فى ثقافات وتقاليد الشعوب، تطالعنا فى بعض المرات تسميات للسنين يصطلح عليها وتعرف بها، فهناك سنة الفقر أو القرد أو سنة تسمى بالتنين. ففى الكنيسة الكاثوليكية على سبيل المثال هناك وصف للأعوام، وكل سنة تنتهى بصفر أو 5 يعنى 1950، أو 2010 يحتفل بها على أساس أنها سنة مقدسة وتختم عددا معينا من السنين. وهناك الأدب الإنجليزي تعبير أخرجه دايفل، وهو شاعر كبير كان موجودا فى القرن 16 يقول إنه سنة 1666 كانت سنة المعجزة لأن الهولنديين كانوا يأخذون أسطولا للهجوم على إنجلترا بينما الأسطول الإنجليزي يستعد للدفاع، فجاءت عاصفة وشتتت الأسطول الهولندى وأصبحت سنة المعجزة. وفى تعبير مقابل له وهى سنة الفزع وهو تعبير خرج من الأدب الإنجليزى واستعملته ملكة إنجلترا سنة 1992 عندما فشل أبنائها الثلاثة فى زواجهم وطلقوا جميعا فسمتها أنس أوربيلس أو سنة الفزع. ونحن هنا إذا كنا نريد فى تجربتنا أن نختار أسماء لأحد السنين فأنا مستعد للقول بأن سنة 1969 هى عام القلق فى مصر. والقلق هنا لعدة أسباب أولها أنه فى هذه السنة شهدت مصر أربع معارك وكل معركة مختلفة ولها قسمتها، أولها المعركة العسكرية على الجبهة وهى واضحة ومركز الاهتمام الرئيسى وبؤرة الطاقات والإمكانات الموجودة عند الشعب المصرى وبالذات شبابه. والمعركة الثانية مع الإسرائيليين لمواجهة بعض التفوق الذى كان باديا فى الجبهة العسكرية المصرية أو بعض القوى المتزايدة، وبالتالى تم نقل الجبهة إلى غارات العمق وبدأوا بضرب منشآت كنجع حمادى، وجسر مهم ومحطة تحويل متصلة بالسد العالى وبدأوا يضربون فى العمق وهناك جبهة أخرى هى جبهة العمق. وهناك جبهة سياسية لها بعد محلى ودولى لأن المعركة تقتضى عملا سياسيا فى الداخل، كما أنها تقتضى أيضا عملا سياسيا دوليا. الجبهة الرابعة هى الجبهة الفكرية، وأعتقد أنها جبهة صعبة للغاية وكانت ضرورية، وأريد أن أذكر الناس بأن هذا الحوار والجدل الفكرى الذى دار فى هذه السنوات والتى نستعد فيها للحرب كان ضروريا لأن الحرب باستمرار هى مولدة التحولات الكبرى فى فكر الشعوب. والناس تبذل دمها وكل جهدها فى أثناء الحرب لتحرر أرضها وبدافع البحث عن مستقبل مختلف. لكن ضرورات المعركة الكبرى أو الحرب الكبرى، وهى الحرب الشاملة بكل المعارك يجب أن تكون واضحة فى أذهان الناس وفى أذهان كل الأطراف لأن هناك مصائر تتقرر وراء النيران. فى حرب الاستنزاف، كنا فى حرب متقطعة تتكثف كل يوم بشكل أو بآخر لكنها ليست الحرب المتصلة، ونحن أمام حرب طويلة، وهذه المعركة الطويلة بها مستقبل يتشكل ملامحه، وحول هذا المستقبل يدور حوار قد يصل لدرجة الجدل ومن الممكن أن يعنف ويشتد. وهنا الجبهة الداخلية ليس لأحد أن يضعها أحد فى صفوف متراصة صامتة ساكتة ولكن يفتح بها الرؤى والتصورات والأفكار. وكانت سنة 69 فى منتهى الصعوبة، خصوصا بعد أن بدأت غارات