الأزمة الدولية التي نشأت بسبب ادعاء كوريا الشمالية أنها قد قامت بإجراء تجربة علي قنبلة نووية، والتهديد بأنها ستجري تجربة ثانية تثير سؤالاً حتمياً حول الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها هذه التطورات علي جهود المجتمع الدولي الرامية لوضع حدود علي طموح إيران النووي. هناك اختلافات كبيرة بين البرنامج النووي لكوريا الشمالية وذلك الخاص بإيران. فزعماء كوريا الشمالية يتباهون علناً بأنشطتهم في مجال الأسلحة النووية، كما أنهم واضحون في التعبير عن رأيهم القائل بأن امتلاكهم لأسلحة نووية يمثل رادعاً ضرورياً للحيلولة دون قيام القوات الأمريكية بمهاجمة بلدهم بهدف إطاحة النظام. أما بالنسبة لإيران فإن الحال عكس ذلك حيث لا زال الملالي يصرون علي أن برنامج بلدهم سلمي وأن الأسلحة النووية هي أسلحة دمار شامل وبالتالي فإنها مضادة للإسلام. ويستشهد المسئولون الإيرانيون في هذا الصدد بفتوي صادرة من المرشد الأعلي الحالي آية الله علي خامنئي يحرِّم فيها إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة النووية. علاوة علي ذلك لا تزال إيران حتي الآن عضواً في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، كما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تزال تقوم بمراقبة البرنامج الإيراني، ولم تعثر بعد علي دليل ملموس يفيد أن إيران تقوم بتصنيع أسلحة. وهناك نقطة اختلاف أخري وهي أن كوريا الشمالية قد أعلنت تنصلها من معاهدة حظر الانتشار النووي كما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تجري أي تفتيشات علي أنشطتها منذ أربع سنوات تقريباً. فضلاً عن ذلك، فإن إيران دولة غنية بالموارد كما يوجد لديها الآن فائض في حسابها الجاري بسبب الارتفاع الكبير لأسعار النفط علي العكس من كوريا الشمالية التي تعتبر دولة مُعدمة لازالت علي قيد الحياة بفضل المساعدات الغذائية التي ترسلها لها الولاياتالمتحدة والوقود الذي ترسله لها الصين. علي الرغم من ذلك، توجد نواحي شبه بين الدولتين وبين برنامجيهما. الأول أن الدولتين تشعران بأنهما معزولتان.. كما أن زعيميهما يتعمدان إلقاء خطب استفزازية تؤدي إلي ردود أفعال عدائية من جانب دول كان يمكن لو لم يقوما بذلك أن تكون صديقة لدولتيهما. الدولتان أيضاً عضوان في "محور الشر" الذي أشار إليه بوش في خطابه عن "حالة الاتحاد" 2002، وتستطيعان الادعاء بأن الكثيرين في الولاياتالمتحدة سواء من المناصرين لسياسة بوش أو المناهضين لها يودون لنظاميهما أن يختفيا حتي عن طريق استخدام القوة العسكرية. في الوقت الراهن، فإن أهم سبب يربط بين البلدين هو التداعيات المحتملة لبرنامجيهما في منطقتيهما، الشرق الأوسط بالنسبة لإيران والذي يحتمل أن تقوم فيه كل من السعودية ومصر ومن المحتمل أيضاً تركيا بالتفكير في إعادة تقييم التزاماتها التي تفرضها عليها معاهدة حظر الانتشار النووي. المنطقة الثانية هي شرق آسيا التي يمكن أن تكون التداعيات فيها أكثر دراماتيكية لأنها ستكون ذات طبيعة دولية. فهنا نجد أن دولاً مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان توجد لديها بالفعل الإمكانيات العلمية والمهارات الهندسية التي تمكنها من البدء في برامج نووية وخصوصاً اليابان التي توجد لديها بالفعل بنية تحتية نووية قوية يمكن أن تتحول بسرعة إلي تصنيع القنابل النووية وهو ما سيدفع كوريا الجنوبية وتايوان حتماً إلي أن تحذوا حذوها. وعندما يحدث ذلك فإن الصين سينتابها قلق شديد مما يؤدي إلي تدشين سباق أسلحة آسيوي حامي الوطيس قد تترتب عليه تداعيات تدفع باكستان والهند إلي تسريع وتيرة برنامجيهما النوويين. إذا عجز المجتمع الدولي عن منع كوريا الشمالية من تطوير أسلحة نووية فإن حدوث المزيد من الانتشار النووي سيكون أمراً حتمياً. وهو ما سيوجه ضربة قاصمة لنظام حظر الانتشار النووي. والمزيد من الانتشار النووي سيجعل عدد الدول النووية 15 أو 16 دولة مقارنة بالعدد الحالي وهو 8 دول وهو ما يعني أن العالم في ذلك الحين سيكون أخطر من الآن سواء من ناحية احتمال حدوث مواجهات نووية بين الدول مع بعضها بعضاً واحتمال وقوع سلاح نووي في أيدي الإرهابيين. وفي مواجهة هذه المخاطر فإن إدارة بوش مطالبة بإعادة التفكير في سياستها بعدم التفاوض وجهاً لوجه مع كل من إيران وكوريا الشمالية لأن عدم التفاوض وجهاً لوجه سيؤدي حتماً إلي استمرار هذا الخوف المرضي والإحساس بجنون الاضطهاد وبالتالي احتمال حدوث أخطاء فادحة في الحسابات.