رئيس الوزراء: مصر استقبلت 18.8 مليون سائح خلال 2025    سعر مواد البناء مساء اليوم 24 ديسمبر 2025    منظومة تراخيص ذكية للمشروعات العقارية في العاصمة الجديدة    كاتس: إسرائيل تتابع ملف إيران عن كثب    الجزائر تستهل مشوارها في كأس أفريقيا بثلاثية أمام السودان    البحيرة.. مصرع شخص وإصابة 3 آخرين بحالات اختناق جراء حريق بمنزل في رشيد    مكتبة الإسكندرية تستقبل النائب العام الفلسطيني وتستعرض مشروعاتها الثقافية    الداخلية تكشف حقيقة فيديو متداول وتؤكد: الواقعة قديمة وتم اتخاذ إجراءات تأديبية    رئيس جامعة الإسكندرية يعلن صدور قرار بإنشاء فروع للجامعة في الإمارات وماليزيا    الإدراية العليا تحيل 14 طعنا للنقض على نتيحة انتخابات النواب للدوائر الملغاة    إتاحة الاستعلام عن القبول المبدئي للمتقدمين لشغل 964 وظيفة معلم مساعد بالأزهر    أسرع أهداف أمم أفريقيا 2025.. رياض محرز يكتب التاريخ مع الجزائر    محمد سامي يفاجئ مي عمر أثناء تصوير "الست موناليزا"    رئيس الوزراء: مصر كانت بتتعاير بأزمة الإسكان قبل 2014.. وكابوس كل أسرة هتجيب شقة لابنها منين    محافظ الغربية يفتتح عددًا من الأقسام والوحدات المطوّرة بمستشفى المحلة العام| صور    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته بسبب مشغولات ذهبية بالمنيا    مدرب بنين: قدمنا أفضل مباراة لنا رغم الخسارة أمام الكونغو    الكاميرون تواجه الجابون في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    ديبال S05 تحصل على تصنيف 5 نجوم في اختبارات Euro NCAP لعام 2025    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    هذا هو موعد ومكان عزاء الفنان الراحل طارق الأمير    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    التعاون الاقتصادي والتجاري والمباحثات العسكرية على طاولة مباحثات لافروف والشيباني    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    جامعة قناة السويس تعلن أسماء الفائزين بجائزة الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    النائب محمد رزق: "حياة كريمة" نموذج للتنمية الشاملة والتحول الرقمي في مصر    انتظام التصويت بالسفارة المصرية في الرياض    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    حوار إسلامي مسيحي لأول مرة بقرية «حلوة» بالمنيا حول ثقافة التسامح في الجمهورية الجديدة (صور)    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    مدافع من سيتي وآخر في تشيلسي.. عرض لتدعيم دفاع برشلونة من إنجلترا    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    ماريسكا: إستيفاو وديلاب جاهزان ل أستون فيلا.. وأشعر بالرضا عن المجموعة الحالية    وزير الري: الدولة المصرية لن تتهاون في صون حقوقها المائية    ضبط 4 متهمين اعتدوا على مواطن بأسلحة بيضاء بسبب خلافات فى السويس    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    ضياء السيد: إمام عاشور غير جاهز فنيا ومهند لاشين الأفضل أمام جنوب إفريقيا    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    محمد إمام يكشف كواليس مشهد عرضه للخطر في «الكينج»    طريقة عمل شوربة العدس الأحمر بجوز الهند والزنجبيل    القومي للطفولة والأمومة يناقش تعزيز حماية الأطفال من العنف والتحرش    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    حريق هائل بمنطقة صناعية في تولا الروسية بعد هجوم أوكراني بمسيرات (فيديو)    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    واشنطن في مجلس الأمن: سياسات مادورو تهدد أمن الولايات المتحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظل الصراع بين دعاة العزلة وأنصار التدخل
نشر في نهضة مصر يوم 12 - 02 - 2007

لا يكف الحوار السياسي الدائر حول السياسات الخارجية الأمريكية مطلقاً عن محاولة التوصل لأفضل كيفية ممكنة لأن تفعل أمريكا ما تراه صحيحاً بالنسبة لها، ومعبراً عن مصالحها الحيوية والاستراتيجية، إلا أنه لم يسبق له قط أن اهتم بفحص مصادر وعواقب تلك السياسات من الناحية العملية. كما أنه لم يسبق لهذا الحوار أن أبدي أدني اهتمام يذكر باستحالة تحقيق الأهداف التي ترمي إليها تلك السياسات، بكافة المفاهيم والمعايير.
