إذا وافق مجلس الأمن الدولي علي مسودة قرار وقف إطلاق النار الأمريكي-الفرنسي، فسيسمح ذلك للجيش الإسرائيلي بالبقاء في "منطقة أمنية" بجنوب لبنان إلي حين قدوم قوة جديدة لحفظ السلام. أما إذا تعذر وقف إطلاق النار ولم تخرج القوات الدولية إلي حيز الوجود، فقد تجد إسرائيل نفسها غارقة في وحل منطقة عازلة داخل حدود جارتها الشمالية. وهو ما يبدو بالنسبة للعديد من الخبراء والمسئولين الإسرائيليين كإعادة لسيناريو الشريط الأمني الفاشل الذي كان قائما خلال الثمانينيات والتسعينيات. وفي هذا السياق، يقول مسؤول من وزارة الدفاع الإسرائيلية "في حال علِقت إسرائيل داخل منطقة أمنية واضطرت إلي الدفاع عن قواتها، فإننا نكون بذلك قد عدنا إلي نقطة البداية". الواقع أن ثمة أوجه تشابه بين المنطقتين الأمنيتين القديمة والجديدة، ذلك أن المنطقتين العازلتين كلاهما تعكسان مأزقاً نتج عن غزو إسرائيل للبنان بهدف القضاء علي الهجمات التي ينفذها "حزب الله" عبر الحدود. كما أن إسرائيل تلح هذه المرة أيضاً علي أن لا نية لديها في البقاء بجنوب لبنان. والحال أنه إذا وجدت إسرائيل نفسها وحيدة ضد ما تصفه بوكيل إيران بالمنطقة، فمن الممكن أن تحافظ علي المنطقة العازلة قصد منع "حزب الله" من العودة إلي المواقع المحاذية للحدود. وفي هذا السياق، يقول الجنرال السابق "يوسي بيليد"، الذي ترأس القيادة الشمالية الإسرائيلية خلال السنوات الأولي للمنطقة الأمنية الأولي، "سيتم سد الفراغ في وقت وجيز"، مضيفاً "إذا قبلنا بوقف لإطلاق النار وانسحبنا إلي الحدود في غياب قوة بديلة، فما الذي نكون قد حققناه؟". غير أن عددا من المحللين يرون أن إعادة احتلال لبنان تنطوي علي خطر تمكين "حزب الله" من حشد الأنصار من حوله وتقوية شوكته مثلما حدث أثناء مقاومته الاحتلال في الثمانينيات والتسعينيات. وفي هذا الإطار، كتب "ألوف بين"، المراسل الدبلوماسي لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية يقول "يتساءل المرء ما إن كان حضور طويل الأمد في لبنان وإعادة تشكيل منطقة أمنية لصالح إسرائيل أو ضدها، ذلك أنه سيمنح "حزب الله" مبررات لمحاربة الاحتلال ورفض التجرد من السلاح". الواقع أن المنطقة العازلة كانت تشكل جزءاً من الهدف الأولي الذي وضعته إسرائيل لحرب 1982، والمتمثل في مقايضة الأرض التي احتلتها بمعاهدة سلام. غير أن الحجم الصغير للشريط جعله غير ذي جدوي. ولئن كانت المنطقة الأمنية القديمة نجحت في منع معظم عمليات التسلل عبر الحدود، فإنها لم تكن قادرة علي وقف الصواريخ التي كان يطلقها "حزب الله" في اتجاه مدن إسرائيل الشمالية بين الفينة والأخري. كما أنها جعلت الجنود الإسرائيليين عرضة للكمائن التي كان ينصبها لهم مقاتلو الحزب الذين كانوا لا يجدون صعوبة في اختراق المنطقة. وعلاوة علي ذلك، ونتيجة لارتفاع عدد الإصابات في أوساط القوات الإسرائيلية، تناقص تدريجياً تأييد الرأي العام الإسرائيلي للبقاء في المنطقة الأمنية. وفي هذا السياق، يقول مايكل أورين، المؤرخ العسكري وزميل مركز شاليم بالقدس "لقد جلبت المنطقة الأمنية الأمن إلي شمال إسرائيل، ولكنها لم توفر الأمن للجنود بالمنطقة". وفي وقت تقيم فيه إسرائيل منطقة أمنية جديدة بلبنان بملامح شبيهة بالمنطقة الأمنية القديمة، يقول محللون إنها لن تكون عميقة بما يكفي لحماية المدنيين في شمال إسرائيل. أما أليكس فيشمان فقد كتب في صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية يوم الأحد تعليقا علي المقترح الأممي القاضي بوقف لإطلاق النار قال فيه "يمكن لإسرائيل أن تبقي كما هي الآن بالمنطقة الأمنية، أو أن تنسحب إلي الحدود الدولية، أو تستعمل سلاح الجو والمدفعية لضبط "حزب الله"، أو تأتي وتذهب وتقوم بتوغلات متي كان ذلك ضروريا". هذا ويتمثل الدور الرئيسي الذي قد تلعبه المنطقة العازلة في إمكانية استعمالها كورقة مقايضة يتم إرجاعها مقابل هدوء في الحدود. وبهذا المعني، تكون إسرائيل قد عادت إلي صيغة الأرض مقابل السلام التي استعملت في أعقاب غزو لبنان عام 1982 وحسب عدد من المحللين، فإن إسرائيل تراهن هذه المرة أيضا علي تدخل المجتمع الدولي بدلا من اتفاق سلام لإخراجها من المنطقة العازلة. والواقع أن التاريخ أظهر للإسرائيليين أن أفضل عمليات الدخول إلي لبنان كثيرا ما لا تتوفر علي مخرج واضح. وحول هذا الموضوع يقول ديفيد نيومان، أستاذ الجغرافيا بجامعة بن جوريون، "إن لهذه الأمور آلياتها الخاصة، وأشك كثيرا في أن تكون إسرائيل قد توقعت، عندما دخلت قبل 20 عاما، أنها ستمكث هناك طيلة 20 عاما".