حتي صباح الخميس كان يفترض بالجيش الاسرائيلي ان يقف علي الدرجة، وكلمة الدرجة هي مفهوم قديم من عهود اخري عرفها الجيش الاسرائيلي في لبنان، وهي خلية ارض بمساحة 70 كيلو مترا وعمق 4-6 كيلو مترات عن خط الحدود الدولية داخل لبنان. ومن هذه المنطقة يمكن رؤية اسرائيل بالعين المجردة وبالنار مبسوطة بوضوح، والسيطرة علي الدرجة تقف اليوم في قلب الجهد البري لقيادة المنطقة الشمالية، ذلك ان الوجود الاسرائيلي علي الدرجة هو الامر الذي يجب علي اسرائيل جلبه الي غرفة جلسات مجلس الامن. استمرار القتال والسيطرة علي خلية متواصلة من الارض، نقية من حزب الله، هو الرافعة، وقصف سلاح الجو هو المطرقة، كلاهما يقودان الي وقف للنار في شروط مريحة لاسرائيل. الزمن حرج حتي نهاية الاسبوع سينعقد مجلس الامن في الاممالمتحدة لاقرار صيغة قرار وقف اطلاق النار في لبنان، وعلي إسرائيل ان تحرص علي ان تدار هذه المداولات علي خلفية العمليات العسكرية الإسرائيلية المهمة في لبنان وعلي خلفية انجازات عسكرية إسرائيلية مثبتة علي الارض. وإلا فسيكون من الصعب اقرار صيغة قرار ت ضمن تغييرا جوهريا. بعيد المدي، علي الحدود الشمالية، السيطرة علي الدرجة حيوية ايضا في حالة عدم توصل مجلس الامن الي قرار وانهارت الخطوة السياسية. في مثل هذه الحالة ستكون الدرجة بالنسبة لإسرائيل ، والتي يمكن منها الانتقال الي المرحلة التالية من الحرب - مرحلة الفرق الاحتياطية المدعة، علي هذه المرحلة، لشروط توسيع العملية القتالية ، جرت مداولات في هيئة الاركان طوال الاسبوع الماضي، وأمس طرحت النتائج علي المجلس الوزاري للمصادقة عليها، والخطوة البرية الموسعة هي السوط الذي تلوح به إسرائيل فوق لبنان في حالة لم تتمكن وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس من بلورة اجماع علي اقامة قوة متعددة الجنسيات ذات مغزي تنتشر في المنطقة. إسرائيل والولايات المتحدة تقفان اليوم حيال باقي اعضاء مجلس الامن في مسألة جوهرية موضع خلاف، والخلاف هو اذا كان ينبغي لوقف اطلاق النار الذي سيتقرر سيدخل حيز التنفيذ علي الفور، مع اتخاذ القرار، وفقط بعد ذلك يبدأ الحديث عن انتشار القوة متعددة الجنسيات ، عن حل حزب الله وباقي البنود التي وردت في التصريح الذي اطلقته امس وزيرة الخارجية الامريكية في القدس، ام ان وقف اطلاق النار لن يدخل حيز التنفيذ الا بعد ان يدخل الجيش اللبناني والقوة متعددة الجنسيات الي المنطقة بالفعل ويأخذان المسئولية، القرار بالدخول الفوري لوقف اطلاق النار حيز التنفيذ هو مصيبة من ناحية إسرائيل، فاذا ما اقر وقف اطلاق النار قبل ان تنتشر القوة متعددة الجنسيات في لبنان، فان حزب الله سيعود ليستقر في نقاط هجرها وسيستأنف تدفق الصواريخ من سوريا وكأننا لم نفعل شيئا. واضافة الي ذلك، فانه من اللحظة التي يتحقق فيها وقف النار سيفقد العالم الاهتمام بالعناصر الاخري للاتفاق، ومن تلك اللحظة لن يعود هناك شيء ملح، وحزب الله سيعلن عن انتصاره فيما لن يتسني لإسرائيل سوي مطاردة الريح في محاولة لادارة مفاوضات علي تحقيق الشروط الاخري الحيوية لوجودها، المطلب الامريكي والإسرائيلي هو الاعلان عن وقف اطلاق النار في وقت واحد، كجزء من رزمة خطوات، وفقط عندما يسيطر الجيش اللبناني ، الي جانب القوة متعددة الجنسيات ذات المغزي من حيث حجمها