ايران لن تتراجع عن المضي في تطوير برنامجها النووي، والمهلة التي حددها مجلس الامن لايران انتهت في 31 اغسطس والولاياتالمتحدة سوف تقود تحالفاً دولياً جديدا لحصار ايران واسرائيل غيرت قائد القوات الجوية وعينت بديلا له وسط مخطط عن عملية جوية محتملة لتدمير المفاعل الايراني علي غرار ما قامت به من قبل عندما دمرت المفاعل النووي العراقي (تموز) والعالم العربي يترقب بقلق كل تلك التطورات التي ستؤثر علي استقراره وتدفع بالقوي المتطرفة الي السطح، حيث تنمو هذه القوي في ظل الازمات والحروب فيما يتراجع صوت العقل والاعتدال. هذه هي الصورة للاوضاع السياسية علي مسرح الشرق الاوسط هذه الايام فبعد ان توقفت الحرب الاسرائيلية علي لبنان، وبدأت الاممالمتحدة جهودها لتثبيت وقف اطلاق النار والبحث عن حل سياسي دائم -فيما تبذل المنظمات الفلسطينية جهودها لتشكيل حكومة وحدة وطنية- تبدو المنطقة مقبلة علي ازمة كبيرة، نتيجة التصعيد المتبادل بين ايران من ناحية والولاياتالمتحدة التي تقود تحالفاً دوليا جديدا من ناحية اخري. ايران لاتهدد اسرائيل الرئيس الايراني احمدي نجاد حاول تهدئة المخاوف الغربية بل والاسرائيليين بتأكيداته ان بلاده لاتشكل تهديدا لاي دولة ولا حتي اسرائيل، مؤكدا في نفس الوقت ان الشعب الايراني سيدافع بقوة عن حقه في الحصول علي التكنولوجيا النووية، وبالتالي فان ايران ستستأنف برامجها النووية السلمية وبقوه. عمليا خطت ايران خطوة اخري الي الامام بافتتاح مجمع "أراك" لانتاج الماء الثقيل قبل موعده بخمسة ايام استباقا لانتهاء مهلة مجلس الامن، واصبحت ايران بالتالي الدولة الثامنة التي تمتلك تكنولوجيا انتاج الماء الثقيل وهو مايؤهلها عمليا لتخصيب اليورانيوم وانتاج القنابل النوية في مدة من 3 الي 5 سنوات حيث من المفترض الانتهاء من المفاعل النووي في عام 2009. الحسابات الايرانية التشدد الايراني يستند الي عدة عناصر، تشكل ابعاد الاستراتيجية التي تستند اليها طهران.. في المقدمة الاستناد الي قوة عسكرية متطورة، وقد جري استعراض معالم هذه القوة عبر المناورات العسكرية الاخيرة والتي تم خلالها اطلاق صواريخ متوسطة وبعيدة المدي قادره علي اصابه المدمرات الامريكية في الخليج العربي، وكذلك الوصول الي عمق اسرائيل، علاوة علي امكانية تزويد تلك الصواريخ برؤوس كيميائية ذات قوة تدميرية هائلة. نتائج الحرب الاسرائيلية في لبنان، والعجز الذي منيت به القوة الجوية الإسرائيلية في حسم الحرب علي الارض، حيث استفاد حزب الله من نتائج الغزو الامريكي للعراق ونجاح الطائرات الامريكية في ضرب القوات العراقية والمراكز الاستراتيجية جوا، فأخفي حزب الله منصات الصواريخ ومراكز الاتصال بعيدا عن الطائرات الاسرائيلية، وبالتالي اضطر الجيش الاسرائيلي الي خوض حرب برية تكبد خلالها خسائر كبيرة ولم تحقق ايا من الاهداف الرئيسية لها وبالاضافة الي ذلك فان الطائرات الامريكية ستجد انها مضطرة لتغطية آلاف الاهداف في بلد ضخم باتساع الاف الكيلو مترات، علاوة علي ما تمتلكه إيران من وسائل دفاعية هائلة وشبكات صواريخ ارض/جو، تجعل من اية حرب جوية مغامرة محفوفة