«تطوير التعليم بالوزراء» يعلن اعتماد أول 3 معامل لغات دولية    "علوم جنوب الوادي" تنظم ندوة عن مكافحة الفساد    مستقبل صناعة العقار في فيلم تسجيلي بمؤتمر أخبار اليوم    16 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    الذهب يتراجع من أعلى مستوياته في شهرين وسط تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    وزير الإسكان من مؤتمر أخبار اليوم العقاري: ندعم الصناعات المرتبطة بالقطاع لتقليل الاستيراد    تداول 9 آلاف طن بضائع و573 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    إغلاق السفارة الأمريكية في إسرائيل بسبب القصف الإيراني    مراسلة القاهرة الإخبارية: صواريخ إيران تصل السفارة الأمريكية فى تل أبيب.. فيديو    لاعب بورتو: الأهلي وإنتر ميامي خصمان قويان.. وسنقاتل حتى النهاية    صباحك أوروبي.. صدام في مدريد.. إنجلترا المحبطة.. وتعليق كومباني    بالمواعيد.. جدول مباريات ريال مدريد في كأس العالم للأندية 2025    مواعيد مباريات اليوم.. تشيلسي مع لوس أنجلوس والترجي أمام فلامينجو بمونديال الأندية    معلق مباراة الأهلي: الحماس سبب تريند «تعبتني يا حسين».. والأحمر كان الأفضل (خاص)    سقوط مروع لمسن داخل بئر بمصعد بعقار في «الهرم»    وزارة التعليم: ليس ضرورياً حصول الطالب على نفس رقم نموذج الأسئلة بالثانوية    رياح وأتربة وحرارة مرتفعة.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم الاثنين    تحرير 533 مخالفة لعدم ارتداء «الخوذة» وسحب 879 رخصة خلال 24 ساعة    إصابة شخصين إثر انقلاب دراجة نارية بمدينة 6 أكتوبر    خلافات زوجية في الحلقة الثالثة من «فات الميعاد»    شام الذهبي تطمئن الجمهور على نجل تامر حسني: «عريس بنتي المستقبلي وربنا يشفيه»    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    حكم الصرف من أموال الزكاة والصدقات على مرضى الجذام؟.. دار الإفتاء تجيب    صيف 2025 .. علامات تدل على إصابتك بالجفاف في الطقس الحار    إصدار 19.9 مليون قرار علاج مميكن من خلال التأمين الصحي خلال عام    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    تفاصيل إنقاذ مريض كاد أن يفقد حياته بسبب خراج ضرس في مستشفي شربين بالدقهلية    تنسيق الجامعات.. اكتشف برنامج فن الموسيقى (Music Art) بكلية التربية الموسيقية بالزمالك    مدير جديد لإدارة مراقبة المخزون السلعي بجامعة قناة السويس    إعلام إسرائيلي: إيران أطلقت 370 صاروخا وأكثر من 100 مسيرة منذ بداية الحرب    مستشار الرئيس للصحة: مصر سوق كبيرة للاستثمار في الصحة مع وجود 110 ملايين مواطن وسياحة علاجية    سفير أمريكا بإسرائيل: ارتجاجات ناتجة عن صاروخ إيراني تلحق أضرارا طفيفة بالقنصلية الأمريكية    الميزان لا يزال في شنطة السيارة.. محافظ الدقهلية يستوقف نقل محملة بأنابيب الغاز للتأكد من وزنها    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    ب الكتب أمام اللجان.. توافد طلاب الشهادة الثانوية الأزهرية لأداء امتحان "النحو"    السيطرة على حريق داخل شقة سكنية بسوهاج دون إصابات    يسرائيل كاتس: علي خامنئي تحول إلى قاتل جبان.. وسكان