برلماني : كلمة الرئيس باحتفالية عيد تحرير سيناء كشفت تضحيات الوطن لاستردادها    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    برلماني: تنفيذ مخرجات الحوار دليل على جديته وقوته    سعر البيض الأحمر والدواجن اليوم في البورصة للمستهلك بعد الارتفاع المتتالي    برلماني: انقطاع الكهرباء يمتد لثلاث ساعات في القرى    بدء تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال العامة في الدقهلية    تنفيذ 15 حالة إزالة في مدينة العريش    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    بالفيديو.. اللقطات الأولى لحادث وزير الأمن القومي الإسرائيلى    شولتس يدعو لزيادة دعم أوكرانيا في مجال الدفاع الجوي    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    أخبار الأهلي : فيفا يكشف عن أمر هام بشأن مازيمبي قبل مواجهة الأهلي بساعات    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    رياح مثيرة للأتربة تُعطل الحركة المرورية في سوهاج    كان بيستحمى بعد درس القمح.. مصرع شاب غرقًا في المنوفية    بالإنفوجراف والفيديو.. رصد أنشطة التضامن الاجتماعي في أسبوع    بعد صورتها المثيرة للجدل.. بدرية طلبة تنفي دعوتها للشاب حسن في زفاف ابنتها    دون سابق إنذار.. أنباء عن سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    شركة GSK تطرح لقاح شينجريكس للوقاية من الحزام الناري    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    تكثيف أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحي بمحافظات القناة    بيراميدز يهزم الزمالك برباعية ويتوج بدوري الجمهورية    سيد رجب: شاركت كومبارس في أكثر من عمل    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    محافظ المنوفية: 25 فاعلية ثقافية وفنية خلال أبريل لتنمية المواهب الإبداعية    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    أسبوع الآلام.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بختام الصوم الكبير 2024    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    سكاي: سن محمد صلاح قد يكون عائقًا أمام انتقاله للدوري السعودي    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل (الجزء الثالث والعشرون)
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 05 - 2010

كان جسر الانتقال الزمنى ما بين سنة 1969 إلى 1970 لحظة انتقال ظاهرة ومؤثرة فى مسار أزمة، وقد بدأنا فى الانتقال من سنة 1969 والتى أسميتها سنة القلق إلى سنة 1970 وقد ظهر لنا جميعا أن نسميها سنة الخطر، حيث أنها كانت لحظة دقيقة جدا وبدأت تنتقل الأزمة من منطقة لأخرى كأنها حالة انتقال جغرافى حتى فى الزمن والطبيعة ومن منطقة إلى منطقة بمناخ مختلف وتضاريس مختلفة.
وفى نهاية السنة بدأت الأمور تتخذ منحنى تريده كل الأطراف؛ لأن الوضع الراهن بكل ما حدث فيها ظاهرة وخافية، سنة 1969 بدأ بدفع الحركة فى اتجاه معين، وأول مكان ظهرت فيه متحركة هو ما يجرى فى واشنطن، حيث بدأت إدارة نيكسون فى تغيير استراتيجيتها فى شهرى نوفمبر وديسمبر وبالتحديد بعد الثورة الليبية.
وفى هذا الوقت جرت مناقشات فى مجلس الأمن القومى الأمريكى للإدارة التى مضى عليها فى ذلك الوقت سنة تقريبا، لأنها بدأت فى يناير سنة 1969، وكان موجودا فى هذه المناقشات وزير الخارجية روجرز ومستشار الأمن القومى هنرى كيسنجر، وكان هناك خلاف واضح بينهما وكلاهما يرى أن المعركة الرئيسية فى العالم كله هى المعركة الباردة مع الاتحاد السوفييتى، وهم يرون أن أزمة الشرق الأوسط فى هذا قد تحولت إلى بؤرة ما يجرى فيها هذا الصدام ويحتدم، وكلاهما له رأى، حيث يرى وليام روجرز أنه فى هذه الأزمة العرب طرف له استقلاله وأنه ينبغى التوجه إليه مباشرة ومحاولة أخذه من الاتحاد السوفييتى وأن هذا يكفى ليكون انتصارا واضحا جدا فى الحرب الباردة لأن الشرق الأوسط هو بؤرة الصراع.
