استبقت إيران الموعد النهائي المحدد لها من مجلس الأمن (31 أغسطس الحالي) لتعليق عمليات تخصيب اليورانيوم بإعلان كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي علي لاريجاني تصميم بلاده علي إنتاج الوقود النووي مؤكدا ان انتاج الوقود هو الهدف الاستراتيجي لإيران، وان أي عمل للحد من هذا الهدف أو حرمان إيران منه لن ينجح في اجبارها علي التخلي عنه. وترافق هذا التصريح الحاسم مع خطوات واجراءات عملية اخري بافتتاح الرئيس أحمدي نجاد مفاعل لإنتاج الماء الثقيل الذي سيغذي المفاعل النووي (أراك) الذي يجري انشاؤه حاليا وتصل قدرته إلي 400 ميجاوات. وسوف يستخدم الماء الثقيل الذي سينتجه مفاعل آراك في انتاج البلوتنيوم، وهو الأمر الذي يعزز من قدرة إيران في الاقتراب من امكانية تصنيع قنابل ذرية. وعلي الرغم من محاولة نجاد طمأنة العالم بأن بلاده "لا تهدف بأي شكل من الاشكال إلي انتاج اسلحة نووية، وان ايران لاتشكل تهديدا لأي طرف حتي لو كان النظام الصهيوني الذي يعتبر العدو الأول لكل دول المنطقة". فإن الرسالة التي وصلت إلي الغرب وبصفة خاصة الولاياتالمتحدة وحليفاتها هي رسالة تشديد واصرار علي عدم العودة إلي الخلف والمضي قدما في البرنامج النووي الإيراني. العقوبات وبعد ثلاثة ايام فقط تنتهي المهلة التي حددها مجلس الأمن لإيران وبالتالي فإن الخطوة التالية المتوقعة هي مناقشة كيفية عقاب ايران تدريجيا بفرض عقوبات متصاعدة ضدها، وبالفعل فقد جري طرح مجموعة من الاجراءات العقابية تشمل فرض حظر علي مبيعات البترول الإيراني والاموال الإيرانية في الخارج وايقاف التبادل التجاري بين دول العالم وإيران وحظر الطيران المدني ومنع كبار مسئوليها من السفر إلي الخارج، واعتراض المواد النووية ومواد تصنيع الصواريخ المتجهة إليها. وبالطبع فإن تلك العقوبات لن تنفذ دفعة واحدة، اذ تجري الولاياتالمتحدة مشاورات سرية مستمرة مع حلفائها من اجل بناء توافق دولي واسع لاقرار العقوبات المتصاعدة. وغيرت بالفعل دول مثل فرنسا والصين وروسيا مواقفها، واكدت للولايات المتحدة انها ستكون مستعدة للموافقة علي عقوبات مخففة في حالة رفض ايران تعليق برنامجها بنهاية المهلة المحددة. والمشكلة ان هناك تخوفاً حقيقيا من أن تؤدي العقوبات علي إيران وبصفة خاصة في مجال النفط إلي اشتعال الاسعار في بداية فصل الشتاء وزيادة الاستهلاك، ورغم وجود خطة طوارئ للحصول علي امدادات احتياطية من بلدان أخري، فإن فاتورة ارتفاع الاسعار من شأنها ان ترهق الدول الصناعية التي يتزايد شرهها في استهلاك النفط، وبالتالي فإن معظم الدول الصناعية سترفض البدء بملف النفط، والاقتصار علي عقوبات ثانوية مثل سفر المسئولين الإيرانيين إلي الخارج أو عقوبات تمس البرنامج النووي مباشرة. سيناريو الحرب وعلي الرغم من الاوضاع الصعبة للقوات الأمريكية في العراق فإن الوثيقة الاستراتيجية للأمن القومي التي أذاعها البيت الابيض في 6 ابريل الماضي أكدت استعداد الولاياتالمتحدة لشن هجمات وقائية ضد أي تهديدات لأمنها القومي، وحددت إيران كأكبر تحد في الوقت الحالي. ولم تخف إيران استعدادها العسكري من خلال المناورات المستمرة التي تجريها، واطلاق مجموعة جديدة من الصواريخ المتعددة الاستخدام، والتي يمكن ان تشكل تهديدا حقيقيا للقطع البحرية الأمريكية في الخليج العربي، علاوة علي امكانيات صاروخية هائلة للتصدي لأي هجمات جوية، وربما كانت الحرب في لبنان بروفة مبسطة لشكل الحرب التي يمكن ان تخوضها الولاياتالمتحدة في إيران، وتعكف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بالتعاون مع وزارة الدفاع الإسرائيلية في تحليل مجريات الحرب في لبنان لدراسة نوعية الاخطار التي يمكن ان تواجه القوات الأمريكية في حرب ضد إيران. والملاحظ ان صيحات التحذير من مغامرة عسكرية أمريكية جديدة في إيران ارتفعت بشدة في الولاياتالمتحدة، وركزت الصحف الأمريكية علي ما يحدث في العراق والانتكاسات والتورط الهائل هناك اضافة إلي الفشل في تحقيق الأمن والاستقرار والقضاء علي اشكال المقاومة المختلفة، وذلك كله بهدف اثناء الادارة الأمريكية عن المغامرة الجديدة المحفوفة بالكثير من المخاطر وفرص الفشل والتورط في نزاع اقليمي جديد يزيد التهاب المنطقة. وهكذا فإن خيار العقوبات خطوة خطوة قد يكون الخيار الوحيد المفتوح حاليا أمام الولاياتالمتحدة للحفاظ علي تحالف غربي واسع، وضمان عدم انفراط الموقف الدولي ومن ثم متابعة الضغط بشدة علي النظام الإيراني علي امل تهدئة الوضع في العراق بسرعة، وتهدئة الشرق الاوسط عبر التلويح بمؤتمر سلام جديد (مدريد 2) وايجاد اجواء ملائمة تسمح إما بتغيير من داخل إيران نتيجة اضعافه بشدة قبل الخوض في حرب هي بمثابة مغامرة غير مضمونة العواقب.