العمق. وبالتالى بدأ الحوار، أعتقد أنه حوار المستقبل فى وسط المعركة الذى هو جزء لا يتجزأ من حرب الاستنزاف. أريد توضيح أن هذا الحوار وهذا الجدل لم يكن بعيدا عن حرب الاستنزاف فهو جزء لا يتجزأ لأنه هنا تصورات لما هو قادم وتصورات لما نقاتل من أجله، ولسوء الحظ بدا وجود مدرستين فى مصر، أحدهما متركزة على الاتحاد الاشتراكى وهذه المدرسة صاحبة منطق أحترمه وأقدره مع أننى أختلف معها، ومنطق هذه المدرسة الثورة إلى آخر مدى، وكان معناه الاتجاه أكثر يسارا حتى لو اقتربنا إلى الاتحاد السوفييتى وهو أكثر ما هو مطلوب فى تصوراتنا السابقة عدم الانحياز والاستقلال الوطنى، فهذا ليس به بأس لأنه لا يوجد شىء يدعى عدم الانحياز بين صديق وعدو. ومن سوء الحظ وقتها كان بعض الضباط الاشتراكيين، ومعظمهم الآن عند ربنا. لكن إنصافا لهم، كانوا فى منتهى الوطنية وهؤلاء الناس حاولوا بقدر المستطاع أن يواجهوا ظرفا معقدا، لكن حدثت مشكلة وهى أنه لا توجد خلفية ثقافية وراءهم، وهم متحمسون حماسا شديدا للغاية ونحن هنا فى جدل فكرى عن المستقبل. وحاول هؤلاء الضباط الاستعانة ببعض المفكرين وأن يكتبوا لهم، وكان المتاح لهم بعض الشيوعيين الذين خرجوا من السجون يبحثون على دور فى الحياة السياسية، وأنا واحد من الذين كان لهم دور فى إخراج الشيوعيين من السجون، فهذا التيار الفكرى له مجاله ومكانه بحق ما أن يكون التيار الإسلامى له نفس الحق أو أكثر لأن جذوره أوسع. وهنا مسألة موازين دقيقة وبدا أن يكون هذا الكلام يقال فى ضرورات التحول الاشتراكي وأوراق كثيرة، والانحياز بين صديق وعدو فى الحرب ليس ممكنا، وكان النموذج الكوبى موجودا أيضا ونافذا بالأذهان والناس تتصور أنه فى الموقف الذى يأخذه الأمريكان والموقف الذى تأخذه إسرائيل بالكامل، وفى رغبتنا برفع درجة الصراع من مستوى الصراع الإقليمى والدول من إستراتيجية جمال عبدالناصر بحيث يؤثر فى الموازين ويشعر الاتحاد السوفييتي بأن هناك خطرا عليه، وأن هذه أيضا معركته، وبالتالى هناك منطق عندهم، وهم يقولون بعدم الحياد مع أمريكا وكنت أقول هذا الكلام ومن يقل هذا الكلام من الناس فهو مخطئ. وعندما يتصل أحد يقول إنه سيعطى أكثر لليسار فى وقت الثورة لأنها كل شىء فى المعركة وإن كل التوازنات الدقيقة التى سرنا عليها خطر جدا، وأنا مستعد لفهم هذا المنطق وهذا يترتب عليه أشياء كثيرة، منها أنه مخالف لأشياء كثيرة لدى الأغلبية من الشعب المصرى، والشىء الآخر أنه يكسر التحالف العربى فورا إذا نحن انحزنا بما هو ضرورى بكسر تحالفنا العربى ليس فقط مؤثر على قيمة التوازن المستقل الذى استطعنا ان نقيمه بموقف مستقل غير منحاز يختار موقفه فى كل قضية، طبقا لما يراه وطبقا لمبادئ يؤمن بها، وهنا نجد فى النهاية أنه مهما قيل عن السلاح وعن النوايا للسوفييت سنجد أن قضيتنا دخلت ضمن قضايا الحرب