في الكلمة المؤثرة للأستاذ "محمود نافع" في عدد12 - 19 أكتوبر من صحيفة نهضة مصر بعنوان "المسلمون ضد المسلمين" عرض بإفاضة مشاهد مأسوية تمثل أصدق تمثيل كيف وصلنا إلي الدرك الأسفل من التفكير؛ عندما شرح ما تعرضت له الدكتورة "سعاد صالح" أستاذ الفقه الإسلامي لأنها قالت: "إن النقاب عادة وليس فريضة"، وعندما شرحت ذلك بشئ من التفصيل، فقالت: "القرآن الكريم لم ينص صراحة علي ستر الوجه، والصحابة والتابعون اختلفوا في تأويل آيات الكتاب، فنصوص السنة التقريرية تفيد مشروعية كشف الوجه، وقد اتفقت أقوال الفقهاء علي أن الوجه ليس بعورة، فقد قال الحنفية: "بدن الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها"، وفي المذهب المالكي ورد في المنتقي شرح الموطأ: "فاما الحرة فجسدها كله عورة غير وجهها وكفيها استدلالا بقوله تعالي: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" (النور 31)، وفي المذهب الشافعي ورد في المهذب للشيرازي: "وأما الحرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين"، وفي المذهب الحنبلي ورد في المغني لابن قدامة: "لا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلي وجهها"، أي وجه المخطوبة؛ وذلك لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن وموضع النظر. قال الأستاذ "محمود نافع" بعد أن أورد أقوال الدكتورة "سعاد صالح": "لم تقل غير ذلك، وفي النهاية هو مجرد رأي، قد يحتمل الصواب وقد يحتمل الخطأ. فإذا اتفقنا معها كان بها، وإذا لم نتفق ناقشناها وحاججناها، وإذا اقتنعت كان بها وإذا لم تقتنع فلها رأيها ولنا رأينا". ولكن يبدو أن تلك رفاهية فكرية غير موجودة في قاموسنا، فقد جاء الرد عليها بتصويب السهام إلي رأسها وإلي قلبها الذي شقوه وكشفوا حقيقته من وجهة نظرهم إنه قلب غير مؤمن ولابد أن يتوقف عن النبض فوراً بإباحة دمها. والشيخ يوسف البدري الداعية الإسلامي المعروف واحد من هؤلاء، بل إن تصرفه كان أكثر منهم حدة حيث توجه هذا الأسبوع بشكوي ضد الدكتورة سعاد إلي النائب العام ومعه آخرون، يقول فيها فوجئنا بالدكتورة تقول في احد البرامج التليفزيونية: "بأن النقاب ليس من الإسلام، لا هو سنة ولا هو فريضة ولا هو مباح، وأن مظهر المنتقبات ليس تمسكاً بالإسلام، وأن الإسلام لا يعرف هذا الزي وبأن النقاب عادة عربية، ووصل الأمر إلي حد استعداء الدولة علي المنقبات بمطالبتها بمنع النقاب، وايدت في ذلك قرار رئيس جامعة حلوان بمنع الطالبات المنتقبات من دخول المدينة الجامعية بذرائع واهية، وقد صاحب ذلك عبارات الغمز واللمز منها بالصحابة وعلماء الأمة من السلف والخلف الذين دافعوا عن النقاب واعتبروه إما واجبا علي المسلمة أو سنة مستحبة لها". أضاف البدري في شكواه هو ومن معه: "وحيث إن النقاب ليس كما يزعم الجهلاء وأنصاف المتعلمين والكتاب غير المتخصصين في الدين أو المتجرئون علي شرع الله ليس ميراثا جاهلياً لأن الله يقول في قرآنه: "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي" (الأحزاب 33)، وإنما هو شرع إسلامي مؤيد بالأدلة التي لا مطعن فيها من كتاب أو سنة وأفعال الصحابة والتابعين، وبناء عليها دار حكم النقاب بين الصحابة والسلف الصالح وكبار الأئمة والفقهاء في القرون الخيرية الثلاثة التي قال عنها صلي الله عليه وسلم: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" بين رأيين: أولهما أنه فريضة واجبة علي المسلمة التي بلغت المحيض، والرأي الثاني أنه يستحب ارتداؤه ويجب علي المرأة الجميلة أو في زمان الفتن، أما عند الفقهاء المحدثين فإن أقل ما وصف به النقاب عند المتحررين منهم والراغبين في التجديد أنه فضيلة يحسن للمرأة أن تأخذ به، بل إن الدكتور يوسف القرضاوي شيخ المشكو في حقها وأستاذها الذي تتبني آراؤه وفتاواه قد اقر هذه الحقيقة التي أنكرتها تلميذته، حيث قال في كتابه "النقاب بين القول ببدعيته والقول بوجوبه"، إن القول بعدم وجوب النقاب لا يعني عدم جوازه، فمن أرادت أن تنتقب فلا حرج عليها، بل قد يستحب لها ذلك - في رأي بعض الناس ممن يميلون دائما إلي تغليب جانب الاحتياط - إذا كانت جميلة يخشي الافتنان بها خاصة إذا كان النقاب لا يعوقها ولا يجب عليها القيل والقال، بل ذهب كثير من العلماء إلي وجوب ذلك عليها"، وأكد الشيخ البدري أن الشاكيات معه إلي النائب العام قد نالهن من كلام الدكتورة سعاد أبلغ الضرر من جراء الأوصاف والاتهامات المشار إليها التي رمت بها في حق النقاب والمنتقبات وما أكدته بأن مظهر المنتقبات ليس تمسكاً بالاسلام". باختصار الشيخ البدري سكب البنزين فوق النار، وبدلاً من أن يهدئ من الزوبعة التي دارت حول الدكتورة سعاد لمجرد أنها اجتهدت وقالت رأياً، أقام الدنيا من حولها، وحول رأيها التي قالته دون أن تشير إلي واحدة بعينها من المنتقبات إلي ثأر شخصي بينها وين كل من تلبس النقاب، وجمع معه في الشكوي عدداً من السيدات علي اعتبار أنهن منتقبات والدكتورة سعاد كانت تقصدهن بالضرورة انتهي كلام الأستاذ محمود نافع. مسكينة الدكتورة سعاد، أجهدت نفسها في إيراد آراء المذاهب الفقهية الأربعة، وكلها تنص علي بدن المرأة أو جسم المرأة "كله عورة الا وجهها ويديها". اي كلام هذا!! اي لغة هذه!! من اين اعتبروا ان جسم المرأة "عورة" هذه اللفظة القبيحة التي لم ترد في القرآن ابدا بصدد جسم المرأة وانما بمعني السوءة اي الاعضاء التناسلية او تلك المنطقة من السرة الي اصل الفخذين وهذا ما يفهم عن الاية، او الطفل الذي لم يظهروا علي عورات النساء لان الطفل عادة لا يري اية عارية وقصاري ما يراه ان يرضع من صدرها، ويوحي بنفس المعني ايضا تعبير "ثلاث عورات لكم" "النور: 58" وهي اوقات خلع الملابس ولم يكن كثير من العرب يلبس السراويل. ان كل ما نقله البدري هو من سقط المتاع وهو ثمرة لعهد لا يري في المرأة الا الانثي التي تفتن وفي الرجل الا مخلوقا تتملكه وتسيطر عليه الشهوة وهو انحطاط بالمرأة كما هو انحطاط بالرجل، ففي الحياة اشياء اخري غير الجنس. حديث "المرأة عورة" الذي يستشهد به يوسف البدري قال عنه الشيخ القرضاوي "تفرد به الترمذي عن سائر السنن ولم يصفه بالصحة بل اكتفي بالحسن والغرابة، وذلك لان بعض رواته ليسوا في الدرجة العليا من القبول والتوثيق، بلا لا يخلو من كلام في حقهم مثل عمرو بن عاصم وهمام بن يحيي". فهل يمكن لهذا الحديث واشباهه ان يخيم علي نصف البشرية؟! لقد كنت احد شهود هذه الندوة وقلت لهم ان كل آيات غض البصر تقتضي منطقا وضرورة ان وجوه النساء كانت مكشوفة والا فما الحكمة لغض النظر عن الاشباح السوداء. نحن نقول ونؤكد ما نقول ان الاحاديث التي تنتقص المرأة او تصفها بصفات سيئة تخالف القرآن الكريم الذي حقق المساواة ما بين المرأة والرجل وجعلهم اولياء بعض واعطاهم جميعا- رجالا ونساء- حق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، احاديث موضوعة. اما النقاب فلا جدال في انه احد المواريث المعلونة من التاريخ الذكوري للبشرية وكيف يمكن ان يكون عامة النساء في عهد رسول الله يطيقونه؟ وهن اللاتي يتوضأن مع الرجال من آنية واحدة في وقت واحد!! كما روي ذلك البخاري في حديث من اوثق احاديثه، وظل هذا طوال حياة الرسول وعهد ابي بكر وفترة من عهد عمر بن الخطاب وكان هو الذي فصل بين الرجال والنساء وهن اللاتي كن يشتركن في الحرب ويخطبن بين الصفين ويتصدين لعمر بن الخطاب في المسجد عند تحديد المهور. انا اقول للشيخ البدري ان النقاب ليس من الاسلام بل انه وصمة عار فليتفضل ويرفع عليّ قضية ان استطاع. لقد وصلت المرأة الي اجواء الفضاء وشغلت مناصب رئاسة الوزارة بل وحتي منصب "وزير الدفاع" ومثلت نصف قوة العمل المنتجة. ونحن لا نزال نتحاور ما بين الحجاب والنقاب. الي هذه الدرجة من التخلف وصلنا!!