بالمخاطر وتضاؤل فرص النجاح. كما تراهن ايران علي تحرك الاغلبية الشيعية في العراق بمجرد بدء الحرب الامريكية ضدها وهو مايعني عمليا انهاء الامال الامريكية بتهدئة الاوضاع الأمنية في العراق ونهاية شهر العسل مع شيعة العراق. وحتي اذا تم استبعاد الخيار العسكري -وهو متوقع- واللجوء الي خيار العقوبات الاقتصادية وهو المتوقع ايضا، فان تأثير العقوبات علي الاقتصاد العالمي سيكون أشد تأثيرا علي دول الغرب من تأثيره علي ايران وبالتالي فان المغامرة بفرض حظر علي الصادرات النفطية الايرانية سيؤدي الي رفع هائل لاسعار النفط المرتفعة بالفعل، ونقص امدادات الدول الصناعية الكبري. وقد وافقت الصين وروسيا علي الانضمام الي الولاياتالمتحدة في فرض عقوبات علي ايران مع استبعاد الحظر علي النفط، والاكتفاء في المراحل الاولي بفرض عقوبات علي المواد التي تدخل في البرنامج النووي الايراني وحظر سفر المسئولين والرسميين الايرانيين الي الخارج، وكذلك تجميد الاموال والودائع الايرانية. مخاطر التراجع اما علي الجانب الآخر فان مخاطر التراجع عن مواجهة ايران من شأنها اضعاف الموقف الدولي وسلطة وهيبة المنظمات الدولية المعنية. فمن شأن امتلاك ايران قوة نووية تشجيع دول اخري علي خرق اتفاقيات حظر انتشار الاسلحة النووية وستتعرض معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية الي ضربة قاضية دعم مركز ايران كقوة اقليمية كبري في الشرق الاوسط بما لذلك من تداعيات لفرض سياستها علي دول الخليج حيث يوجد نزاع مع دولة الامارات بخصوص الجزر الثلاث في الخليج، اضافة الي الدعم المعنوي والسياسي للأقليات الشيعية في دول الخليج مما سيمثله ذلك من متاعب لدور المنطقة. وتهديد اسرائيل بشكل عملي -رغم تطمينات نجاد- هو تهديد تأخذه اسرائيل مأخذ الجد، وقد تضطر الي التحرك وحدها لضرب البرنامج الايراني كما فعلت من قبل حين تحركت وضربت المفاعل العراقي (تموز). تخوفات من قيام ايران بمد منظمات صغيرة بامكانيات نووية تساعد علي انتاج قنابل نووية تكتيكية، وهو ما قد يؤدي الي دخول المنطقة في اطار صراعات مسلحة اكثر خطورة من نموذج الحرب التي دارت في لبنان بين اسرائيل وحزب الله. البحث عن مخرج في ضوء الحسابات الايرانية والمخاوف الغربية فإن البحث عن حل سياسي يمثل الخيار الافضل، وتبدو فرص اعطاء ايران مزيداً من الحوافز التي تمكنها من استئناف برنامجها النووي تحت رقابة دولية للتأكد من انه برنامج سلمي، ويبدو الخيار الامثل.. وهو خيار لا توافق عليه الادارة الامريكية وترفض بشدة تمكين ايران من بناء مفاعل نووي قادر علي انتاج قنابل نووية، بدعوي ان هذا المفاعل سيظل يعمل من اجل برامج سلمية مدنية، إذ لا يثق المتطرفون في الولاياتالمتحدة في المحافظين الجدد وشركائهم في اسرائيل بالمتطرفين في ايران، حين يخوض الفريقان حربا مفتوحة بأوراق قوة متبادلة، والحرب الان في اشد مراحلها الدبلوماسية حين تنتهي خلال ساعات المهلة التي حددها مجلس الامن لايران التي استبقت المهلة بإجراءات عملية بانتاج الماء الثقيل، وهي خطوة ربما تحتاج الي رد ثقيل، اذا ما فشلت الدبلوماسية الهادئة واللينة.