لكن كان لهنرى كيسنجر رأى آخر وقال إن العرب اذا أخذوا من الاتحاد السوفييتى سيطلبون ثمنا غاليا جدا وعلى حساب إسرائيل، وأنه اذا أردنا ان نسترضيهم يقتضى ذلك أن تدفع إسرائيل ثمنا وأبسطه الانسحاب من الأراضى المحتلة كلها وقبول تسوية قد تكون غير مرضية لتصورات إسرائيل ورؤيته لما يريدون تحقيقه. واحتدم الخلاف بوضوح وكانت الحرب الباردة هى الموضوع وماذا يمكن أن يفعلوا لأمريكا.
وبادر ويليام روجرز بمشروعه الشهير الذى سمى فيما بعد بمشروع روجرز ولم يكن مشروعا، ولكن كان روجرز سيتحدث فى احتفال تعليمى كبير وهذا كان غريبا، أن يتحدث فيه عن الشرق الأوسط وكان هذا غريبا أن يطرح المشروع متصورا أنه بذلك يسبق الاختلاف الموجود فى الإدارة.
وأود أن أقول إن الوزراء والأجهزة فى الولايات المتحدة الأمريكية لها حركة مستقلة، فإذا كان الرئيس هو من يختار وزير الخارجية فلكى يثبت الأخير موقعه عليه أن يوافق عليه الكونجرس، فالوزير يدخل إلى مكانه وهو يعلم أن جهازه مستقل، وهناك أطراف مستقلة تستطيع أن تتكلم وهو ما يؤدى لحراك فى السياسة الأمريكية وفى نهاية المطاف الرئيسى هو الرجل المنتخب، واذا توافق مع الكونجرس فإن الموضوع انتهى بالنسبة لأى أحد ولأى وزير ولا يستطيع وزير ممارسة سلطته خارج نفوذ الرئيس ورأى الكونجرس.
ورأى روجرز فى ذلك الوقت أن يبادر على الرغم من أنه يقدم مشروعا محددا ولكن تحدث عن تصورات عامة لما يراه فى التسوية، وبالنسبة لنا أول ما لفت الانظار أن كلام روجرز فى ذلك اليوم حوى 12 أو 13 نقطة بيّن فيها تفصيليا كلمة الانسحاب الكامل وتحدث عن خطوط عمل التسوية ولم يقدم مشروعا محددا به بنودا ولكن بدا واضحا أن وزير الخارجية يشرح على أقل تقدير تصور حل مشكلة الشرق الأوسط.
وبالنسبة لنا فإذا كانت كلمة الانسحاب الكامل لفتت نظرنا فقد كانت هناك أنغام أخرى أيضا، ومعنى الاختلاف أنه لم يأت من عندنا، أو منحازا ضد إسرائيل لكنه ظاهر من التصرفات أن روجرز يتقدم بمشروع هدفه الانسحاب لكنه يتصور أو يلمح أو يقول تقريبا بشبه صراحة أن الأطراف لا بد أن يبحثوا قرار مجلس الأمن رقم 242، ومسائل الحدود واللاجئين والأراضى المحتلة إلى آخره.
وعندما تم دراسة مشروع روجرز فى القاهرة لم نرفض ولم نوافق، ولكننا لزمنا الصمت لننظر موقف إسرائيل وكانت فى إسرائيل كلمة الانسحاب مؤشرا نتيجة لتصوراتهم المختلفة فى موضوع الانسحاب، ولديهم تصورات أخرى فى المناطق المنزوعة السلاح ولديهم تصورات أخرى فى مسألة الحدود إلى آخره.
وتسربت معلومات عن مجلس الوزراء الاسرائيلى تقرر فيها رفض مشروع روجرز وتم إبلاغ إسحاق رابين الذى كان رئيس أركان حرب سنة 1967 وسفيرا لإسرائيل فى واشنطن بعد ذلك، وكانت مسألة التزود بالأسلحة شديدة الحيوية وكان رابين صديقا لكيسنجر ودرسا معا علوم السلاح قبل أن يكون رابين رئيس أركان حرب، وذهب ليكون سفيرا فى واشنطن ليسهل أمورا كثيرة.
