التدمير العشوائي يهدف لفرض حل استسلامي علي لبنان وفلسطين.. والشعبان يقاومانه بالصمود هذا موقف نسوي عاطفي، هذا ما سيقولونه في قناة المنار التابعة لحزب الله عن الادعاء بأن الشعوب لا تنتصر في الحروب. هم ومراقبون عرب كثيرون يعتبرون نجاح حزب الله في خوض معارك ضارية وضرب العمق الاسرائيلي طوال شهر، انتصارا. ولكن أي انتصار يمكن التحدث عنه مع وجود ألف قتيل لبناني ومليون نازح ولاجيء هربوا من منازلهم المدمرة؟ هل تعادل هذه الخسارة قيمة كشف الضعف الاسرائيلي في مواجهة ميليشيات تتصدي لجيش منظم وتربكه؟. من الناحية الاخري، لا يمكن القول إن عدم انتصار الطرف الآخر هو انتصار لاسرائيل. حتي اذا تمت مضاعفة عدد مقاتلي حزب الله الي ثلاثة أضعاف، وعدد الأمهات اللبنانيات اللواتي ستقتلهن اسرائيل الي الضعفين، واذا أزال سلاح الجو الاسرائيلي ألف قرية عن وجه البسيطة، فلن يكون من الممكن اعادة القتلي الاسرائيليين من جراء ذلك. الأضرار الاقتصادية والصدمات النفسية ستبقي منقوشة في نفوس الكثيرين وملازمة لحياتهم. وحتي اذا كان اتفاق وقف اطلاق النار أقرب الي المواقف الاسرائيلية منه الي اللبنانية، فلن يعتبر ذلك انتصارا. الاصرار الاسرائيلي علي تحديد قواعد اللعبة بصورة أحادية الجانب في المنطقة، يكرس ويعمق غربتها وشذوذها فيها. الأجيال المستقبلية القادمة في اسرائيل هي التي ستدفع ثمن هذا العناد. صحيح أن الفلسطينيين قد نجحوا في حالات استثنائية في القيام بحرب عصابات وألحقوا الاصابات في صفوف الجنود الاسرائيليين، إلا أن هذه العمليات كانت استثناء. العمليات الانتحارية داخل اسرائيل دللت علي ضعف الفصائل الفلسطينية من الناحية العسكرية . والآن قام الجيش الاسرائيلي بارسال جنوده الي لبنان بعد أن تكرس لديهم الاعتقاد بأن القتال يعني الدوس علي منازل اللاجئين بالجرافات الضخمة والدبابات، وأن المعركة تعني اطلاق النار من المروحيات علي من لا ينجح في زغزغة ومداعبة الدبابات برصاصات الكلاشينكوف، وأن الدفاع عن الوطن يعني منع مئات آلاف الناس من العيش كبشر من خلال الحواجز علي الطرقات. لماذا نستذكر ذلك اليوم؟ أولا، لأن الحرب ضد الفلسطينيين متواصلة ومستمرة وتسجل أرقاما قياسية جديدة من الوحشية الرسمية. وثانيا، لأن عقلية المعايير المزدوجة والاستخفاف الجوهري بمن ليس منا تُفسر أكثر من أي سلاح متقادم وتدريبات رديئة، الضربات التي تلقتها اسرائيل حتي الآن، والتي ستواصل تلقيها فيما بعد. في لبنان كما في غزة والضفة، توجد لدي اسرائيل قناعة بأن قوة التدمير غير المحدود التي تمتلكها ذات قوة ردعية واقناع سياسي، ذلك لانها تتجاهل الجانب الانساني والمناعة التي تتطور لدي الناس في موازاة تعاظم قوتنا التدميرية الهدامة. الاسرائيليون يسمحون لجيشهم بأن يواصل تدمير وتخريب وقتل الفلسطينيين وأملاكهم. هنا، مثلما في لبنان، يمكن القول أن تجاهل أحجام الدمار المنفلت وغير المتناسب، والقدرة علي التحمل الانساني المذهل، هو الاخفاق الأمني والاستخباري الحقيقي لدولة اسرائيل. بسبب هذا الاخفاق نقع في أوهام الانتصارات.