الباردة مع الأمريكان ومؤجلة فى الثلاجة حتى تحل صراعات الحرب الباردة وهذا ما لا أريد. فهناك أمة عربية وأرض محتلة وارتباطات وهناك رؤى وأفكار معينة. وإخواننا فى الاتحاد الاشتراكى، وأنا لا أريد تسمية أحد ولكن كان هناك أناس كثيرون مثل على صبرى وكمال رفعت وغيرهم بجوار مجموعة من المثقفين والمفكرين مثل لبيب شقير وضياء الدين داود، وكلهم أناس قديرون وموجودون فى السلطة وهم جاهزون لتقديم ما لديهم فكريا، فواحد مثل لبيب شقير، أنا أعرف كيف يفكر وأظن أن ظروف الحرب جعلت بعض المثقفين يأخذون مواقف أكثر راديكالية من ما يأخذونه فى الطبيعة وهذه هى طبيعة الحروب. فى المقابل كانت هناك مدرسة أخرى فسوء الحظ أو حسن الحظ قضى أن تتمركز فى الأهرام فى ذلك الوقت. وأهرام فى ذلك الوقت كانت لديها مشكلة كبيرة لأسباب كثيرة وتجمع فيها ما يمكن أن يكون جبهة وطنية على أوسع مدى، فعندما أرى أسماء عدد الناس الذين كانوا موجودين فى الأهرام فى ذلك الزمن وأجدهم سواء فى المجال الفكرى أو الاقتصادى أو السياسى، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، حسين فوزى، زكى نجيب محمود، لويس عوض، يوسف إدريس، غالى شكرى ويوسف فرانسيس. وفى المجال الأدبى والفكرى، إسماعيل عبدالله، وإبراهيم سعدالدين، وفؤاد مرسى ومحمد سيد أحمد، ومحمد الخفيف، ومشيل كامل. وفى مجال الاقتصاد والسياسة الدكتور بطرس غالى رئيس تحرير الأهرام الاقتصادى، والدكتور مصطفى خليل رئيس وحدة البترول فى مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية فى الأهرام، والدكتور على الجريتلى موجود فى المركز أيضا، وعبدالمنعم القيسونى عضو مجلس ادارة الأهرام بعد أن ترك الوزارة وقد طلبت منه ذلك، وجمال العطيفى، وعبدالملك عودة، وحسن البدرى المحرر العسكرى، وصديقى الأستاذ أحمد بهاءالدين، وبالفعل أنه لم يأت للأهرام ولكن لم تلبث شهور إلا وانضم لأسرة الأهرام، وكلوفيس مقصود، وصلاح الدين حافظ، وسلامة أحمد سلامة، وفهمى هويدى ولطفى الخولى. وأنا عندما اذكر هذه الأسماء أندهش من أنه كيف تجمع، وفى مركز الدراسات جميل مطر وأسامة الباز وتحسين بشير، وسيد ياسين ومركز الدراسات التاريخية، محمد أنيس وحسن يوسف باشا الذى كان رئيسا للديوان الملكى، والدكتور يونان لبيب رزق. وحتى فى التحرير لما أرى واحدا مثل الشاعر الكبير فاروق جويدة والذى كان محررا فى القسم الاقتصادى، وأجد واحدا مثل الأستاذ مكرم محمد أحمد، صلاح الدين حافظ، وصلاح منتصر، وصلاح جلال وصلاح هلال وعبدالملك خليل وسناء البيسى. وفى القسم الفنى صلاح جاهين وصلاح طاهر وكمال ملاخ ومحيى الدين حسين. وقد تكون فى الأهرام بطبيعة الظروف فى ذلك الوقت وكان العالم كله يتحدث عنه وكان لديه مشروعه، وكان حدثا كبيرا فى العالم الصحفى. وهنا لما كان مركز للاتحاد الاشتراكى موجودا، وكان هذا الاستقطاب