طهران سيدفعون الثمن قريبا    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    سعر جرام الذهب ببداية تعاملات اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    إعلام إسرائيلى: تعرض مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب لأضرار جراء هجوم إيرانى    منتخب السعودية يستهل مشواره في الكأس الذهبية بالفوز على هاييتي بهدف    إيران: مقتل 224 مواطنا على الأقل منذ بدء هجمات إسرائيل يوم الجمعة    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    الأمن الإيراني يطارد سيارة تابعة للموساد الإسرائيلي وسط إطلاق نار| فيديو    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    لا تسمح لطرف خارجي بالتأثير عليك سلبًا.. توقعات برج الجدي اليوم 16 يونيو    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    تفاصيل اللحظات الأخيرة في واقعة شهيد بنزينة العاشر من رمضان    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ريتشارد هاس والشرق الأوسط الجديد
نشر في الشعب يوم 09 - 12 - 2006


بقلم: د.بثينة شعبان


في مقاله المعنون «الشرق الأوسط الجديد» المنشور في مجلة «شؤون أجنبية» (أكتوبر-نوفمبر) 2006 يبصر ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة، جزءاً من حقيقة ما يجري في الشرق الأوسط ويعجز عن رؤية الصورة الكلية نتيجة التزامه بثوابت فكرية ومفهوماتية تحصره داخل الرؤية الاستعمارية الأمريكية والمصالح النفطية. لقد كان محقاً في نتيجة تحليله «أن سيطرة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط تشهد نهايتها، وأنّ الحرب على العراق كانت بداية النهاية، وأن حقبة جديدة في تاريخ المنطقة قد بدأت، وأنه على واشنطن أن تعتمد على الدبلوماسية بدلاً من القوة العسكرية من أجل التأثير في المرحلة الجديدة». كما كان محقاً حين توقّع «أن الحقبة الجديدة في الشرق الأوسط سيصنعها لاعبون محليون على حساب اللاعبين الخارجيين، وأنّ صياغة الشرق الأوسط من الخارج ستكون أكثر صعوبة، وبالإضافة إلى تدبير آسيا الديناميكية فإنّ صياغة الشرق الأوسط ستكون التحدّي الأكبر للولايات المتحدة ربما لعقود قادمة».

لا شكّ أنّ هذا التحليل صحيح ودقيق، وهو ناتج عن قناعة ريتشارد هاس وآخرين أنّ القوة العسكرية قد فشلت، هذه المرة أيضاً، في كسر إرادة العرب في الكفاح من أجل الحرية، وأنّ صمود العرب في فلسطين ولبنان في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة وحليفتها الأمريكية قد فتح أفقاً هاماً للمؤمنين بعروبتهم، وبأنّ القوة العسكرية عاجزة عن قهر إرادة الشعوب العربية المدافعة عن حريتها واستقلالها. وعلّ ما نشرته النيويورك تايمز في عددها الصادر في الأول من ديسمبر 2006 يصبّ في الاتجاه ذاته وهو أنّ الحروب لا تقضي على الشعور بالانتماء القومي، بل على العكس فهي تعزّز ذلك، وقد خرج العرب من دمار الحروب، هذه المرة أيضاً، أكثر تشبّثاً بهويتهم العربية، فقد استعرضت المقالة المذكورة لجوء عدد من اللبنانيين بعد حرب يوليو 2006 الهمجية، التي شنّتها إسرائيل على لبنان، للتعبير عن صمودهم ودعمهم للمقاومة من خلال الفنّ والأغاني