أثارت مبادرة المصالحة الوطنية العراقية التي طرحها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي جدلا واسعا داخل وخارج العراق.. حول مدي قدرة الرجل علي انجاز مصالحة تحقن الدماء العراقية وتطوي صفحة الماضي كي يتفرغ الجميع لاعادة بناء ما تبقي من العراق الذي دمرته الحروب علي مدي ربع قرن. والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن هل يتمكن العراقيون من مصالحة أنفسهم دون رضا الولاياتالمتحدة التي تشكل اكبر قوة علي الأرض العراقية والمهيمن الأول علي شئون البلد العربي المحتل وهل ستسمح ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش باتمام هذه المصالحة بما يمهد الطريق امام سحب قواتها او علي الاقل خفض عديدها استجابة للضغوط الشعبية التي تواجهها في الشارع الامريكي ولافقاد الديمقراطية ورقة رابحة في ايديهم خلال معركة التجديد النصفي بالكونجرس في نوفمبر المقبل. المهم ان مبادرة المالكي التي تتألف من 24 بندا لانهاء العنف وتعرض عفوا عاما عن المسلحين فيما عدا انصار الرئيس العراقي السابق صدام حسين وجماعة الزرقاوي اعتبرها بعض المراقبين جاءت متأخرة جدا حيث ان الجراح لا تزال عميقة بين السنة والشيعة والجماعات المسلحة العراقية والقوات الامريكية بما يعني ان تصفية مرارات ثلاث سنوات ونصف من المواجهات الدامية لن يكون عملا سهلا ويتطلب مهارة "ساحر" لتحقيق توافق بين الوان الطيف العراقي. في المقابل يري فريق آخر من المحللين ان نجاح المبادرة لا يتوقف علي رغبة العراقيين من عدمها بقدر ما يكمن في ارادة الولاياتالمتحدة التي جاءت الي العراق لتبقي ولاسيما بعدما لقي 500 جندي امريكي مصرعهم واصيب نحو 15 الف آخرين وبالتالي لن يكون سهلا علي ادارة الرئيس الامريكي بوش "فك ارتباطها مع العراق وتمرير المصالحة التي تعني ضمن ما تعني اعطاء العراقيين وحكومة المالكي تحديدا مبررا قويا للمطالبة بانسحاب القوات الامريكية للحصول علي شرعية ما تزال تفتقدها بشدة في الشارع العراقي ولاسيما في المناطق السنية التي تقود المقاومة ضد قوات الاحتلال. ووفقا لما ذهب اليه البعض فإن الشيطان يسكن في تفاصيل مبادرة المالكي حيث تجنب الرجل الاشارة صراحة الي دعوة المسلمين الي الحوار.. كما تجنب اثناء عرضه لنص المبادرة علي الجمعية الوطنية العراقية الخوض في التفاصيل الدقيقة لبرنامجه للمصالحة مكتفيا بالقول ان حكومته ستسعي الي اصدار عفو عن الذين لم يتورطوا في جرائم واعمال توصف بأنها ارهابية وجرائم حرب وكذلك تشكيل لجان لاطلاق الابرياء بالسرعة الممكنة. وقد اثار بند العفو العام انقسامات حادة داخل الحكومة العراقية والائتلاف الشيعي الموحد بسبب معارضة عدد من قياداته لفكرة العفو عن المسلحين الذين حملوا السلاح ضد عناصر الشرطة العراقية والحكومة وقوات الاحتلال مؤكدين ان هذا سيكون بمثابة مكافأة لهم علي خروجهم علي القانون وتحديهم لسلطة الحكومة.. وفي المقابل رفعت قيادات شيعية بارزة مثل اياد علاوي رئيس الحكومة العراقية السابق ورئيس جبهة التوافق العراقية شعار "عفا الله عما سلف" وفتح صفحة جديدة مع كافة ألوان الطيف العراقي بما في ذلك السنة والجماعات المسلحة علي وجه التحديد. وعلي الفور عادت الولاياتالمتحدة لتكشر عن انيابها باعتبارها صاحبة القول الفصل في كل ما يخص العراق عندما اكد سفيرها في العراق زلماي خليل زاد ان مبادرة المصالحة لن تشمل الذين هاجموا القوات الامريكية كما ابدي الكونجرس الامريكي معارضته الشديدة للمبادرة والعفو عن المسلحين الذين قتلوا جنودا امريكيين وابدي السيناتور الديمقراطي كارل ليفين معارضته لهذا التوجه بقوله لقد حررنا العراق وخلصناه من ديكتاتور مخيف ودفعنا ثمنا باهظا وقدم اكثر من 2500 جندي امريكي حياتهم ثمنا لهذا التحرير ولذلك فإن مجرد الحديث عن عفو الذين قتلوا من حرر لهم بلادهم "مرفوض تماما". ونفس الكلام اكده السيناتور الديمقراطي ريتشارد دوربن عن ولاية الينوي بقوله ان العفو عن قتلة الجنود الامريكيين امر غير مقبول كما رفض السيناتور الجمهوري منتسن ماكونيل عن ولاية كنتاكي مسامحة الاشخاص الذين قتلوا امريكيين وقال بالحرف الواحد لا اعتقد ان الحكومة العراقية ستمنح عفوا عن قتلة الجنود الامريكيين. وحدة السيناتور الجمهوري جون وورنر رئيس لجنة الشئون العسكرية في الكونجرس قال انه يتعين علي بلاده ان تحترم سيادة العراق ولكنه استدرك قائلا ان الولاياتالمتحدة ستكون لها كلمتها في العفو وانا اقف شخصيا ضد اي عفو بحزم. ومهما يكن من امر فإن مبادرة سبع فصائل عراقية مسلحة بالاستجابة لمبادرة المصالحة يؤكد ان ثمة امكانية لنجاحها.. لكن تبقي الكلمة الاولي والاخيرة بشأن انجاز المصالحة وتقرير مصير العراق بأيدي الولاياتالمتحدة مع كامل الاحترام للمالكي وحتي اشعار آخر.