وحتي هذه اللحظة، فإنه لم يصدر عن الكونجرس الأمريكي، ولا عن دوائر صنع القرار في واشنطن، ولا من قبل أي من وسائل الإعلام الأمريكية، نداء واحد، لإعادة نظر نقدية في المبادئ الأساسية التي يقوم عليها ما تفعله الولايات المتحدة حالياً في العراق، ولا فيما يتوقع أن تفعله قريباً جداً في إيران، وكذلك في شرقي أفريقيا علي أرجح الظن.
وبحسب رؤية جورج بوش، فإنه يقع علي عاتق الولايات المتحدة، "وضع حد للطغيان والاستبداد علي نطاق العالم بأسره". وذلك هو الهدف القومي الذي نص عليه البيان الرسمي حول "استراتيجية الأمن القومي"، وهو الوثيقة التي يبدو أن مسئولي السياسات قد أخذوها علي محمل الجد، وعولوا عليها كثيراً في رسم استراتيجية الأمن المذكورة. ولكن يبقي سؤال مهم: من منا، بمن فينا أولئك الذين ينهضون بخط بيانات وإعلانات استراتيجية كهذه، يؤمن حقاً بإمكان وضع حد للطغيان والاستبداد علي نطاق العالم كله؟! لو وجد بيننا من يؤمن حقاً بمثل هذه الترهات، فلا ريب البتة في كونه مخبولاً أو مختلاً عقلياً. وما نعلمه جيداً أن ظواهر الاستبداد والطغيان والقهر والنزاعات، تعد قديمة قدم وجود البشرية نفسها علي وجه الأرض، وأنه ما من سبيل لاجتثاث جذورها واستئصالها مهما حلمنا وتوهمنا.
والشاهد أن أمريكا ما زالت تزعم أنها تهدف لإصلاح المجتمع الإنساني أخلاقياً، مستندة علي المقولة القديمة بأنها تؤدي دورها الدولي، انطلاقاً من كونها حاملة "رسالة إلهية" كونية. وقد ترسخت هذه القناعة الأخلاقية، في صلب اللبنات الأساسية التي قامت عليها الولايات المتحدة أصلاً. أما أصولها ومنابعها، فتعود هي الأخري إلي المعتقدات الدينية التي بشر بها مستعمرو "نيو إنجلاند" التطهُّريون. وكما هو معلوم، فقد كان هؤلاء من المنشقين الكالفينيين، من ذوي الطموحات والتطلعات الكونية. وقد آمن هؤلاء إيماناً لا يتزعزع بأن مجيئهم واستقرارهم في الولايات المتحدة، إنما هو أمر مقدر ومخطوط سلفاً بمشيئة إلهية، أرادت له أن يكون بداية تطهرية جديدة للإنسانية الغارقة حتي أذنيها في الرذائل والخطايا. وبدا في لحظة لهؤلاء، وكأنهم يضعون اللبنات التأسيسية الأولي ل"قدس جديدة" في التراب الأمريكي. غير أن بقية المستعمرين الأمريكيين الأوائل، لم يكونوا يشاطرون هؤلاء الاعتقاد الديني نفسه، نظراً لترويج هذه البقية للقيم والأفكار التجارية العملية، ولإرسائها لتقسيم الأراضي الأمريكية الجديدة المكتشفة حديثاً، علي قواعد وأهداف ذات طابع مادي عملي بحت.
ومهما يكن من خلاف بين تيار استعماري وآخر، فإن الشاهد أن هؤلاء التطهُّريين قد ألهموا الخيال الأمريكي، ومنحوا الأمريكيين ذلك الشعور العميق الراسخ في وجدانهم بأن لهم واجباً ومهمة أخلاقية إصلاحية في هذا العالم الجديد. بل لقد عملت أمريكا علي هذا الأساس، وتبنت نهجاً توسعياً عابراً للحدود والقارات خلال القرن التاسع والعشرين، وهي فترة اتسمت بمحافظة أمريكا بشكل عام، علي مسافة فصلت بينها وبين سياسات القوة التي كانت تتبناها دول القارة الأوروبية الاستعمارية حينئذ.
