علي طول أطرافه الشرقية علي الخليج العربي، يمر العالم العربي بطور تحول أكبر من اي طور كانت قد أنتجته دوله المتنافسة، او الاحزاب السياسية المتناحرة او حركات التمرد العنيفة. وتجسد هذا التحول إمارة دبي التي تكمن ثروتها الهائلة كما ونموها غير العادي فيما وراء النفط أو قطاع الانشاءات، بل وحتي الشرق الاوسط، نظراً لان الامارات العربية المتحدة تستورد جل سكانها وسلعها وبنيتها الاساسية من خارج المنطقة. لكن الهجرة لا تشكل موضوعاً هنا، لا هي ولا الهستيريا الوطنية ورهاب الأجانب، لان العدد الصغير من مواطني دبي يجعل من صياغة ثقافة وطنية فيها أمراً مستحيلاً. وبدلاً من ذلك، توجد هوية دبي في شكل إعلانات وسلع. ويمكن العثور عليها متخفية في شكل المتعة والتسلية، بدءاً من مقاهي النارجيلة إلي رحلات القنص الصحراوية، والتي يتكون مصمموها ومنشئوها ومستهلكوها من الأجانب. وتلعب اللغة العربية دوراً مشابهاً، والتي يخدم تواجدها الصوري علي الشواخص العامة كستارة خلفية للحديث بالاوردية والروسية والفارسية والتاغالوغ، التي تشكل اللغات الفعلية لدبي. وثمة لغة مشتركة واحدة فقط، هي - الانجليزية - التي يترتب حتي علي العرب استخدامها في تعاملاتهم اليومية مع اصحاب الحوانيت الصينيين والمعلمين الهنود وأطباء الاسنان الايرانيين. بدلاً من ان يكون مثالاً علي فشل الحداثة، فإن إسقاط دبي للهوية الوطنية كأساس للهوية إنما يبشر بما ينطوي عليه المستقبل الكوني. وهي تشكل اقرب ما يكون الي مجتمع تنظمه الرأسمالية. وبوصفها مناسبة لأن تكون جنة رأسمالية، فقد حظيت دولة الامارات العربية المتحدة بسمعة سيئة فيما يتعلق بالممارسات العمالية. لكن الإدارة والعاملين، وقد تحرروا من الرياء إزاء المصلحة الوطنية يمتلكون اللجوء الي لغة تتعدي المواطنية. ولا يتم هنا استحضار المصلحة العليا للأمة، وانما مصلحة الفرد والانسانية في نطاقها الأوسع، لأنه حتي الدولة في دبي لا تمثل الإرادة الجمعية لمواطنيها، وإنما تلعب دور الحَكَم وحسب. تشكل دبي دولة تكنوقراطية، وتمثل العائلة الحاكمة فيها شيئاً مشابها للملَكية. ولانهم نالوا القابهم من البريطانيين في الهند، فإن حكام الامارات العربية المتحدة يستقون مجدهم من عالم "الراج" المتلاشي، في الوقت الذي يعملون فيه مثل رؤساء الشركات. أما الديمقراطية في دبي، فهي في غير محلها، وهي ممكنة بين ظهرانيي المواطنين فحسب. ولعل قصر الديمقراطية علي الأقلية الصغيرة من الإماراتيين تظل أمراً غير حكيم، كما أن عرض المواطنية علي الأغلبية في البلاد هو ضرب من العبث، ذلك أن الديمقراطية تعني المواطنية، والمواطنية تعني الجنسية، والجنسية تعني خلق أغلبية. ولا توجد في دبي اغلبية عرقية أو لغوية او دينية، او حتي سياسية. كما لا يمكن أن تتكون أغلبية أبداً نظراً لاعتمادية البلد علي قوة عمل مهاجرة أو مغتربة.