صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    الثلاثاء.. إعلان نتائج المرحلة الأولى وبدء الدعاية الامنخابية لجولة الإعادة    أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 14 نوفمبر 2025    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    البطاطس على القمة، 8.2 مليون طن إجمالي صادرات مصر الزراعية في 2025    استمرار رفع درجة الطوارئ لمواجهة أمطار نوة المكنسة بالإسكندرية    وزير الزراعة: 8.2 مليون طن إجمالي صادرات مصر الزراعية    الولايات المتحدة توافق على أول صفقة أسلحة لتايوان منذ عودة ترامب إلى الحكم    روسيا تعلن إسقاط أكثر من 200 مسيّرة أوكرانية    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    روسيا تتحدى خطة ترامب بمقترح مسودة مشروع قرار بشأن غزة.. ماذا يتضمن؟    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    عضو مجلس إدارة الأهلي عن رحيل محمد صبري: "خبر صادم ومؤلم جدًا"    وفاة محمد صبري لاعب الزمالك السابق    الأهلي يسعى للحفاظ على لقبه أمام سموحة في نهائي السوبر المصري لليد بالإمارات..اليوم    تحذير جوي.. سحب رعدية قوية تضرب السواحل الشمالية الشرقية والوجه البحري    أمطار غزيرة يصاحبها برق ورعد بالبحيرة    محافظة الإسكندرية تعلن عن تحويلة مرورية مؤقتة بشارع 45 بالعصافرة لمدة 15يوما    تبدأ من اليوم.. أمطار رعدية وسيول فى مكة ومناطق بالسعودية    مهرجان القاهرة السينمائي، حلقة نقاشية حول سينما أفلام النوع الليلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 14-11-2025 في محافظة قنا    الصحة: فحص أكثر من نصف مليون طفل للكشف عن الأمراض الوراثية    الرئيس التنفيذى للمجلس الصحى: الإعلان قريبا عن أول دبلومة لطب الأسرة    فصل الكهرباء عن قريتي الكراكات والكوم الطويل وتوابعهما ببيلا في كفر الشيخ غدًا لمدة 3 ساعات    كوريا الشمالية تدين دعوة مجموعة السبع لنزع سلاحها النووي    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة منتخب مصر الثاني ضد الجزائر.. والموعد    بإطلالة جريئة.. مي القاضي تثير الجدل في أحدث ظهور    «مفيش إدارة بتدير ولا تخطيط».. نجم الزمالك السابق يفتح النار على مجلس لبيب    نانسي عجرم عن أغنية أنا مصري وأبويا مصري: استقبلوني كنجمة كبيرة ورصيدي أغنيتان فقررت رد التحية    وزير الطيران المدني يشارك في الاجتماع الوزاري للمفوضية الأفريقية    حماية المستهلك: ضبط 11.5 طن لحوم فاسدة يُعاد تصنيعها قبل وصولها للمواطن منذ بداية نوفمبر    ميسي يحمل قميص "إلتشي".. ما علاقته بمالك النادي؟    تامر عبدالحميد: الأهلي كان الأفضل في السوبر.. وبيزيرا وإسماعيل وربيع أفضل صفقات الزمالك    حجر رشيد.. رمز الهوية المصرية المسلوب في المتحف البريطاني    خبر حقيقي.. مؤلف «كارثة طبيعية» يكشف سبب فكرة العمل    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    «مينفعش لعيبة الزمالك تبقى واقعة على الأرض».. جمال عبد الحميد ينفجر غضبًا بسبب صور مباراة نهائي السوبر    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    شاب ينهي حياته غرقاً بمياه ترعة العلمين الجديدة بكفر الدوار بالبحيرة    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    ابتلاع طفل لخاتم معدنى بالبحيرة يثير الجدل على مواقع التواصل.. اعرف التفاصيل    أمراض بكتيرية حولت مسار التاريخ الأوروبي: تحليل الحمض النووي يكشف أسباب كارثة جيش نابليون في روسيا    المركز الأفريقى لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي ل«مرض السكر»    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    مصرع 3 أشخاص وإصابة 4 في حادث تصادم سيارتين بالكيلو 17 غرب العريش    جيش الاحتلال يستهدف جنوب شرقي دير البلح بإطلاق نيران كثيف وسط غزة    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    نانسي عجرم ل منى الشاذلي: اتعلمت استمتع بكل لحظة في شغلي ومع عيلتي    القانون يحدد شروطا للتدريس بالمدارس الفنية.. تعرف عليها    التفاصيل الكاملة لمشروع جنة مصر وسكن مصر.. فيديو    الشيخ خالد الجندي: كل لحظة انتظار للصلاة تُكتب في ميزانك وتجعلك من القانتين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظل أزمة ثقة حول علاقة الغرب بالإسلام
نشر في نهضة مصر يوم 14 - 02 - 2006

في رحلة خارجية طويلة، قام خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز بجولة أسيوية واسعة لفتت الأنظار بأنها لم تكن رحلة تقليدية روتينية، بل هدفت إلي وضع أسس جديدة لسياسة المملكة العربية السعودية الخارجية تتماشي مع التطورات التي مرت بها هذه المنطقة والعالم خلال السنوات القليلة الماضية. والدليل علي أهمية هذه الجولة الملكية التي شملت الصين والهند وباكستان وماليزيا، وحجم النتائج المتوقعة منها، أنها أول زيارة لعاهل سعودي للهند منذ أكثر من خمسين عاما
وأول زيارة لملك سعودي للصين علي الإطلاق بعد الاعتراف بها لأول مرة في 1990، وأول جولة واسعة يقوم بها مسئول سعودي علي هذا المستوي الرفيع يتم فيها توقيع هذا الحجم الكبير من الاتفاقيات ويثار فيها توجهات سياسية واستراتيجية جديدة لم تكن مطروحة من قبل. وباختصار فإن هذه الجولة الأسيوية للملك عبد الله تقول إن النظر السعودي الذي كان موجها من قبل صوب العالم العربي والغربي يلتفت الآن إلي حديقته الخلفية التي لم تحظ بنفس الاهتمام طيلة عقود طويلة تغيرت فيها الأحوال والقوي والمخاطر والفرص.
أسباب هذا التحول كثيرة، ويأتي في مقدمتها أن مركز ثقل التغيرات والأحداث العالمية قد انتقل تدريجيا جهة الشرق وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتدخل الولايات المتحدة وحلفائها عسكريا في أفغانستان والعراق، وإعلان الحرب دوليا علي الإرهاب، وبعد رسوخ الاعتقاد بأن ذلك الفضاء الممتد من الخليج إلي الصين صار معقلا لتجمعات الإرهابيين وزعمائهم ومكانا لتطوير أفكارهم وخططهم. لكن البعد الأمني لم يكن هو الشئ الوحيد وراء تحول اهتمام السعودية جهة الشرق، بل كانت هناك أسباب أخري متصلة بظهور كل من الصين والهند علي الساحة الدولية كنمور عالمية جديدة علي المستوي الاقتصادي والعسكري.
ولعل معدلات النمو المرتفعة للهند والصين خلال السنوات الأخيرة، وتزايد إقبالهما علي استهلاك النفط مع تصاعد قدراتهما العسكرية نوعا وكما، هو الذي فجر الاهتمام السعودي بتحويل حديقته الخلفية المهملة إلي بوابة رئيسية تطل علي آسيا الجديدة وتتفاعل معها. ويأتي هذا مصدقا بصورة عملية لمفاهيم "الشرق الأوسط الكبير" التي تعرضت لنقد واسع من الذين لا يرون العالم إلا من خلال نافذة عربية مغلقة؛ كما يتفق مع حقائق تراكمت مع الوقت متصلة بثروة النفط وارتفاع أسعاره وضرورة تجديد بنيته الأساسية، وزيادة حجم التحركات البشرية من آسيا إلي المنطقة العربية، ومن داخل المنطقة العربية ذاتها إلي هناك في صور هجرة وتجارة وسياسة وإرهاب قام بها الناس طواعية بحكم الحاجة والظروف والأفكار وبدون إذن من الدول؛ وكان علي الدول أن تتعامل مع كل ذلك وتغير من مفاهيمها السابقة.