التي تعبّر عن الانتماء الوطني بعيداً عن الطائفية التي يحاول الاستعمار الأمريكي الإسرائيلي أن يُجذّرها في أذهان العرب. ولا شكّ أن صمود الشعب الفلسطيني في وجه الجرائم الإسرائيلية البشعة المتواصلة يومياً يترك القوى الاستعمارية المعادية لهذا الشعب في حيرة من أمرهم، حيث تتمسك النساء والأطفال بتراب أرضهم رغم ألوان المعاناة الفظيعة التي يفرضها عليهم الاحتلال الإسرائيلي المقيت. ومن ضمن أوجه الصمود الجديدة التي ابتكرها هذا الشعب المؤمن بعروبته الدور الجديد الذي أخذته النساء الفلسطينيات مؤخراً من الاستشهاد في سبيل فكّ الحصار الإسرائيلي عن المعتقلين، إلى الاعتصام بالعشرات في منزل أعلنت سلطات الاحتلال أنها تريد هدمه واضطرت إلى عدم هدمه بعد أن شكّلت النساء دروعاً بشرية لحماية المنزل. كما استشهدت المرأة الفلسطينية فاطمة نجار، التي هدموا بيتها وقتلوا حفيدها وبُترت يد الحفيد الآخر، فقررت وهي في الثامنة والخمسين من عمرها أن تستشهد انتقاماً لكلّ الظلم الذي مارسته قوات الاحتلال ضدّها وضدّ أهل بيت حانون. وفي لبنان وسوريا وقطر ودبي صدحت جوليا بطرس بأغنيتها «منرفض نحن نموت، قولولن رح نبقى»، كما جالت السيدة العراقية فريدة محمد علي، مغنية المقام العراقية الأولى، عواصم شتى في العالم تغنّي المقام العراقي وتلهب قلوب الجماهير حباً وشوقاً للعراق الآمن المستقرّ. كلّ هذا وغيره الكثير يعني أن هذا الشعب الذي ما أن يوقعون به ضحية حروب وكوارث إلى أن يخرج بطاقات إبداعية أكبر تعبّر عن حبّ الحياة بحرية، وحبّ البقاء بعيداً عن الهيمنة الأجنبية التي أثبتت في العراق وفلسطين ولبنان أنها تستهدف بلداننا وحضارتنا وأمننا واستقرارنا رغم كلّ ادعاءاتها عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

إنّ ريتشارد هاس في تحليله يدرك نتائج ما وصفتُه للتوّ، وهو التحول في الشرق الأوسط وبداية ظهور عوامل داخلية سوف تقود التغيير في البلدان العربية، ولكنّ تركيزه منصبّ على مسألتين أساسيتين؛ النفط والإرهاب، وسبل فرض هيمنة الولايات المتحدة كقوة استعمارية سائدة والطرق الأنجع للحفاظ على هذه الهيمنة. فهو يعترف بأنّ العراق أصبح فريسة للطائفية والفوضى دون أن يُحمّل الاحتلال الأمريكي مسؤولية ما يجري في العراق، ودون أن يحمّل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية ما يجري في فلسطين ولبنان والجولان، ويعتبر القومية العربية من الماضي ويتوقّع أن يشتدّ العداء بين السنّة والشيعة وأن يخلق ذلك مشاكل في البحرين والسعودية ولبنان، وبشكل غير مناسب يعتبر حركات المقاومة إرهاباً، مع أنه وفق تعريفه للإرهاب «الاستخدام المقصود للقوة ضدّ المدنيين لتحقيق أهداف سياسية»، فإنّ إسرائيل هي التي تمارس الإرهاب يومياً وعلنياً وضمن سياسة حكومية معلنة للاغتيالات والتفجيرات ضدّ الفلسطينيين. كما يتوقّع في ضوء النزاعات التي سوف تنشب أن يزداد الاعتماد على الجيوش الخاصة والتي سوف تؤدي إلى تشغيل معامل السلاح، ومن الواضح أن تجربة الولايات المتحدة في العراق والحرب الإسرائيلية على لبنان هي التي دفعت هاس إلى أن ينصح بعدم الاعتماد كلياً على القوة العسكرية واللجوء إلى الدبلوماسية.

