رغم ما يقال من أنه سيكون من الصعب علي امريكا وسط الظروف الحالية في العراق إدارة ضربة عسكرية ضد ايران لما سيتمخض عنها من تداعيات عسكرية ودبلوماسية الا ان كل الموشرات تكاد تجزم بأن ادارة بوش ستمضي قدما في استهداف مفاعلات ايران النووية. وعليه وفي اعقاب التقرير الذي قدمه الدكتور البرادعي يوم الجمعة الماضي الي مجلس الامن نتساءل هل بدأ العد التنازلي للضربات الجوية الامريكيةلايران ومفاعلاتها؟ بعض المراقبيين يرون بأن امريكا ستكرر نفس السيناريو الذي اتبعته في العراق بحيث تمهد بإصدار قرارات دولية عبر مجلس الامن توطئة لشن عمل عسكري. أي انها في البداية ستعطي الايحاء بالتركيز علي الخيار الدبلوماسي لينتهي الامر الي استخدام الخيار العسكري بعد ذلك. مخطط دنيء؟ لقد بدأت امريكا بالفعل في ممارسة الضغوط علي دول اوروبية وعربية تمهيدا لتشكيل تحالف دولي يدعو الي كبح جماح ايران كقوة نووية وبالتالي يدعم ادارة بوش في اي توجه قد تتبناه ضد ايران. واذا كان من العسير علي ايران ان تتراجع اليوم عن تطوير برنامحها النووي فان امريكا بالمقابل لن تسمح لها بذلك خاصة مع التحريض الاسرائيلي الدائم ضد ايران والذي لابد ان يتبلور في النهاية في عمل عسكري تستخدم فيه امريكا القنابل النووية التكتيكية التي يمكنها الوصول الي عمق اكثر من ثلاثين مترا تحت الارض وتدمير الخرسانة المسلحة. وكل الترجيحات تشي بأن العرب سيكونون عبد المأمور وسيدعمون امريكا في مخططها الدنيء لاغتيال مفاعل ايران النووي. تحريض اسرائيلي.. لقد صعدت امريكا من لهجتها التهديدية ضد ايران في اعقاب تقديم البرادعي لتقريره الي مجلس الامن ولوحت بفرض العقوبات والسعي إلي استصدار قرار من مجلس الامن يستند الي الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة اذا استمرت طهران في رفضها الانصياع للمطالب الدولية بوقف جميع انشطة التخصيب. وهو ما صرح به "جون بولتون مندوب امريكا في الاممالمتحدة. ولاشك ان ماذهب اليه يعتبر تزيدا وتجاوزا لكل الاطر القانونية، فايران لم تنتهك ما جاء في اتفاقية معاهدة حظر الانتشار النووي التي وقعت عليها وبالتالي من المستحيل استخدام الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة ضدها، فمن حق ايران حيازة التقنية النووية في المجالات السلمية وعليه فإن ما قاله "بولتون" من ان برنامج ايران يشكل تهديدا صارخا للمجتمع الدولي ليس الا هرطقة وكذبا بواحا ولغطا مشبوها حركته وحرضت عليه اسرائيل في محاولة منها لاعادة تجربة العراق عندما قامت بقصف مفاعله سنة 1981. الطموحات الإيرانية مشروعة.. لقد كان حريا بالعالم الغربي ان يعود الي طاولة المفاوضات التي غادرتها الترويكا الاوروبية (فرنسا- المانيا- انجلترا) ونقضت بذلك عهدها استجابة لاسرئيل وتحريضها الدائم ضد ايران التي اعلنت في اكثر من مناسبة انها تريد الحوار الذي يصب ايجابا في مصلحة العالم. ويبدو ان امريكا تتجه إلي التهديد باتخاذ كل الاجراءات ضد ايران بما فيها الاجراء العسكري، فاصرار امريكا علي أن كل الخيارات مفتوحة يجعل الخيار العسكري واردا من ضمن خيارات اخري. غير ان الضربة قد تؤجل عدة اشهر الي ان يستقيم الوضع في العراق في ظل الحكومة الجديدة. اثر ما تفعله امريكا هنا هو اطلاق النار علي كل اصوات الحكمة والتعقل التي تفرض عليها حقيقة مفادها ان الطموحات الايرانية مشروعة وحق لايران طالما لم تتجاوز المجال السلمي. فرض العقوبات.. كان غريبا ان تستبق امريكا الاحداث ويسارع مسئولوها- حتي قبل تقديم البرادعي لتقريره- ليؤكدوا ان هذا التقرير سيأتي بكثير من الاحكام السلبية فيما يتعلق ببرنامج ايران النووي وجاء تقرير البرادعي ليكون مفتوحا امام التأويلات كل حسب مصالحه وقراءته الخاصة. وعليه سنجد اكثر من تأويل وسنجد اصرار امريكا علي اتخاذ موقف حاسم حازم ضد ايران من خلال فرض العقوبات التي قد تكون تجارية وقد تتعداها الي فرض حظر علي سفر وتنقل الدبلوماسيين. تقرير البرادعي..! ولكن ما ذاعه تقرير البرادعي وكيف امكن صياغته بجيث يتحقق معه ما تريده امريكا؟، فالبرادعي حرص علي أن يؤكد في تقريره بأن ايران لم تف بالشروط التي طالبها بها مجلس الامن ولم تلتزم بالمهلة التي منحها لها كي توقف تخصيب اليورانيوم علي اراضيها، ولم تتعاون بالشكل الكافي مع مفتشي وكالة الطاقة الذرية وان مستويات التخصيب تسمح بتشغيل مفاعلات الطاقة ولا يستبعد أنها استوردت اليورانيوم من الخارج ولا شك ان البرادعي في وضع لا يحسد عليه فلقد زار إيران واطلع علي البرنامج النووي هناك كما أن مفتشيه موجودون في كل المراكز والكاميرات مركبة في كل مكان هذا فضلا عن انه يتعرض لضغط من أمريكا والغرب. ماذا تريد أمريكا؟ الغريب أن أمريكا استبقت الأحداث وعرضت لفحوي تقرير البرادعي وما سيتضمنه من انتقادات لإيران علي موقفها قبل ان يطرح علي مجلس الأمن وحتي الآن ليس هناك دليل واضح علي ان إيران تسعي لامتلاك السلاح النووي ولهذا ظلت تصريحاتها تتسم بالتحدي لكل ما يجري حولها ولمحاولات التحرش بها من قبل أمريكا والغرب وظلت تتشبث بالمضي قدما في تخصيب اليورانيوم وهو ما تري فيه أمريكا والغرب مصدر الاستشكال الرئيسي بالنسبة لمدي حق الدولة الإسلامية في التمتع بالطاقة النووية وإذا كانت إيران تري نفسها اليوم في موقف الدفاع عن النفس وتري ان تحويل الملف إلي مجلس الأمن غير قانوني وان مكانه الطبيعي في وكالة الطاقة النووية فإن أمريكا مازالت تتشبث بضرورة انصياع إيران لها بما يعني وقف برنامجها النووي إلي الأبد.