أهمية السعودية كدولة وكجغرافيا أنها في منتصف الطريق بين الشرق الأوسط القديم بحدوده المعروفة والشرق الأوسط الكبير بمساحته الممتدة حتي الصين. والسعودية بالإضافة إلي ذلك تعتبر أكبر منتج للنفط في العالم، وهذا النفط يذهب جزء مهم منه إلي القوي الاقتصادية الجديدة في آسيا النهمة للنفط مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. وبسبب موقع المملكة الاستراتيجي ونفطها الغزير واقتصادها النامي، صارت مكانا لاستقبال العمالة الأسيوية بصورها المختلفة حتي وصل عدد العاملين الهنود في المملكة إلي حوالي 1.7 مليون عامل، وهذا النمط متكرر في بلاد الخليج الأخري المستقبلة ليس فقط للعمالة الهندية ولكن أيضا للعمالة الباكستانية والفلبينية. وهناك عامل إضافي يشكل النظرة السعودية وهو الإسلام. فالسعودية تعتبر نفسها الحامية الأولي لعقيدة الإسلام، فملكها يطلق علي نفسه "خادم الحرمين الشريفين"، كما يحج المسلمون في العالم إليها كل عام في موسم الحج وعلي طول العام من أجل العمرة، كما أن ما تنتجه من فكر ديني أصبح مؤثرا سلبا وإيجابا علي المسلمين في باقي دول العالم. وعندما نتكلم عن الإسلام والمسلمين فنحن نتكلم في الحقيقة عن الدول شرق السعودية وليس غربها، فهم الأكثر عددا وتعددا، وهم الذين في حاجة إلي المساعدة والدعم، خصوصا في البلاد ذات الأقلية المسلمة مثل الصين والفلبين وتايلاند.
لو تكلمنا عن الصين نجد أنها تستورد حاليا من السعودية حوالي 480 ألف برميل في اليوم، وهو لا يمثل نسبة كبيرة من مجمل استهلاك الصين الذي يصل إلي 6.9 مليون برميل يوميا والذي تستورده الصين من دول أخري مثل إيران. لكن المهم أن 75% من النفط الواصل إلي الصين يمر بالخليج والمحيط الهندي وهذا يعني "أمنيا" مسئولية حماية الممرات المائية الواصلة إلي الصين حتي لا يواجه اقتصادها بأزمة نفطية تهدده أو تقضي عليه. ونفس الكمية من النفط تقريبا تستوردها الهند من السعودية لكنها مثل الصين تتزايد فاتورتها النفطية مع النمو الاقتصادي، ويتم ترجمة ذلك إلي علاقات أمن واقتصاد مع الدول الأخري.
ومثل الولايات المتحدة الذي بدأ أهتمامها منذ خمسين سنة بالممرات المائية المؤدية للنفط، ومن أجله تم نشر الأسطول السادس في المتوسط والتفكير في حلف الناتو، ثم بعد حرب 1973 التفكير في تكوين احتياطي استراتيجي نفطي عملاق يغطي احتياجات الولايات المتحدة لمدة 6 أشهر؛ علي نفس النمط تفكر الصين في تخزين 100 مليون برميل داخل أراضيها كمخزون استراتيجي يكفيها لمدة شهر علي الأقل، ونفس التفكير ربما أيضا يراود الهند. وهي أشياء قد تبدو صغيرة لكنها من "العلامات الصغري" لولادة قوة عالمية، وتتلخص في حجم ما تحتاجه الدولة من طاقة وهو ترجمة لتقدمها الاقتصادي والاجتماعي، وبقدر ما تفكر في حماية استمرار توافر هذه الطاقة وبأسعار مقبولة.