غير موجود بين مدرسة وأخرى، وطبيعة الظروف وما كان موجودا فى الأهرام وطبيعة المناقشات الدائرة فى الأهرام تطرح قضايا سيادة القانون والحرية والديمقراطية. وقد كتب لويس عوض عن مشكلة التعليم والثقافة فى مصر، وكتب جمال العطيفى عن سيادة القانون فى موقع فى مصر، وأتيح له قدر من الحرية بلا حدود وفى هذا الوقت أعتقد أنه دون أن نقصد وحقيقة دون أن نقصد وطبيعة الظروف، فمرات الظروف تخلق الاصطفاف دون أن يقصد أحد، ولكن فى المحصلة النهائية الحوار الدائر والجدل الدائر فى مصر كلها هو جزء من حرب الاستنزاف ومن معركة التحرير، وبدا الجانب الفكرى الاتحاد الاشتراكى وشىء ما فى الأهرام وهذا ليس معناه المعارضة ولكن نناقش ونحن نحاور فى المستقبل وجدنا أنفسنا فى جدل اشتد مرات معهم ودخلنا فى مواقع بعضها قد يكون ليس له لزوم، وهذه الاشتباكات بدأت من وقت قانون تنظيم الصحافة. وفى البداية فى الاتحاد الاشتراكى وقتها كان رأيهم ضرورة التحول الاشتراكى فلابد من السيطرة على الإعلام لأنه أداة مهمة جدا من أدوات توجيه الرأى العام فإذا كنا نتحدث عن تحولات اجتماعية وبالتالى لابد من وضع الإعلام لخدمتها، وأنا شخصيا كنت ضد هذا وعندما فكروا فى تأميم الصحافة عارضت هذا بشدة، وقلت إننى سأغادر ليس لسبب، فأنا ليس لدى مشكلة أن أعمل فى شىء مؤمم لكن فى النهاية الصحف الفردية لها مالك، لكننى يقلقنى جدا التدخل الحكومى والروتين الحكومى لأنه يعرف أن مالك الصحيفة المأممة يعرف أنه ليس لديه وقت لهذه الجريدة وهذا سيترك إما لبيروقراطية سلطة أو هوى سلطة، فعارضت فكرت التأميم فظهرت فكرة التنظيم، وقلت لجمال عبدالناصر صراحة وأنا أشهد أنه كان فى منتهى التفهم، ولذلك لما انتقلوا من فكرة التأميم إلى تنظيم الصحافة، لأن فكرة التنظيم تختلف تماما عن التأميم ولسوء الحظ أن كل هذا قد ألغى. وتنظيم الصحافة كان يعطى كل أدوات الصحف للعاملين فيها ولكن يحتفل بالرخصة الاتحاد الاشتراكى، وملكية رخصة الجريدة للاتحاد الاشتراكى، وأنا قلت رأى على أن يكون بيننا وبين التنظيم السياسى اتفاق على ما هى الحدود، وفى ذلك الوقت اتفقنا على ميثاق هو التزام نحن مالكى هذه الجرائد، والاتحاد الاشتراكى يملك الرخصة. والتزامي أمام الاتحاد الاشتراكى هو الدستور فى ذلك الوقت وهو الميثاق، وميثاق العمل القومى فى ذلك الوقت أيضا وغير هذا لا يوجد. وقد وقفت فى المؤتمر الصحفى وقت الإعلان وفى الأهرام وقلت إننى لم أوافق لا على التأميم ولا التنظيم يرضينى، وأنا قلق من اتفاقات أعتقدها مع السلطة فيما بعد، وهذا الكلام الذى قلته نقل لكل العالم وعاتبنى الرئيس عبدالناصر، وسألنى ما الذى نفعله وكان متفهما جدا مشكلة الصحافة، وقال لى إنه قبل منى الاعتراض على التأميم ووصلنا لفكرة التنظيم وهى موجودة عندكم بالقانون وكل شىء موجود إلا رخصة الاتحاد الاشتراكى، فقال