في 4 ديسمبر 1986 اعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة بقرارها المرقم 41/128 "إعلان الحق في التنمية" وجاء صدور ذلك الاعلان ليختتم عقدا كاملا من المداولات والمناقشات في الاممالمتحدة منذ ان طرحت الدول النامية هذه الفكرة في عام 1976 في اطار الافكار الايجابية التي كانت تتبناها انذاك مجموعة الدول النامية المعروفة باسم مجموعة ال 77 وحركة عدم الانحياز وساندتها في مسعاها هذا مجموعة الدول الاشتراكية.. ذلك ان مفهوم الحق في التنمية ارتبط بثلاثة حقائق رئيسية: الأولي: بروز الدول النامية وما تعانيه من تخلف دفعها للبحث عن طرق ووسائل للقضاء عليه. الثاني: بروز الكتلة الاشتراكية وتحالفها السياسي والاستراتيجي مع مجموعة الدول النامية في اطار صراع الطرفين ضد الامبريالية والاستعمار والرأسمالية. الثالثة: ارتباط الحركة السياسية بالمفاهيم الفكرية والنظرية المرتبطة بعملية التنمية من ناحية وبتطور الافكار المتصلة بحقوق الانسان وبأجيالها المختلفة من الاعلان العالمي عام 1948 ثم العهدين الدوليين عام 1966 ثم البحث في تفاصيل الحقوق سواء في المجال السياسي او الاقتصادي، ومن ثم يمكن القول بأن الحق في التنمية يمثل الجيل الثالث في تطور الفكر الدولي المرتبط بحقوق الانسان. ولكن عقد الثمانينيات من القرن العشرين الذي اعتمد فيه اعلان الحق في التنمية يعتبر عقدا ضائعا من وجهة نظر عملية التنمية والتعاون الدولي والمساعدات الانمائية الدولية التي اقترحت منذ اواخر السبعينيات لكي تعزز حركة المساعدة الدولية بتخصيص 7.0% من دخل الدول المتقدمة لمساعدة عملية التنمية في البلاد النامية وظلت هذه النسبة الضئيلة لم تتحقق حتي هذه اللحظة، فهي ظلت املا، وان نجحت بعض الدول المتقدمة مثل الدول الاسكندنافية في الوفاء بتعهداتها اما الدول الغنية الكبري فلم تحقق الكثير. بالقدر الكافي بأغراض التنمية وانما تخصص ما لديها من موارد للاعتبارات الامنية. ولكن من ناحية اخري فإن جهود الدبلوماسية المتعددة الاطراف استمرت بالحفاظ علي مفهوم الحق في التنمية مفهوما حيا، وبخاصة جهد الدبلوماسية المصرية التي لعبت دورا رائدا في هذا الصدد، بعد ان تفككت يوغوسلافيا وتراجع اهتمام دول اخري مثل الهند لحرصها علي التعاون الدولي مع القوي الكبري وانطلاقها في معراج التقدم، بينما ظلت الدول النامية الاخري تبحث عن ملاذ وعن مساعدات وبخاصة في السنوات الاخيرة من القرن العشرين واوائل القرن الحادي والعشرين. ويرجع الفضل للدبلوماسية متعددة الاطراف في دهاليز الاممالمتحدة للحفاظ علي المفهوم من الانزواء او التراجع، كما تراجعت مفاهيم اخري مثل النظام الاقتصادي العالمي الجديد او النظام الاعلامي العالمي الجديد غيرها من المفاهيم والافكار التي طرحتها حركة عدم الانحياز والتي بدورها تراجعت وخفت بريقها، وضعف دورها بعد انتهاء نظام القطبية الثنائية وبروز هيمنة القطب الواحد. ومن ثم فإن المؤتمر الذي عقده المجلس القومي لحقوق الانسان في مصر حول الاحتفال بذكري مرور عشرين عاما علي صدور الاعلان العالمي للحق في التنمية يعتبر عملا رائدا وتعاونت فيه الاممالمتحدة ممثلة في السفير الدكتور ابراهيم سلامة "سفير مصر في البرتغال" ورئيس مجموعة العمل الخاصة بالحق في التنمية وكذلك