ومع القدرة العملية علي المنطقة سيكون ممكنا تطبيق وقف اطلاق النار، وحتي يتم تنظيم القوة متعددة الجنسيات تجري الان اعمال جس نبض لارسال قوة عسكرية الي المنطقة من احدي الدول الاوروبية، فرنسا مثلا، لتملأ الفراغ في الجنوب اللبناني وعلي معابر الحدود مع سوريا، غير انه لن تتبرع اي دولة بارسال رجالها الي جنوب لبنان اذا لم تعد إسرائيل لهم قطاع حدود نظيفا من حزب الله، ولهذا فينبغي استكمال تطهير قطاع حدودجوهري، وبسرعة اذ إن الزمن ينفد، وفي جهاز الامن ايضا بدأوا يفهمون بان ليس لديهم اسبوعان او حتي عشرة ايام، وفي الجيش يسود الاحساس بانه يوم الاحد القريب المقبل ستتوقف العمليات العسكرية، وعليه فانهم في الجيش الإسرائيلي يركزون الان الجهود للاستيلاء علي الدرجة وتحقيق اكبر قدر ممكن من الانجازات، في اليوم ال21 من القتال في لبنان بات الزمن عنصرا حرجا. جباية ثمن منذ بداية الحرب في 12 يولية وحتي اليوم يحصون في استخبارات قيادة المنطقة الشمالية نحو 300 من رجال حزب الله قتلوا في اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي ، منهم 180 قتيلا معروفون بالاسم ، 300 قتيل هم تقريبا ثلث القوة المقاتلة لحزب الله في جنوب لبنان في الايام العادية، اما في زمن القتال فقد تعزز حجم قواهم البشرية في الجنوب، ومنذ هذه الليلة ، وفي الايام القريبة المقبلة ايضا سيدخل الي جنوب لبنان بالتوازي عدد من الطواقم القتالية اللوائية لتنفذ تطهيرا للمنطقة في المجالات التي ستسيطر عليها وما وراءها، حتي الحدود، والهدف هو جباية المزيد من الاثمان البشرية والمادية من حزب الله، حتي اليوم في العمليات الجوية فوق جنوب لبنان 78 منصة اطلاق صواريخ من كل الانواع، معظمها منصات اطلاق لمدي متوسط اي الي منطقة حيفا، طبريا والعفولة، وقف العمليات الجوية ل48 ساعة، والذي اعلن عنه اساسا بتلك المسيرة التدرجية ، العبثية، لصيد منصات اطلاق الصواريخ في المناطق المدينية. ويمكن ربما التغلب علي هذا التأخير، ولكن ما يقلق اكثر هو الشكل الذي اتخذ فيه هذا القرار بوقف العمليات الجوية وفي الشكل الذي نزل فيه الي الجيش، بعد طرح فكرة وقف اطلاق النار في اللقاء بين رئيس الوزراء ايهود اولمرت ووزيرة الخارجية رايس، كان واضحا انه ينبغي تزويد الامريكيين بالذخيرة حيال الانتقاد العالمي في اعقاب احداث كفر قانا، وقد فهم الجيش هذه الحاجة، وعندما امرت القيادة السياسية هيئة الاركان بفحص تغيير سياسة الهجوم من الجو في لبنان، بحث الامر بجدية، وفي المداولات التي اجريت لدي وزير الدفاع، طرح الموضوع، وفي ختام المداولات رفع الجيش توصية الي القيادة السياسية بانتظار قرار التنفيذ، وبدلا من رد رسمي منظم، سمعوا في الجيش الإسرائيلي في منتصف الليل، الناطق بلسان وزارة الخارجية الامريكية يعلن في وسائل الاعلام الامريكية عن القرار الإسرائيلي بوقف العمليات الجوية ل48 ساعة، وفقط بعد ساعتين من ذلك، في الثانية بعد منتصف الليل، نقلت القيادة السياسية الي الجيش تعليمات مرتبة عنيت بوقف الهجمات الجوية علي المباني التي لا توجد فيها وسائل قتالية، وعلي الطرق والجسور، وكانت وزارة الخارجية الامريكية سبقت رئيس الوزراء، وزير الدفاع بل سبقتهم جميعا، وينبغي التعلل بالامل في ان تكون هذه الحرب تدار علي الارض بشكل اكثر ترتيبا بعض الشيء.