لى ما الذى نستطيع فعله أكثر من ذلك فقلت له إن هواجسى كصحفى وعندى الجمع كله الموجود فى الأهرام وحاولوا كثيرا أن يكونوا فى الأهرام وممارسة دور أكبر فى الكتابة. وبعد اشتباك تنظيم الصحافة دخلنا فى قضية أخرى وهى إلى أى مدى ستدخل الصحافة فى التنظيم الاشتراكى ووصلنا فى يوم من الأيام لعبدالناصر ووجدت عنده السيد على صبرى وشعراوى جمعة والسيد أحمد فؤاد، وتحدثوا عن التنظيم فى الصحافة، وأنه موجود بالفعل داخل النظام الاشتراكى ولكن كلفنا بالقيام به، وأنا وقتها لم أستطع التحدث لوجود أناس معه وخرجت من الاجتماع بأننى سأتحدث مع أصدقائى ومع أناس آخرين، وكان الكلام حول هل ندخل، وجاء الكلام بأنه لم لا، وكان هذا رأى إسماعيل صبرى عبدالله على سبيل المثال وأحمد بهاءالدين وغيرهما، ومعى الاستمارات التى كتبت. ووافقنا ولكن أن نظل كصحفيين موجودين منفردين وبعد يومين أو ثلاثة أيام لم أستطع النوم وذهبت لعبدالناصر وقلت له إن الجميع وافق والجميع قدم الاستمارات، ولكن أنا أشعر بوجود تنظيم داخل الأهرام، فلماذا يوجد تنظيم سرى داخل الأهرام، إذا كان التزامنا هو الدستور، فلماذا تكون فى الصحافة تنظيمات ولم أكن مقتنعا، وقد تكون هذه التنظيمات لازمة فى مواقع عمل أخرى فى مصانع ولكن أنا لست مقتنعا وبالفعل ظلت هذه الاستمارات فى أوراقى حتى هذه اللحظة ولم نقدمها ولم ندخل. وأعتبر أن الأهرام يستكبر على التنظيم وأنا أعتبر أننا نقوم بشىء، ولدينا التزامات محددة أمام القارئ ومثل هذا عيب. وجاءت أزمة أخرى بعد ذلك وكتبت عنها مقالة «أزمة مثقفين»، وقد أسىء استعمال المقال بقسوة فى حملات التشويه، وقلت فيها إن أهل الثقة لابد أن يكونوا أهل خبرة وأهل الخبرة لابد أن يكونوا أهل ثقة وأنه لا يمكن أن يكون اطلاقا هذا الانقسام، فهناك أناس عندهم خبرات ضباط وفى الدرجة الثانية، وحزن عبدالحكيم عامر منى وحدثت مشكلة كبيرة جدا مما كتبته، وكتب توفيق الحكيم «بنك القلق» وهى قصة فى نقد أجهزة الأمن، وقال لى إنه كتب شىء تجريبى ويريد أن أقرأه، وسألنى عن رأيى، فقلت، إنها رائعة، فسألنى هل أستطيع أن أنشرها فقلت له أنت استطعت أن تكتب وأنا أستطيع أن أنشر، ولكنها جلبت لنا مشكلات ليس لها حدود، كذلك حدثت مشكلات بعد أن كتب نجيب محفوظ أولاد حارتنا، وأنا أشهد أن جمال عبدالناصر لم يضغط عليا ولم يتدخل فى هذا كله لأن نجيب محفوظ كتب أولاد حارتنا ثم ثرثرة فوق النيل واللص والكلاب والسمان والخريف وهى الروايات والقصص التى حصل فيها على جائزة نوبل، ولكنها كانت فى نقد أوجه تجاوز النظام جلبت لنا مشكلات بلا حدود. وفى يوم من الأيام كنت أفتح جريدة الجمهورية ووجدت 4 مقالات كتبها على صبرى ولبيب شقير وضياءالدين داود وعبدالهادى ناصف، وكلها هجوم شديد، خصوصا أنه لا مفر من التعامل مع الولاياتالمتحدة ووقتها كنت أكتب مجموعة مقالات