البروفسور ستيفن ماركز رئيس المجموعة العمل الخاصة بالحق في التنمية وكذلك البروفسور ستيفن ماركز رئيس المجموعة رفيعة المستوي حول الحق في التنمية ومكتب المفوضة السامية لحقوق الانسان وشارك في المؤتمر الذي عقد يومي 2 3 ديسمبر 2006 لفيف من الباحثين والمفكرين من مصر ومن المنظمات الدولية مثل اليونسكو والبنك الدولي كما شارك ممثل من المملكة العربية السعودية وممثلون من عدد من الجامعات الدولية والاوروبية فضلا عن اعضاء المجلس القومي لحقوق الانسان بمصر. وثمة مجموعة من الملاحظات التي برزت من خلال المناقشات: الاولي: ان مفهوم الحق في التنمية مازال حيا ينبض رغم ما اعتري الساحة الدولية والاقليمية من تغيرات وتطورات. ويمكن القول انه لا غرابة في عملية القصور هذه وذلك لاعتبارات عديدة نذكر منها: الأول: ان الدول المتقدمة الغنية الرأسمالية استادا لفكرها الرأسمالي لم تر في الحق في التنمية حقا، وانما وجدت ذلك يرتبط باقتصاديات السوق وبواجبات الدولة وجهد المواطن. الثاني: ان الصراع الدولي الذي كان يدفع الكتلتين لاسترضاء الدول النامية من خلال المساعدات والمعونات انتهي بسقوط حائط برلين ثم تفكك الكتلة الاشتراكية وتحولها للمذهب الرأسمالي فلم يعد ثمة مبرر لبذل جهد لاسترضاء الدول النامية. الثالث: ان الدول الغنية المتقدمة وبخاصة الولاياتالمتحدة رأت ان المساعدات التنموية تقدم في اطار ثنائي، طبعا الهدف من ذلك استخدامها كأداة سياسية للضغط علي الدول للسير في فلك السياسة المتبعة من الدول المانحة. الرابع: ان الدول الفقيرة النامية لم تحسن الاستفادة من المنح والمساعدات التي قدمت لها علي مدي ثلاثة عقود مضت، حيث برزت ظواهر مثل الفساد والرشاوي وعدم جدية العمل الاقتصادي والسياسي، وهذا ما ادي الي ان اطلق علي عقد الثمانينيات بأنه عقد التنمية الضائع، ففي حين انطلقت دول ذات جدية في العمل مثل الصين الشعبية وتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وتايلاند وحققت ما اطلق عليه معجزات اقتصادية، وظهر تعبير النمور الآسيوية، فإن معظم الدول النامية وبخاصة في افريقيا جري فيها عكس ذلك، فزاد التخلف والامية والامراض، واصبحت قضية الديون الافريقية من القضايا الكبري في العلاقات الاقتصادية الدولية في تلك الفترة. الخامس: ان التعاون الاقليمي الاقتصادي لم يسر كما كان من المفترض ذلك لان الطفرة النفطية الاولي والتي ضاعفت ايرادات دول النفط لم تدفع تلك الدول للتعاون الاقتصادي للتنمية، بل ان تلك الدول سلكت نفس مسلك الدول الغنية بفرض المشروطية الاقتصادية والسياسة في تعاونها مع الدول النامية، وتراجع معدل التعاون الاقتصادي العربي، والتعاون الاقتصادي العربي الافريقي، وسعت الدول المصدرة للسلاح للاستفادة من عوائد النفط في تصدير السلاح واثارة الازمات من حروب اهلية وحروب حدود بين الدول النامية لكي تستنزف اموالها فلا تهتم. الثانية: الارتباط الوثيق بين الحق في التنمية وباقي الحقوق الاقتصادية والثقافية والسياسية، فالتنمية هي أساس التقدم الذي يمكن أن يؤدي للتمتع بباقي الحقوق. ثم أن الحق في التنمية وفقاً للادبيات الدولية وليس قاصراً علي المفهوم الأقتصادي للتنمية بل أنه يشمل الأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية.