إن ما نراه هنا هو آلام مخاض لولادة شرق أوسط جديد ومهما فعلنا فيجب أن نضمن أننا ندفع باتجاه شرق أوسط جديد وليس باتجاه الشرق الأوسط القديم . هكذا تكلمت رايس في واشنطن قبل أن تتحرك للمرة الأولي متوجهة إلي لبنان الذبيح والذي يقتل يوميا علي يد الهمجية العسكرية الإسرائيلية والتي هي في حقيقة الأمر توكيل أمريكي حتي يحين موعد المشاركة الرسمية الأمريكية في المنطقة . ولعل تعبير الشرق الأوسط الجديد أول ما يستدعي للذهن فانه يستدعي المنظومة السابقة والتي عرفت باسم الشرق الأوسط الكبير التي ملأت أمريكا بها العالم صخبا وضجيجا لا سيما بعد سقوط بغداد غير أن ما جري ويجري حتي الساعة في بلد الرشيد قد أبطل مفاعيل الشرق الأوسط الكبير والذي رأت واشنطن وقتها انه يمثل تحديا وفرصة فريدة للمجتمع الدولي لإعادة ترتيب أوراق المنطقة. واليوم وفي خضم هدير المدافع الإسرائيلية وأزيز الطائرات ال F 16 الأمريكية تأتي رايس لتحمل ما تراه بشري طال انتظارها ... شرق أوسط جديد وما ابئسها من بشري تحمل في طياتها بذور وجذور الموات قبل أن يعلن عن مولدها . ملامح الشرق أوسط الجديد واذا كان المشروع الأمريكي في العراق قد فشل حتي الساعة فان عملية " الوعد الصادق " قد اتخذت من قبل إدارة بوش كمخلب قط للحصول علي موطئ قدم جديد في المنطقة للحديث عن مشروعاتها المستقبلية والتي تعود بها ثانية لإكمال ما لم يتم من قبل عبر طريقين لا ثالث لهما الأول هو القوة العسكرية والثاني هو سياسة الوقيعة بين العوالم والعواصم العربية .... ماذا يعني ذلك؟ كانت النوايا الأمريكية ولا تزال تعمل علي تفريغ المنطقة العربية من أي روح مقاومة للمد الصهيوامريكي ولمشاريع تكريس الوجود الصهيوني في المنطقة وطالما بقيت المقاومة فاعلة ستلتف الجماهير العربية والإسلامية الرافضة للبطش الأمريكي الإسرائيلي من حولها فلابد إذن من القضاء علي المقاومة المسلحة في الجيوب العربية المقاتلة وفي مقدمتها جنوب لبنان من خلال حزب الله . ويعني ذلك بادئ بدء أن الخطوة الأولي في رسم الشرق الأوسط الجديد هو كسر إرادة المقاومة من خلال المشاركة الأمريكية في التخطيط العسكري مع إسرائيل للقضاء علي حزب الله عدة وعتادا ورجالا وهو ما أعلنت عنه قناة فوكس الإخبارية الأمريكية . وعلي صعيد أخر أماطت الواشنطن بوست الأمريكية اللثام عن قرار إدارة الرئيس الأمريكي بوش والخاصة بتسريع وتيرة إرسال قنابل موجهة دقيقة إلي إسرائيل وذلك بناء علي طلب من حكومة أيهود اولمرت بعد بدء عملياتها العسكرية في لبنان وهي القنابل التي عرفت باسم GBU 28 والتي سبق الإشارة إليها في مقالات سابقة وتهدف إلي اختراق ملاجئ حزب الله . أما المشهد الثاني في مقدمة الشرق الأوسط الجديد فيتمحور حول إعادة تقسيم العالم العربي تقسيما أشبه ما يكون بالتقسيم المانوي محور للخير ومحور للشر فبدلا من جعل كافة العواصم العربية هدفا للتغيير الكامل والشامل دفعة واحدة كما في المشروع السابق يجئ الطرح هذه المرة قاضيا بتصنيفها من خلال السياسات الناعمة التي تستهدف استمالة البعض منها جهة واشنطن ووضع الأخري في إطار المواجهة المستمرة المستقرة والتي تتطلع إلي عزل كل من توسوس له نفسه في الخروج عن الدرب الأمريكي قلبا وقالبا وقد ظهر جليا أن الولاياتالمتحدة قد أجادت العزف في الآونة الأخيرة من خلال تقسيم العالم الإسلامي إلي معسكرين سنة وشيعة ووضعت بذور الفتنة الطائفية بين الجانبين في طريق سعيها للقضاء علي المقاومة التي تراها تتزيا بزي ديني دوجماطيقي أكثر منه أيديولوجي سياسي وقد أجادت في اختيار الأداة التي تنزع بها وحدة الصف العربي والأسلامي حتي الساعة . أما الحديث الرسمي والمطروح كمبرر لما يجري دون الخوض في نوايا الطرح الشرق أوسطي الجديد الذي يكرس القبول بإسرائيل كجزء فاعل في هذه المنظومة الخبيثة التي بذر بذورها الشريرة ثعلب إسرائيل شيمون بيريز فجاء مستندا وكالعادة علي ضرورة معالجة التطرف وجذوره . فتقول رايس إن اتخاذ قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار هو أمر غير ذي جدوي لإمكانية اشتعال الموقف ثانية ولابد من القضاء قضاءا مبرما علي من أسمتهم بالمتطرفين في المنطقة ورغم الصراع الدائر بين رايس ووزارة الخارجية التي تفضل في الآونة الأخيرة سياسة الدبلوماسية الناعمة والقاتلة في ذات الوقت وبين المندوب الأمريكي في الأممالمتحدة جون بولتون والذي يعشق الذهاب إلي القوة العسكرية أينما ذهبت سيما إن توافقت مع المصالح الإسرائيلية فإننا رأينا السفير بولتون يستخدم حق الفيتو الأيام الماضية لمنع إدانة إسرائيل في مجلس الأمن من جراء استخدامها المفرط للقوة في غزة ويقف بالمرصاد لأي حديث يدور في الأروقة عن قرار أممي لكف اليد الهمجية الإسرائيلية عن لبنان . يفهم من ذلك إذن أن الشرق الأوسط الجديد ليس إلا من قبيل وضع العالم العربي بقضه وقضيضه بين المطرقة والسندان أو في المشهد الحديث العودة إلي سياسة العصا والجزرة بعد أن اكتشفت واشنطن أن سياسة العصا لم تفلح في العراق ولم يمض مشروعها السابق كما تم التخطيط له فلماذا لا تلجأ ضمن ما تلجأ إلي تفتيت العرب رأيا وفكرا بداية والقضاء علي ما تبقي من جيوب المقاومة ثانية ثم ما الذي يمنع من العودة لاحقا والاستدارة جهة العرب الحلفاء ثانية وإعادة الكرة معهم حتي تصبح ارض العرب فضاء مستباحا للسياسات والخطط الأمريكية؟.