وعندما تسربت الأنباء أن إسرائيل رفضت مشروع روجرز تلقى رابين رسالة من هنرى كيسنجر قال له من فضلك لا تبلغ الادارة الأمريكية الرفض رسميا، ولكن لا تقدم أى رفض رسمى بعد المعلومات التى تسربت من تل أبيب ولم يوافق كيسنجر على موقف وزير الخارجية، ولم تقبل مصر أو ترفض لكنها كانت تعلم أن هذا المشروع غير مقبول بالنسبة لها، فعلى الرغم من أنه أفضل من مشروعات كثيرة أخرى سبقته لكنه يحتاج للمناقشة والتحدث حوله، ولا داعى للمبادرة بالرفض لأننا نشعر بالموقف الأمريكى العصبى ونشعر بالصراع.
وفى هذا الموقف عقد اجتماع للأمن القومى الأمريكى به الرئيس نيكسون ويظهر فى هذا الاجتماع رؤية هنرى كيسنجر لأزمة الشرق الأوسط والدليل على أن السوفييت هم المفتاح وليس نحن، فأجد الأسئلة التى سألها هنرى كيسنجر فى الاجتماع وطلب من كل الجهات السى آى إيه ومن وزارة الدفاع ومن السفارات الدراسة والبحث للإجابة عن هذه الأسئلة الأربعة:
1 ما هو دور الشرق الأوسط فى الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة؟، وماهى مصالح الولايات المتحدة الحقيقية هناك وما مقدار أهميتها؟
2 ما هى طبيعة التهديد السوفييتى فى الشرق الأوسط؟ وما هى احتمالات الهيمنة والسيطرة السوفييتية؟ وما هى القوى التى ترغب فى تقليص النفوذ السوفييتى؟
3 ما هى طبيعة التهديد السوفييتى للحلف الأطلسى من خلال الشرق الأوسط؟
4 ما هو الموقف الحالى لمركز الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط؟، هل يتآكل بشكل عنيف أم أن هناك مستوى من المصالح المشتركة مع دول المنطقة من شأنها أن تمنعه من التدهور عند نقطة معينة؟ وهل إيجاد تسوية بين العرب وإسرائيل أمر حيوى للحفاظ على مركز الولايات المتحدة الأمريكية؟ وبعد ذلك طلب المعنيون فى الأمن القومى للاجابة عن كل هذه الأسئلة.
ومن الواضح أنه يرغب من خلال أسئلته أن تكون المناقشة هى موضوع التهديد السوفيتى وخطره ونفوذه وكان واضحا أن هاجسه الأساسى ليس الشرق الأوسط ولكن السوفييت.
وكان هذا الاجتماع قرب آخر سنة 69 وبعد الثورة الليبية، وتلفت المناقشة نظرى لأنه يتحدث عن السوفييت والعرب، ويقترح أن يخرجوا السوفييت أولا أو إبعاد العرب عن السوفييت، وهنا نجد وزير الخارجية متمسكا برأيه وكان قبلها بيوم قد أعلن مشروع روجرز، ومن المناقشات كان واضحا الضيق على كيسنجر بسبب إعلان روجرز مشروعه قبل جلسة مقررة لمجلس الأمن القومى وكأنه يريد ان يؤثر على مسار المناقشات.
وتحدث روجرز أنه تقدم بالمشروع ويعتقد أن لديه فرصة وأنه يعلم أن العرب لديهم استعداد لأن السوفييت ليسوا أوصياء عليهم اذا وجدوا ما يسمح لهم بالتحدث، وأنا ألقيت بنقاطى وتصورى لأنى أريد تشجيعهم، وأنا أعلم لماذا لم يتحدثوا دول الخط الأول فى المواجهة، فتدخل كيسنجر فى المناقشة موضحا أنه كان لديه مبعوث يدعى مكلوى وهو صديقه وهو شخصية كانت تتحرك كثيرا فى مجال الشرق الأوسط، وكان سفيرا ولديه تجربة كبيرة وبعض رؤساء الأمريكان كانوا يستخدمونه كرسول وكان مهتما وملما بأحوال المنطقة وقريب من المصالح البترولية بشكل ما، وقال نيكسون إن مكلوى نقل عن عبدالناصر أن العلاقة مع السوفييت ليست واضحة، وأننا أطراف مستقلون ونتحدث دون أى ضغوط سواء تصور الأمريكان ذلك أم لا.