عن تحييد أمريكا وكان رأيهم أنه لا يمكن، أنه فيما بعد قام أحد الزملاء بعمل حوار مع الرئيس نميرى يقول فيه إن الكلام عن تحييد أمريكا كأنه الكلام عن تحييد إسرائيل وهذا مستحيل، وللأسف كل من كتب عن تحييد أمريكا حيدوا أنفسهم وذهبوا إلى أمريكا. وكنت أشبه تحييد أمريكا حتى لا يختلط الأمر على أحد بأنه الحرب على أمريكا بأسلوب مصارعة الثيران، فإلهائه دون الاصطدام بقرونه مع القوى الكبرى فى هذا العالم فى هذا العصر عصر الحرب الباردة والموازين النووية لا أحد يستطيع القول إنه لن يتعامل مع أحد ولا أحد ببساطة يقول إن أمريكا عدو للأبد وإنها خصم. فجوهر السياسة أن تتعامل مع أشياء غير مطيعة لك، فلو كانت الأمور طيعة لك فأنت لا تحتاج لعمل سياسى، تأمر وتطاع ولأن هذا غير موجود فى عالم الدول فأنت مضطر لإدارة علاقتك بالعالم الخارجى وليس هناك ما يسمى بأحب وأكره وليس بها صديق إلى آخر مدى أو عدو لآخر مدى. وهذا الكلام عن الأبدية قد يجوز فى أشياء أخرى كالحب، ولكن فى الحياة السياسية لا يوجد عداء مطلق إلا فى حالة الأمن القومى وهذا يعنى الأرض مثل إسرائيل وأنه حتى فى هذه الحالة يمكن أن ينتهى العداء بتحقيق السلام ولكن هذا غير موجود. وصلنا إلى أن مشروع الأهرام الجديد تم وأنا كان فى رأيى ألا يفتتحه أحد، لأنى لو طلبت من عبدالناصر افتتاحه سأضع الجريدة فى كنف السلطة وأنا أحترم سلطة جمال عبدالناصر، وهو بالنسبة لى شخصية لها اعتبارها وقيمتها المتميزة فى تاريخ مصر. ولكن تصورى هو أننى لا أريد أن أضع الجريدة فى حماية أحد وأريد صديقا ومهتما بها، فاتفقت مع بعض الأصدقاء أن يجتمع كل من يعمل فى الأهرام من عمال ومحررين وكتاب وبالفعل تجمعنا أمام الأهرام ودخلنا جميعا، وقلت أيضا إن افتتاح عبدالناصر فى هذا الوقت والحوار قائم ستحدث مشكلة مع الطرف الآخر، وأن يقال إننا نستغل السلطة. وكتبت الجرائد فى الخارج عن الأهرام وزوار كثيرين يأتون هنا واهتمت أيضا الصحف العربية، وكنا ندعو الرؤساء الذين كانوا يأتون لمصر لزيارة الأهرام ونرسل لهم دعوات إذا أرادوا مقابلتى أو مقابلة محررين بالأهرام، ويجلسون معنا وتكون هناك مناقشات كثيرة وحرة. وفى فبراير سنة 1969 تحدث معى جمال عبدالناصر وقال لى كل الناس رأت الأهرام وانا الوحيد الذى أقرأ عنه ولم أره، فقلت له إن هذا شرف كبير أن تأتى لنا هناك. ولكن فى افتتاح الأهرام فضلت أن يفتتحه العمال، ولم يفتتحه الرئيس، نظرا للولاء للمهنة وحتى زيارة الرئيس للأهرام لم تكن الموضوع الرئيسى بالصحيفة ولم يذكر اسم أحد فى استقباله، وأنه استقبله رئيس تحرير الأهرام دون اسم، واستقبله توفيق الحكيم عضو مجلس ادارة الأهرام دون أسماء لأننا اعتبرناه زائرا ولكنه أهم من زار الأهرام. ولكن هنا قضية مهمة اذا وضعنا اسماءنا فى مقدمة ما نفعل باستمرار فقد ضيعنا فكرة المؤسسة، والتى تقوم على أن العمل موجود ولأن العمل لم يكن واحدا وهو جماعيا فلابد أن يتقدم دور المؤسسة، وبالتالى جمال عبدالناصر كان هنا يزور أهرام المعنى وأهرام الرمز وليس هيكل أو توفيق الحكيم ولا نجيب محفوظ ولا أى أحد. وحضر عبدالناصر ولم يأت معه سوى السادات، نظرا للإشكالات التى كانت مع الاتحاد الاشتراكي ولكننى كنت ارحب بأى واحد يأتى، وكان معى عدد من نجوم الأهرام لويس عوض وصلاح جاهين وكل الناس كانوا فرحين بحضوره، ثم جلس عبدالناصر فى مركز الدراسات الإستراتيجية وتحدث مع كل الناس، وأدهشه فور دخوله مركز الدراسات التاريخية ويقابل حسن باشا يوسف الذى كان رئيس الديوان، وتناقش أيضا مع نجيب محفوظ حول أعماله ثم جلس معهم فى مركز الدراسات الاستراتيجية وتناقش معهم مع مجموعة الأدباء، حيث قال الدكتور حسين فوزى: يا سيادة الرئيس اتجاه مصر باستمرار عبر البحر شمالا إلى أوروبا فغمز له توفيق الحكيم لكنه أكمل، وقال شمال شرق أو شمال غرب تقرره القيادة، فضحك الجميع. ثم ناقشه يوسف إدريس وبنت الشاطئ تحدثه، ثم دخل الدراسات العسكرية ووجد اللواء البدرى ووجد الشباب الموجودين ودخل فى مناقشات وظلت الزيارة خمس ساعات، وكان الأستاذ أحمد بهجت مسئول الزيارة وكنا سنغطيها، وكنا سنعطى جمال عبدالناصر العدد الذى فيه زيارته، وزار عبدالناصر غرفة الكمبيوتر وكان يشرح له المهندس محمد نصير والعقيد بشير وكان مساعدا لنصير، وتطوعت وقلت لعبدالناصر إن العقل الالكتروني يعمل مشكلة للأفراد لأنه عندما بدأنا العمل به قال لى الدكتور فؤاد إبراهيم، إن تشغيله سوف يدعو للاستغناء عن 270 موظفا فى ادارة الحسابات فتحدثت أن التكنولوجيا ستقوم بتغيير الأيدولوجيا، وأن الفكرة الأساسية فى الشيوعية وهى فكرة فاقد القيمة، وجلسنا اليوم بأكمله فى الزيارة وكيف كان عبدالناصر سعيدا إلى أى مدى وجلسنا فى مكتبى مع السادات وتحدثنا فى النقد الذى يوجه للأهرام، وقال الرئيس عبدالناصر لى أنه فهم الآن أن الأهرام الجديد الذى نبنيه لابد أن يكون ملائما لزمن قادم ولابد أن يكون صورة مصر المعاصرة موجودة فيه. ولما جلس عبدالناصر فى مكتبى نظر إلى لوحة من نسيج الحرانية وكانت جميلة، فقال لى إنى فهمت ما جاء فى التقرير بأن هناك اسرافا شديدا وكماليات وأشياء رأسمالية، فقلت له هل طلبوا مالا من الدولة أو الاتحاد الاشتراكى فقال لا، وهم مولوا كل شىء من مواردهم، وذهب عبدالناصر وجلس على كرسى مكتبى وقال لى بعد الحرب إن شاء الله سأخرج من السلطة ومن الدولة واذا كان لى أن أختار مقعدا فهذا هو المقعد الذى أريد أن أجلس عليه لما يأتى وقت ترك رئاسة الدولة. ولكن لم يجلس ولم يستمر الكرسى، نظرا للظروف فمن الأشياء التى قام بها أنور السادات فيما بعد أن ألغى قانون الصحافة العربية المتحدة وانتقلت الصحافة من فكرة التنظيم إلى فكرة التأميم وأصبح هناك وضع قلق.