توقفت في مقالي السايق عند هذه الفقرة المهمة، من مقال الفيلسوف الأمريكي «ريتشارد رورتي» والمعنون («من نحن؟.. أو من نكون؟، عالمية أخلاقية وخدع اقتصادية» ص: 5 12، مجلة ديوجين العدد 173 117)، ومفادها: أن «السؤال» من نحن ؟»، سؤالا سياسيا بامتياز. لأن السائل هنا يريد أن يفصل بين الكائنات البشرية التي تكون أكثر مواءمة لهدف معين عن الكائنات البشرية الأخري. وأن يجمع المجموعة الأولي في مجتمع أخلاقي واع لذاته، بمعني مجتمع توحد بينه الثقة المتبادلة، والرغبة في التضامن ومساعدة أقرانه، وغالبا ما تكون الإجابة عن السؤال ب«من» هي محاولة لتشكيل أو إعادة تشكيل» هوية أخلاقية » في المقام الأول. المشكلة حسب رورتي تتمثل في: أن العالمية الأخلاقية التقليدية تريد أن تمزج الإجابة علي السؤال «ماذا» (العلمي والفلسفي) بإجابة عن سؤال «من» السياسي. وتفترض العالمية مسبقا أن اكتشاف سمات تشترك فيها كل الكائنات البشرية يكفي لتوضيح لماذا ربما كيف يجب أن ينظم كل البشر أنفسهم في مدينة عالمية (يتألف سكانها من عناصر اجتمعت من جميع أنحاء العالم)، وهذه العالمية تقترح أساسا علميا أو ميتافيزيقيا لسياسة كوكبية أو عولمية. العالمية الفلسفية حسب (كانط) تدعي وهي تسترشد بنموذج الدعاوي الدينية، بأن البشر قد خلقوا علي صورة الله، وأن وجود سمات مشتركة بينهم يثبت وجود هدف مشترك أيضا، مما يعني إن شكل المجتمع البشري المثالي يمكن أن يتحدد بالرجوع إلي طبيعة بشرية عالمية. رورتي يفند «يوتوبيا كانط» من خلال رؤيتين مختلفتين لفيلسوفين أحدهما ألماني وهو «فريدريك نيتشه» والثاني أمريكي هو «وليم جيمس»، يقول: لقد قرأت «نيتشه» و«ووليم جيمس» وهما يقولان : «إن السؤال من نحن؟» يجب أن يحل محل السؤال «ماذا نكون؟» باعتباره السؤال الأساسي المبدئي للفلسفة، ذلك لأنه السؤال الذي سوف يعود إليه دائما وهو الذي يجاب عليه بالفعل دائما عندما نجيب علي اسئلة أخري. وكل سؤال عن الكائنات البشرية هو بالنسبة للبرجماتيين من أمثال «نيتشه» و«جيمس»، اقتراح خفي مستتر لتشكيل مجتمع بشري جديد. أما السؤال «من نحن؟» فقد حل محل سؤال فلاسفة اليونان »ما هو الكائن؟» (أو ما هي الكينونة) وأسئلة «كانط» أيضا: ما الذي يمكن أن أعرفه؟، وما هو الإنسان ؟ وماذا يمكن أن آمل فيه؟ هذا السؤال الأخير تحديدا، يدور حول مستقبل الأنواع البشرية.. فالسؤال «من نحن؟» يتوجه إلي المستقبل، علي حين أن السؤال «ماذا نكون؟» هو العكس من ذلك تماما.. والسؤال حول المستقبل حسب رورتي ليس التماسا لنبوءة، بل استلهاما لمشروع أو خطة .. وهنا يصبح السؤال «من نحن؟» طريقا للسؤال عن المستقبل الذي يجب أن نحاول معا أن نبنيه. ويتفق «نيتشه» و«جيمس» علي البدء من هذا السؤال، ولكنهما يختلفان في الإجابة، ولدي الإثنان مشروعات وخطط مختلفة : فمشروع «نيتشه» أرستقراطي، ومشروع «جيمس» ديمقراطي.. فالضمير «نحن» عند «نيتشه» يضم قلة سعيدة أو «الرفاق المختارين» عند زرادشت، أما «نحن» عند «جيمس» فهم سكان (كومنولث تعاوني عالمي). إن جيمس يسلم بالفرضية العالمية الموجودة في المسيحية وفي حركة التنوير بأن مجتمعنا الأخلاقي يجب ان يتطابق ويتماثل مع أنواعنا البيولوجية ولا يتحدد بأية طريقة تتعلق بالماهية، إنه مجتمع يتكون من كائنات حية يمكن أن تعيش معا . وهذا يعادل مشروع توزيع موارد كوكب الأرض بطريقة لا يفتقد معها أي طفل بشري الحياة الكريمة، المتاحة لأي طفل بشري آخر علي نفس الكوكب وللحديث بقية ..