وهنا قال هلمز مدير المخابرات أعتقد أنهم يريدون إبقاء الموقف على ما هو عليه، بينما قال روجرز إنه ليس واثقا من ذلك وانه مقتنع أنهم قلقون من عواقب أى انفجار فى الموقف يمكن أن تديره إسرائيل، وهنا رد كيسنجر : إنه كلما طالت الفترة التى تسيطر فيها إسرائيل على الأراضى العربية كلما عجز السوفييت عن إعطاء العرب ما يريدون، وبمرور الوقت فإن العرب حتما سوف يستنتجون أن ثقافتهم للاتحاد السوفييتى ليست نافعة وأنها أدت إلى هزائم، وهنا قال روجرز أن للسوفييت مشاكل مع الجمهورية العربية المتحدة وتبادل مشاكلها مع إسرائيل وهم لا يستطيعون ببساطة أن يدخلوا إلى مكتب جمال عبدالناصر ويحصلوا على موافقته لأى عرض يقدمونه لهم، ويجب أن يضعوا فى اعتبارهم حقيقة أن العناصر العربية الأكثر ثورية سوف تلوم السوفييت، على عدم تحقيق ما يريده العرب، وهنا قال الرئيس نيكسون إذن فإنه ممكن من هذا الجدل اذا اردنا الاتحاد السوفييتى أن يساعد فإن تلك النتيجة قد تتحقق بتخويفهم فلماذا تكون سياستنا أن نترك إسرائيل تخوف العرب قليلا؟
وقال روجرز إن موقفه الذى طرحه قد يساعد على تغيير الموقف وعلى تحسين الصورة خصوصا أنه يتفق تماما مع قرار مجلس الأمن، وفى نفس الوقت الذى جرت فيه هذه المناقشات الأمريكية كان العالم العربى فيه مناقشات وكان هناك شيئان موجودان أمام صانع القرار المصرى.
وهنا نجد الخطة العربية على ثلاثة مستويات: المستوى الأول أن يدرك أن الذى معه حقيقة فى المعركة هى سوريا وأجد فى ذلك الوقت جمال عبدالناصر يقابل الوفد السورى برئاسة الأداسى رئيس الجمهورية لكنه يهتم فى ذلك الوقت بوزير الدفاع حافظ الأسد، ويرى أن هذا الرجل شخصية بارزة بشكل ما إذا كانت هناك معركة، وهنا كان يرتب عبدالناصر ويتحاور مع الأسد وكان الأخير وزيرا فى الوزارة لكنه كان واضحا أنه الأقوى كونه وزيرا للدفاع.
وكان أول خط هو هل الجبهة الشرقية مهمة بشكل ما هو قادم، فسوريا هى المفتاح فى الشمال، ونجد أن جمال عبدالناصر ومراسلاته مع الأداسى واضحة فى أنه اذا أقتاد الأمر نحن وسوريا فقط، سوف ندخل المعركة المقبلة.الخط الثانى العمل العربى المشترك بأوسع نطاق بقصد توفير الحشد، وفى ذلك الوقت كان هناك مؤتمر القمة الدولى سيجتمع فى الرباط فى المغرب، وفى الطريق اختار عبدالناصر أن يكون السادات نائبا له تحسبا لمحاولة اغتيال كما رأى فى العملية عصفور.
وكان هذا المؤتمر أغرب ما يمكن وكان الملوك العرب فى ذلك الوقت مستفزين بسبب ما حدث فى الثورة الليبية، وأن هناك صيغة للتعايش بين ما يسمى تقدمى ورجعى ومحافظ إلى آخره وبدا أن هناك صيغة استقرت عليها الأمور بقلق فى العالم العربى، وقد صورت الثورة الليبية لمعسكر كامل من الملوك فى ذلك الوقت أن هذا الاتفاق قد جرى وصيغة التوافق قد حدث فيها خلل، وتعبير «رجعت ريما لعادتها القديمة» ينطبق على السياسيين والأمراء بالسعودية بتصورهم أن مصر كانت من حرّك الثورة الليبية وهذا لم يكن صحيحا على الاطلاق، ونتيجة لأجواء الشك ورواسب ما كان موجودا أود القول إن هذا كان واردا وقد اتفق على مؤتمر القمة فى الرباط أن يمر الملك فيصل على القاهرة قبلها وكان هذا اقتراح الملك حسن، لجلاء الجو وليؤكد جمال عبدالناصر للملك فيصل أنه لا علاقة لنا بتدبير الثورة الليبية، ولكن وقد وقعت فوجدنا أنفسنا بالطبع نساندها.