لكن في عصرنا العلماني الحديث هذا، فإن تمسك أمريكا بتلك الوضعية الرسالية الخاصة، إنما يستند علي ظروف وملابسات نشأة الأمة الأمريكية نفسها، باعتبارها خلفاً ثورياً للبلاطات الملكية التي حكمت أوروبا، بقدر استناده كذلك علي ما حققته أمريكا من نجاحات وإنجازات اقتصادية وصناعية وتكنولوجية لاحقة، فضلاً عما بنته من قوة عسكرية عملاقة. ولكونها ديمقراطية قائدة، فقد ألقت علي عاتقها مسئوليات دولية جساماً، تضارع ما تتمتع به من مكانة مرموقة وامتيازات دولية. وعلي أي حال، فقد ظل ذلك الشعور بالسيادة الأخلاقية علي العالم، مراوحاً مكانه دائماً هناك، علي مستوي السياسات والأفعال معاً. غير أن معضلة أمريكا، تكمن في أن غالبية من هم خارج القارة الأمريكية، لا يرون سبباً واحداً وجيهاً يبرر رسوخ هذا الاعتقاد أو الوهم الأمريكي الخاص.
ففي عام 1900، انتهت نزعة أمريكا الانعزالية بخوضها حرباً ضروساً فاصلة مع أسبانيا. وفي عام 1914، كانت الولايات المتحدة قد أعلنت حيادها في بادئ الأمر، إلا أنها انجرت إلي ساحات الحرب العالمية الأولي وميادينها، ما أن أعلن الرئيس "وودرو ويلسون" أنه إنما يفعل ذلك، انطلاقاً من غاية أخلاقية سامية نبيلة، تتمثل في خوض الحرب بغية وضع حد لكل الحروب. غير أن الحقيقة أن هذا الهدف، وغيره من جملة الأهداف الأخري التي شكلت النقاط الأربع عشرة التي قامت عليها خطة السلام الشهيرة التي أعلنها قد باءت جميعها بالفشل.
وما أن وضعت الحرب العالمية الأولي أوزارها، حتي عادت أمريكا إلي نزعتها الانعزالية مجدداً، وظلت عليها حتي وقع الهجوم العدواني الكبير علي "بيرل هاربر". وبذلك فقد أرغمت ثانية علي خوض معارك الحرب العالمية الثانية، مستلهمة العقيدة الويلسونية نفسها، بجعلها لهذه الحرب حملة أخلاقية جديدة، تهدف إلي تحقيق "الحريات الأربع" للبشرية كافة.
أما حقبة الحرب الباردة، فلم توفر لوزارة الخارجية الأمريكية، إلا فرصة محدودة للغاية، لصياغة ما عرف بسياسة "الاحتواء" ضد الاتحاد السوفييتي السابق. لكن ما أن تولي فوستر دالاس مهام الوزارة في عهد الرئيس الأسبق إيزنهاور، حتي تحولت تلك الحرب سريعاً، إلي حملة أخلاقية تنشد تحقيق الحريات. ذلك أن دالاس نفسه، كان كالفينياً شأنه شأن "وودرو ويلسون".
ومنذ ذلك الوقت ساد الاعتقاد بين الأمريكيين، بأن جميع حروبهم إنما هي حملات أخلاقية نبيلة، تنشد إرساء الحريات علي الأرض. إلا أن تحولاً جديداً طرأ علي هذا الاعتقاد الآن، نتيجة لتجاوز حرب بوش الأخيرة المعلنة، لذلك السقف، وإعلانها هدفاً آخر، يتمثل في وضع حد للطغيان والاستبداد علي الأرض. وكان قد خطر في أذهان الكثيرين منذ وقوع هجمات 11/9 أن هدف هذه الحرب، حري أن يكون القبض علي مدبري تلك الهجمات ومحاكمتهم. وكانت قد سادت القناعة أيضاً، بأن الطريق المفضي إلي هذه النتيجة، هي العمل الاستخباراتي والتعاون الشرطي الدولي علي الأمر، وليس الذي نراه الآن. فقد أعلنت حرب دولية فضفاضة بلا أهداف محددة، علي الإرهاب الدولي في مجموعه أولاً، ثم تحولت إلي حرب ضد التطرف، ثم إلي حرب علي "الدول الفاشلة" في أفريقيا وغيرها مؤخراً. وإذا ما أخذنا علي محمل الجد، مسار هذه الحرب وتبدلاتها، فهي بحق "حرب بلا نهاية". ولذلك فقد أصاب بوش حقاً في تسميتها ب"الحرب الطويلة" الممتدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.