق هو الجنرال سير مايكل روز الذي قاد القوات البريطانية في البوسنة في اوائل العام الجاري الى تنحية بلير عن منصبه بتهمة انه جر جيش بلاده الى حرب من دون ان يقدم اي مبرر حقيقي كاف لشنها.
لقد بدا بلير دائماً عديم الحساسية تجاه سقوط عشرات الوف العراقيين قتلى وجرحى منذ غزو العراق، تماماً مثل شريكه الاكبر في تلك الحرب جورج بوش وزمرة المحافظين الجدد المحيطة به. وإذا كان وزير الدفاع البريطاني السابق قد كشف بعض خفايا المرحلة التالية مباشرة للغزو، فان الاسئلة ستظل تلح حول اسباب اتخاذ ادارة بوش قرار الحرب: لماذا؟ للنهب ام لتفتيت العراق وتقسيمه ام ارضاءً لاسرائيل، ام لهذه الاسباب مجتمعة؟
واليوم، في العراق، يستمر سفك الدماء. العراقي يقتل اخاه العراقي والمقاومة تقتل الجنود الاميركيين والبريطانيين. والميليشيات التي يتحدث بيان مؤتمر شرم الشيخ عن ضرورة حلها من المرجح ان تبقى مسيطرة ومصدر تدمير.