وكان محضر الاجتماع لهم موجودا معى ولكن اختفى من مكتبى فى لحظة من اللحظات وفى هذا اللقاء، وانا أتذكر تفاصيله وهى مكتوبة لدى فى أكثر من ملف حاول جمال عبدالناصر تليين الموقف مع الملك فيصل، وقال له إنه كان سيطلب منه 10 ملايين جنيه استرلينى لأننا نحتاج لقوارب مطاطية للعبور ستأتى من إيطاليا وكل الاعتمادات استنفدت فى شراء أشياء أخرى أو فى تكاليف أخرى. واذا بالملك فيصل يقول إنه لا يستطيع لأنهم يمرون بأزمة سيولة وان هناك مسألة مهمة وهى ان الشعب السعودى غاضب وغير متحمس لأى شىء لأننا قبلنا قرار مجلس الأمن 242 وأن قبولكم بهذا القرار يعد اعترافا بوجود إسرائيل والشعب السعودى يؤثر على أن يستشهد أى أحد فيه على أن يعترف بوجود إسرائيل.
وعندما قرأت ذلك كانت لدى بعض التحفظات ومسألة السيولة وغضب الشعب السعودى أمر به مبالغة، وسأل الملك فيصل عن ما الذى يقوم به هيكل؟، فقال عبدالناصر إن هيكل صحفى يحاول المحافظة على قلمه واستقلاله وهو صديقى ولكنه لا يعبر عنى ومرات نتفق، فسأل فيصل عن سبب أن هيكل كان الرسول لليبيا؟ فقال عبدالناصر إنهم من طلبوا رؤيته لأنهم ربما يقرأون مقالاته ولا يعرفون كثيرين فى مصر وعندما سألناهم من تريدون من الثورة فقالوا هيكل ولكن هذا لا يعنى أى شىء، وانتهت المقابلة فى القاهرة وفيها ما فيها لأنه لا أحد يأتى برواسب قديمة حاول ان ينساها بعد الخرطوم وذهب الملك فيصل للرباط.
وعندما ذهبنا للرباط وأعتقد أنه من أغرب مؤتمرات القمة التى عقدت فى التاريخ، وكتبت فيه مقالتين مباشرة قلت فيهما بعض الجوانب، والغريب أنه بعد بداية المناقشات بدا جو الشكوك ما بين معسكرين فى العالم العربى التقليدى أو غير التقليدى وبدا أنه معبأ غير ما هو ظاهر على السطح وكل الناس تتحدث عن انه جاء وقت المعركة، ويقول لهم عبدالناصر أنا لست قادما بالطلبات ولا بأى شىء، وهناك تقرير من محمد فوزى سيقدمه ونحن الآن نطلب حشد كل القوى ونحن الآن على وشك البدء فى أشياء وعلى الأقل نبدأ فى مرحلة التجهيز لميدان القتال ونحن نعرف ماذا نصنع، وبكل الوسائل نحن نعرف ماذا نعمل، وأن القضية هنا هى الحشد، وما الذى تستطيع أن تساهم به كل دولة فى معركة قادمة؟، فنحن لا نطلب مساعدة نحن نسأل فقط عن وجودكم ونحن نعلم السوريين على الجبهة السورية والأردنيين على الجبهة ولكن نود معرفة أين سيكون العراقيون فى المعركة والسعوديون فى المعركة والجزائريون فى المعركة، والمغرب أيضا، بمعنى أن هذا اجتماع للحشد وليس لطلب معونات.
والمشكلة أن الجو قد توتر بشدة قبل جلسات المؤتمر بسبب الثورة الليبية، وأن معمر القذافى حضر المؤتمر لأول مرة حيث كانت الثورة فى سبتمبر وفى ثلاثة شهور، وأن هذا الرجل يأتى من مجهول ذاهبا لمؤتمر قمة عربى، وأن هذا أول انتصار له فى العالم الخارجى وأول إطلالة له فى السياسة العربية وأول وجود له فى مؤتمر قمة، ومن أول لحظة أعتقد أن الجو كان مكهربا وكانت الثورة الليبية سببا كافيا إلى جانب تصرفات العقيد القذافى التى أضافت إلى الجو وهو جو مشحون بالطبيعة أو بالضرورة اضافت إليه مشكلة كبيرة جدا.