وها نحن نلحظ نشاطاً دبلوماسياً في المنطقة: زيارة بوش التي «أعطى» المالكي فيها «فرصة أخرى» لإصلاح ما أفسدته الولايات المتحدة بعد أن أعلن أكثر من مرة دعمه لأشخاص هنا وحكومات هناك. كما عبّرت رايس عن قلقها على جلعاد شاليت، وحرصها على نجاح أشخاص أُخر وتكليفهما بين هذا وذاك آخرين بمسؤوليات ووساطات كلها لن تجدي نفعاً أمام التحرّك الجوهري الذي بدأ يكبر في قلوب العرب والذي سيضع حداً لكلّ الارتهانات التي يضعها البعض على القوى الاستعمارية في مستقبل ليس بالبعيد. في مقاله يقدّم هاس نصائح إلى الولايات المتحدة من أجل الاستمرار في إحكام السيطرة على نفط العرب، غير مدرك أن العرب جميعاً من المغرب إلى الكويت بدأوا بمرحلة جديدة من الوعي الوطني والذي سوف يتبلور إلى أعمال تضمن استقلالهم الحقيقي خلال الحقب القادمة. لقد استعرض هاس الحقب الاستعمارية التي مرّت على هذه الأمة وهي ليست بالقليلة أو القصيرة ولكنّ فجر الاستقلال الحقيقي والديمقراطية الحقيقية للشعوب العربية بدأ يشرق، ولن تفيد محاولات الولايات المتحدة لتبني أشخاص هنا وآخرين هناك وإعطاء ضوء أخضر لزجّ قادة حقيقيين في السجون لأن «الشعوب في النهاية هي التي سوف تقول كلمتها» والحقيقة التي أكّدها كفاح الشعوب طوال التاريخ الحديث هي رفضها كلّ القوى الاستعمارية بما في ذلك الولايات المتحدة وقادتها ومفكريها حتى اللحظة الأخيرة.

لقد كلّفت هذه الحقبة الاستعمارية الأخيرة العراق وفلسطين ولبنان الكثير ولكنّ الشعور العربي القومي لم يأفل ولم يخفت التضامن أبداً بين الشعوب العربية، طالما أنّ الدار البيضاء تنتفض اليوم لفلسطين، والكويت تحتفل بانتصار المقاومة، والسودان تختلج مع مشاعر التحرّر والاستقلال في لبنان فإنّ أحداً، مهما بلغ جبروته العسكري، لا يستطيع أن يحكم على توق العربي للحرية والكرامة بالموت. على العكس من ذلك فإن شمس المتاجرين بهويتهم وأوطانهم آخذة في الأفول، وعلّ ما نشهده اليوم هو التشكّل الحقيقي للمواطنية الحقيقية الشفافة التي لا تهادن ولا تساوم على وطن أو شعب أو مصلحة وطنية أو قومية. وإذا ظنّ البعض أنني أضخم من مقدرات هذه الأمة وآفاقها المستقبلية فلينظروا إلى أمريكا الجنوبية التي استغرقت بضعة عقود لتتخلص من هيمنة الولايات المتحدة على مقدراتها وتعيد مقاليد الأمور إلى أبنائها الأصليين. لا شكّ أنّ ريتشارد هاس محق أنّ الشرق الأوسط الجديد لا يمكن التحكم به بالوسائل العسكرية، ولا يمكن التحكم به من الخارج فقط، لأن العوامل الداخلية بدأت بالتفاعل الحقيقي. لقد كانت كوندوليزا رايس محقّة أيضاً أن مخاض الشرق الأوسط الجديد قد بدأ، ولكنه مخاض يختلف في الطبيعة والتوقيت عما تتخيله وتتوقعه وترغب به. سيكون مخاضاً على مدى سنوات ولكنه سيعيد وجه الشرق الأوسط العربي الجديد إلى أبنائه الأصليين الذين سيعبرون عن مصالح شعوبهم وطموحاتها بعيداً عن الهيمنة الأجنبية والإملاءات المذلّة خدمةً للمصالح الأمريكية. حينذاك فقط سيعمل النساء والرجال العرب على إصلاح مناهجهم التعليمية وشؤونهم الاقتصادية ويحققوا ديمقراطياتهم السياسية بعد أن يحققوا الاستقلال الحقيقي عن الشره الأمريكي للنفط، ويعيشوا جميعاً المواطنية الحقيقية بعيداً عن فتن الطائفية والعرقية التي عمد الاستعمار دائماً إلى إشعال أوارها بينهم.
عن الشرق القطرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.