"شلاطة" و"حناطة" و"بقو" و"بزازة" و"السويسي" و"الجزار" و"التوربيني" كلها أسماء وهمية خداعة.. تصور أصحابها أنها ستمنحهم قوة وتضفي عليهم هيبة ونفوذاً إلا ان واقع هؤلاء يقول بعكس ذلك تماماً، أصحاب هذه الاسماء إما أطفالاً صغارا أو مراهقين لفظتهم الدنيا وطحنتهم الايام طحناً وألقت بهم المقادير السوداء خارج أسوار المجتمع فوجدوا في الشوارع والأرصفة والحدائق حضناً.. وفي الانفاق وبالوعات الصرف وجرارات السكك الحديدية سنداً وحصناً.. وأسفل الجسور والكباري وفي الخرابات والبيوت المهجورة دفئاً!! "شلاطة" و"حناطة" و"التوربيني" وكل من هم علي شاكلتهم هم في الحقيقة أطفال صغار تفتحت عيونهم في بيوت من ريح ليس لها أسقف ولا جدران ولا حوائط ولا حتي أساسات.. لا بالمعني العمراني ولا بالمعني الاخلاقي فوجدوا الملاذ في الشوارع بعيداً حتي عن دور الرعاية سواء للأيتام او المشردين ففيها لاقوا كل صفوف العذاب والهوان والامتهان وباتوا فيها أدوات لجلب الاموال للقائمين علي هذه االدور.. اطفال هربوا من كل اطياف المجتمع المفترض فيها توفير الحماية والرعاية لهم فلم يجدوا أمامهم سوي الشارع بكل مافيه من موبقات!! بالله عليكم.. ماذا نتوقع من طفل صغير طردته أمه وهو بعد صغير في سنوات الطفولة المبكرة إلي الشارع إشباعاً لنزواتها ورغباتها وإرضاء لأنانية زوجها الجديد وهو لايقل عنها جهلاً وغباءً وقد يكون عاطلاً وهارباً من العدالة!! بالله عليكم ماذا نتوقع من طفل صغير ينهال عليه ابوه يومياً ضرباً وتعذيباً ويذيقه المر اشكالا وألوانا ويصيب جسده الصغير الواهن بمختلف الجروح والتقيحات والتشوهات ثم في نهاية المطاف يلقي به في الشارع وكأنه والعياذ بالله أحد الكلاب الضالة، وذلك كله إرضاءً لزوجته الجديدة التي هي "لا علم" و"لانور" ولا "يحزنون" ولايرجي منها أبداً اي نفع او فائدة للمجتمع وقد تكون مثله ساقطة قيد أو هاربة من تنفيذ الاحكام! لقد استرحنا جميعاً حين عرفنا ان الشرطة بقدراتها وامكاناتها وخبرات رجالها تمكنت من الامساك بالتوربيني الصغير واعضاء عصابته من الاشرار الصغار.. ولكن ماذا عن ملايين الاطفال الهائمين علي وجوههم في الشوارع والطرقات وأسفل الجسور والكباري في الحدائق والميادين!!.. بل وماذا عن آلاف التوربينات الكبيرة الموجودة بيننا ومُطْلَقَةْ السراح لم تمسسها يد القانون ولم تقربها يد العدالة حتي الآن علي الرغم من انها تعبث فينا وبصورة يومية كل اشكال الفساد! أليس التاجر الذي يبيع لنا مئات الآلاف بل الملايين من السلع الفاسدة التي انتهت صلاحيتها ليصيبنا في صحتنا ويتسبب في ازهاق ارواح بريئة يومياً هو في حقيقته توربيني كبير يستحق المساءلة والعقاب!!.. أليس سارقو اموال البنوك من مدعي البيزنس ويتنعمون بما في قصور وسرايات الغرب هو توربينات كبيرة تستوجب العقاب!! وأليس المحتالون علي الغلابة والمساكين من ابناء هذا الوطن بشعارات تدغدغ مشاعرهم ونوازعهم ثم يسرقون مدخراتهم البسيطة بحجة توظيفها فيهربون بها للخارج هو توربينات اشد عنفاً وقسوة علينا من التوربيني الصغير وافراد شبكته من الاطفال الصغار! وأليس الناظر الذي يحول مدرسته الحكومية لمجمع دروس خصوصية ينضم لها بالأمر العسكري كل التلاميذ حتي لو كانوا فقراء معدمين هو توربيني أشد وحشية علي الصغار مثل أهاليهم!!.. ثم آخيراً وليس آخراً أليس القائمون علي دور رعاية الاطفال في بلدنا سواء كانت حكومية او خاصة توربينات تفوق في وحشيتها كل افعال عصابات الصغار فتحولوا لعناصر تهديد ووعيد وطرد للاطفال المساكين وفي هذه الدور بات الصغار يصرخون من الجوع والعري وكل ألوان الابتزاز!! وحتي نضع حدوداً للجراح والآلام والمآسي التي اصابتنا في بيوتنا واطفالنا وباتت بالفعل تشكل تهديداً خطيراً لتماسك مجتمعنا فإنني اناشد القائمين علي التشريع في بلادنا لاعادة النظر بجدية وبسرعة لاتحتمل التأخير في جميع القوانين المتعلقة بالاحداث صغار السن، وكذا القوانين المتعلقة بإقامة دور الرعاية للاطفال الايتام او المشردين فليس من المنطق ابداً ان نقف مكتوفي الايدي امام حدث صغير يرتكب جرائم بشعة مع سبق الاصرار والترصد، وكل مايمكننا فعله ان نضعه داخل أسوار مؤسسة رعاية الاحداث.. وهي مؤسسة لمن لايعرف يدخلها الصغار أشقياء آخر شقاوة ويخرجون منها مجرمين آخر اجرام!!.. وليس من المنطق في شئ أبدا ان ندع دور الرعاية بعيداً عن أية رقابة أو متابعة أو محاسبة وكأنها مغارات في الجبال بعيدة كل البعد عن رقابة وزارة التضامن الاجتماعي أو الصحة أو العدل او الداخلية فلا نظافة ولا نظام ولا تغذية ولا كساء ولا علاج ولا اي شئ يمت للإنسانية بصلة!! ثم ختاماً.. أتوجه بدعوة صريحة من القلب.. دعوة ممزوجة بالدموع لجميع احزابنا السياسية وكل منظمات المجتمع المدني في بلادنا واقول لهم جميعا: كفاية!!.. كفاية ثرثرة وجدل بيزنطي في الأرضيات والفضائيات.. كفاية منظرة في الاندية وفنادق النجوم الخمس.. وانزلوا الشارع المصري.. انزلوا للأحياء الشعبية المهمشة.. للفقراء والمعدمين وساهموا بالمال والفكر والجهد والتخطيط العملي للحد من ظاهرة اطفال الشوارع والتخفيف من اوجاع الفقر والحرمان في بيوت عديدة لا تجد قوت يومها نحن بحاجة ماسة لتضافر كل الجهود المخلصة لاعادة ترميم مجتمعنا المصري ليبقي متماسكاً قوياً بمدنا دائماً بالرجال البنائين المعطائين وليس بالمتطرفين أو المجرمين!.