وأول شىء عرضه القذافى مشكلة الدعوة للمؤتمر والذى كتب طبقا للبروتوكول المغربى وكتب فيه حضرة صاحب الفخامة رئيس مجلس قيادة الثورة الليبية، فذهب لمدير البروتوكول وشطب كلمة الفخامة وقال له عقيد فقط، وبالنسبة لتعليقاته فهو لا يكف عن التعليقات ففى أول جلسة افتتاحية، وقد وقف الملوك والرؤساء فى انتظار من يقول لهم إن القاعة جاهزة وإن الوفود ووزراء الخارجية دخلوا ليأخذوا أماكنهم ثم سيدخل الملوك والرؤساء القاعة بعدهم، فالملوك والرؤساء فى الانتظار وعبدالحفيظ الملكى رئيس الديوان المغربى والبروتوكول فى المغرب لا يتصور أحد مدى صعوبتها، وقد لقب الملك حسن وقتها أمير المؤمنين، فهناك أجواء فى البروتوكول، شديدة وعبدالحفيظ وأنا كنت أعرفه رجلا صعبا جدا فى تشدده وهو قريب جدا من الملك وقد طلب من الملك بالتفضل بافتتاح القاعة مع الملوك والأمراء، وعندما جاء ليقول هذا الكلام للملك أخذ يده وقبلها فوقف القذافى فى وسط القاعة قائلا هل مازال هناك تقبيل الأيادى نحن مازلنا فى زمن الأسياد والعبيد وأنا لا أجلس مع هذا المجلس، وأنا كنت أتابع ذهول الملك حسين والملك فيصل وغيرهم من تصرفات معمر القذافى.
وعند دخولنا للقاعة دخلنا بأعجوبة واستقر الملوك والوفود فى أماكنهم وأعلن الملك حسن افتتاح الجلسة، اعترض معمر القذافى على موضوع الخطب وطلب معرفة ما الذى سيحدث فى موضوع الحشد، وأننا نأتى من أجل معركة لا من أجل التحدث فى كلام طويل، وعندما جاء ليطلب الكلمة نادى الملك حسن يا حسن ولم يتصور الملك أن أحدا يناديه يا حسن وعندما حاول الملك فيصل التحدث قال القذافى اسكت يا فيصل، وأخذ يتحدث مع الملوك دون ألقاب.
فأرسل الملك حسن ورقة لجمال عبدالناصر يرجوه بالتصرف مع رئيس الثورة الليبية وأن هذا الموضوع جعل الجو مشحونا، لدرجة أنه فى الاستراحة خرج معمر القذافى وطرد الجنرال أوفقير بعدما سألنى عن هوية هذا الرجل العسكرى وعلى صدره كل هذه النياشين فقلت له أوفقير قال لى إنه مجرم فهذا الذى خطف وقتل الزعيم المغربى بن بركة ثم اختفى فى باريس، ومشى معمر القذافى وراء هذا الرجل محاولا مطاردته فى الاستراحة وبسبب الأجواء المشحونة نتيجة الموضوعات أو التى تسبب فيها وجود القذافى.
ونجد أغرب شىء فى هذا المؤتمر أنه لا داعى أن يروا الوفود ما يحدث ويتم اقتصاره على رؤساء الوفود فقط، ويتم تنظيم جلستين أو ثلاثة سرية تكون قاصرة على رؤساء الوفود لتكون محدودة على نطاقها.
وأنا لا أعلم أن هناك رئيس دولة كتب بخط يده محضر كل الجلسات إلا جمال عبدالناصر، وقد كتب عبدالناصر والجلسة دائرة محضرا وصل لأربعين صفحة.
وما يهمنى فيه هو الجلسة الختامية لأنه قد بدأ المؤتمر بالجلسة الأولى وما أثاره القذافى عن قضية الحشد وما الذى سيقومون به فلم يرد أحد، وقال القذافى لعبدالناصر: لن يتحدث فيهم أحد ولا تضيع وقتك وأنه لا أحد مستعد لذلك.