ولا يقتصر الأمر علي ذلك بل ينتقل إلي التفكير في دخول الدولة إلي مجال التنقيب والبحث عن النفط والغاز وهو مجال احتكرته الدول الغربية لفترة طويلة. فالصين دخلت هذا المجال بالفعل في إفريقيا وتتطلع إلي أن تجد موقع قدم لها في منطقة جديدة مثل الربع الخالي في السعودية. ونفس الاهتمام نجده عند الهند ربما في صورة مشروعات مشتركة مع السعودية، وفي هذا الإطار يمكن للصين والهند أن ينقبا عن النفط في السعودية، ويمكن للسعودية في المقابل أن تشارك في إقامة مصاف ومعامل تكرير للنفط علي الأرض الصينية والهندية بعد أن اكتشف العالم أن أزمة النفط الحالية ترجع في جزء منها إلي أن البنية الأساسية المتعاملة مع النفط لم تعد كافية للاستجابة لمعدلات الزيادة الحالية في استهلاك النفط. فالصين علي سبيل المثال تمتلك 50% من حقل ياراكان في إيران في مقابل 100 بليون دولار لشراء النفط من إيران لمدة 30 عاما. ولقد دفع التقدم الاقتصادي الصين إلي عدم الوقوف علي حافة العالم، بل سارعت إلي افتتاح سفارة لها في بغداد، وقدمت دعما ماليا للانتخابات العراقية، وشاركت في حوار للمنتجين والمستهلكين لنفط الخليج، وأعضاؤه السعودية والكويت والعراق وإيران والإمارات من ناحية والهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية من ناحية أخري.
عندما تصل الأمور إلي تلك الدرجة من التداخل يقفز الأمن الإقليمي إلي السطح، أو بتفسير آخر يقفز السؤال المهم: "كيف يمكن حماية التقدم؟" أو بصورة أخري "كيف يمكن أن نجعل التنافس من أجل التقدم سلميا؟". البداية تكون عادة بطرح السؤال عن كيفية التعامل مع القوي التقليدية القديمة الموجودة أصلا في المنطقة منذ أن عرفت المنطقة النفط مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. وكيف يمكن السيطرة علي التنافس الصيني الهندي، والصيني الياباني، والهندي الباكستاني، وكيف يمكن مكافحة الإرهاب العدو الأول للنمو والاستقرار. في هذا الإطار من الصعب أن تبقي السعودية ودول مجلس التعاون بعيدة عن التنسيق المشترك وهناك قضايا حساسة قريبة من حدودها مثل قضية التسلح النووي الإيراني التي يمكن في أية لحظة أن تنفجر في وجه الجميع. وهناك بالفعل من يتحدث في ظل هذه التغيرات عن "ناتو أسيوي" يفعل ما فعله الناتو الأوروبي الأمريكي في حماية أوروبا من مخاطر أيديولوجية وأمنية كانت محيطة بها.
هناك ملاحظة أخيرة علي زيارة العاهل السعودي الأخيرة لعدد من الدول الأسيوية، ملاحظة تتعلق بعلاقة الغرب بالإسلام ومستقبله معه وما يحيط ذلك المستقبل من شكوك وضعف في الثقة، الأمر الذي سوف يدفع دولة مثل السعودية وغيرها في المنطقة العربية ممن كانوا حلفاء للغرب وربطوا مستقبلهم معه إلي التفكير في البحث عن رفقاء طريق آخرين ليس بوصفهم بديلا عن الغرب، ولكن بمنطق الاعتراف بأن أرض الله واسعة، وأن في كل أرض مصلحة يجب السعي من أجلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.