وفى جلسة التى كتبها جمال عبدالناصر أجد أن القذافى قد كتب أنه لن نخرج بنتيجة وسنلف حول أنفسنا سواء كانت هناك جلسة أو اثنان وما فاضل إلا وداعكم ويذهب كل واحد إلى بلده ويتخذ ما يمليه عليه ضميره، ويجوز أن تتخذ خطوات أخرى ثنائية ثلاثية رباعية تدور فى نفس الحلقة وكل من يجىء عليه الدور يقول ما قاله فى الصباح ومفيش فايدة فى القمة العربية ومواقف الدول تتخذ بصورة بدائية وليبيا تدخل فى وحدة ثلاثية من أجل المعركة وتوزع الواجبات، واليمن مهدد لأنه كان وقتها النظام الجمهورى مهددا ونحن مستعدون لوحدة فورية مع الأردن أو ملكية زى ما الملك حسين ما هو عايز مع الأردن، ويكمل القذافى: مشاكل ليبيا تشترك مع الملك حسين وما فيش فايدة غير أن يروح كل واحد ينشر موقفه ويواجه الجماهير العربية ولن تكون القنابل إلا على الحكام والذى يخدم الشعب العربى هم الحكام والأرض العربية هى التى تحتل، وأنا أول من يواجه الجماهير بالحقيقة، وحتكلم مع الصحفيين فى اجتماع فى العلن لأن الشعب لا بد أن يعرف الحقيقة.
وخلينا نروح أحسن والله لأنه ليس ممكنا التقدم ونحن العرب نقاتل بعضنا ودول عاوزة دول المواجهة تسقط وآسف لحضورى المؤتمر والشىء الوحيد الذى استفدته تعرفت على بعض الأخوة الحقيقية وبعدها عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وبعدها قال: أنا سأعلن هذا الشىء بكل وسيلة عشان أمريكا ما تعطى قوتها لإسرائيل، وقال إنه يجب ان يعرف الشعب العربى الحقيقة واسمحوا قبل أن تذهبوا أن يألمكم ضميركم.
وعن فلسطين قال القذافى: إن فلسطين مسكينة، فرد عبدالناصر: والله أنا مش خايف على سيناء بقدر ما أخاف على الضفة الغربية والمليون ونصف نسمة، وانه كان لا يريد حضور الاجتماع ولكن دفعه شىء من معنويات لشعب المنطقة المحتلة، وعندما ذكر الرئيس العراقى عن الحشد قال القذافى «ماكو حشد».
وطلب الملك حسن تنظيم المناقشات وسؤال كل دولة عربية على ما تستطيع تقديمه وهناك بعض الدول لم تجب وهناك كثير من رؤساء الدول ونحن ندخل فى موضوع الصراع لا يريدون ربط أنفسهم بالأمر، السعودية قالت لا نستطيع تقديم أى شىء أكثر، والكويت سكوت، والأردن نقول ما يقوله العسكريون، العراق سندعم ياسر عرفات.
ثم قال الملك حسن بهذه الطريقة القذافى وضعنا فى مأزق، وقال الرئيس السودانى: معنى ذلك أنه لا بيان، وعندما طلب ملك المغرب الذهاب للجلسة الختامية رد القذافى: هذه هى الختامية.
ولكن من الواضح أن المؤتمر انتهى والنتيجة ان مواقف الدول العربية كانت من أتعس اللحظات فى تاريخ العمل العربى المشترك كله والمشكلة أنها جاءت فى وقت دخول المعركة الطور النهائى، وأثناء عودتنا للقاهرة حدث شىء غريب، وكنا سنذهب من الرباط مرورا لليبيا لتوصيل القذافى وجمال عبدالناصر ينظر نظرة على ليبيا، ولكن حدث فى الطائرة وكان قائدها اللواء سعد الشريف قلقلا، فقال الشريف لعبدالناصر إن هناك مشكلة فى الطائرة لأن العجلات ترفض النزول واتصلنا بمطار بنى غازى نطلب سيارات إطفاء وسيارات إسعاف، والطائرة بها عبدالناصر والنميرى والقذافى، ووقتها نظر لى عبدالناصر ونحن وقتها عرفنا سبب عصفور ونعلم لماذا اصبح السادات نائبا للرئيس، ولمدة 40 دقيقة تدور الطائرة حول مطار بنى غازى ولا تستطيع النزول ونرى سيارات الإسعاف والمطافئ، وحدثت المعجزة وخرج العجل وهبطنا وبعد الانتهاء من الزيارة ألح الرئيس النميرى على جمال عبدالناصر زيارة الخرطوم، وأن العالم العرب اهتم بالثورة الليبية واهتم بها وهناك ثورة فى السودان لم يهتم بها أحد، وذهب عبدالناصر للسودان بعد أن وعده بالزيارة فى ليلة رأس السنة للانتقال من 69 إلى 70.
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
حوارات هيكل (الجزء السادس عشر)
حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر)
حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)
حوارات هيكل (الجزء العشرون)
حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون)
حوارات هيكل الجزء(22)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.