تردد السؤال بقوة هل تفوز الساحرة المستديرة بجائزة نوبل للسلام، كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في العالم والتي تحولت لقوة هائلة في خدمة السلام بقدر ما تطعن في مقولة صراع الحضارات؟ فمنذ ان انطلق عيد أعياد الكرة المعروف باسم "المونديال" في التاسع من شهر يونيو الحالي بدا وكأن الكرة الأرضية تتحرك علي ايقاعات كرة القدم وترقص علي انغام المبدعين بالأقدام فيما يزداد سحر الكرة مع كل يوم من أيام بطولة كأس العالم وانطلاق دور ال 16 في تنافس مبهر للفوز بالكأس التي يبلغ طولها 14 بوصة ووزنها 14 رطلا وقد صنعت من الذهب عيار 18 قيراطا. غير ان الوزن الحقيقي لكأس العالم لكرة القدم يقاس بما هو أغلي من الذهب كما يتفق علي ذلك بعض المفكرين البارزين والفلاسفة والنقاد الرياضيين اللامعين.. فوزنها الفعلي يعادل تأثيرها الهائل في كل مكان علي الكرة الأرضية التي يختلف حالها طوال شهر كامل تقام فيه البطولة العالمية الكروية كل أربعة أعوام. ولم يكن السياسي السويدي لارس جوستافسون يمزح أو يبالغ عندما اقترح في عام 2001 منح جائزة نوبل للسلام للعبة كرة القدم وهي اللعبة التي بلغت قامة من المجد حتي كانت سببا في تمديد أول هدنة أثناء الحرب العالمية الأولي وفي عام 1967 توقفت حرب أهلية كانت قد اشتعلت في نيجيريا جراء محاولة اقليم بيافرا الانفصال بعد ان اتفق الفرقاء المتحاربون علي وقف اطلاق النار لمدة 48 ساعة من اجل اتاحة الفرصة لكل النيجيريين للتمتع بسحر وفن الجوهرة السوداء بيليه الذي كان قد قرر المشاركة في مباراة استعراضية بهذا البلد الافريقي ربما لانه يعرف ان الساحرة المستديرة قد تسهم في وقف اتون الحرب الأهلية والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد. وهذا ما حدث بالفعل في بلد افريقي آخر هو كوت ديفوار "ساحل العاج" عندما وافق الرئيس الايفواري لورينت جباجبو علي الدخول في مباحثات سلام مع المتمردين في بلاده بعد ان تمكن المنتخب الوطني لهذه الدولة والمعروف باسم "الافيال" من التأهل عبر التصفيات الافريقية للمشاركة في مونديال 2006 بألمانيا غير انه لم ينجح لسوء الطالع الصعود لدور ال 16. ومن المشاهد التي تؤكد قدرة الساحرة المستديرة علي إزالة الخلافات وتقريب المسافات بين الشعوب ما حققه مونديال - 2002 الذي استضافته اليابان وكوريا الجنوبية ليسهم هذا الحدث المهم في إزالة تاريخ من العنف والدم بين الدولتين منذ غزو الامبراطورية اليابانية لشبه الجزيرة الكورية في عام 1867 وحتي نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي مونديال 2002 منح الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" اليابان وكوريا مالم يمنحه لغيرهما من قبل تأليف نشيد للبطولة تضمن مقطوعات موسيقية من الدول المشاركة جانب موسيقي الدولتين المضيفتين ليعكس النشيد في الحقيقة كل فنون العالم ويوحي بان كرة القدم تحولت لقوة سلام تجمع هذا العالم وتسعي لاقناع البشر بأنهم يعيشون في كرة أرضية واحدة، ومشهد كوني واحد مهما اختلفت المصالح أو تحركت المطامع. وانها لحقيقة مدهشة بقدر ما هي مثيرة للتأمل ان تتحول كرة القدم التي وصفت في زمن غابر بانها "لعبة السوقة" والدهماء الذين يلعبونها في الشوارع والحارات والازقة والحقول إلي أعظم مشهد رياضي عالمي وخاصة في بطولات كأس العالم لتكون بحق "صاحبة الجلالة بين كل الالعاب الرياضية وأكثرها تأثيرا علي البشر في عالمنا المعاصر. أما الألمان الذين دفعوا 12 مليار دولار لاخراج عيد أعياد الكرة في أفضل صورة ممكنة سواء علي مستوي البنية الأساسية أو الأمن والتسويق فان فوزهم بكأس العالم وليس أي شيء آخر مهما كان سيكون التعويض الحقيقي لهم عن الأموال الهائلة التي انفقوها لاستضافة المونديال علي مدي شهر كامل فيما يبدو المدير الفني للمنتخب الألماني يورجين كلينسمان علي المحك مع بدء دور ال 16 للبطولة واشتعال السباق للوصول للأدوار الحاسمة واللعب علي كأس التي فازت بها ألمانيا من قبل ثلاث مرات. ودون شك فان انجلترا التي قننت لعبة كرة القدم ووضعت قواعدها الراسخة منذ عام 1863 تري أنها صاحبة حق أصيل في كأس العالم وان الانجليز الذين نشروا اللعبة في الكرة الأرضية بفضل امبراطوريتهم التي لم تكن تغرب عنها الشمس ربما يكونون قد نسوا امبراطوريتهم الغابرة لكنهم لم ينسوا مكانتهم في امبراطورية كرة القدم. هكذا باتت كرة القدم في حياة الشعوب بحجم الكرة الأرضية وأصبحت نتائجها تمس كبرياء الأمم لكنها في نهاية المطاف توحد العالم ولا تفرقه وتتيح امكانية فريدة لتواصل الحضارات وتثبت في مباريات المونديال علي وجه الخصوص خطأ مقولات مثل التي اطلقها المفكر الأمريكي صمويل هنتجتون عن صدام الحضارات. وكما يقول بعض النقاد فليس هناك أكثر اثارة ودراما من مشاهدة فريق لعب في بطولة كأس العالم ويقدر عبر الساحرة المستديرة والمدارس الكروية لمحات تعكس الشخصية القومية لبلاده لبقية شعوب الكرة الأرضية. ويبدو ان المثل القائل: من الحب ما قتل تنطبق علي تعلق شعوب أمريكا اللاتينية أو بلاد الرقص والفن والموسيقي غير العادي بالساحرة المستديرة كان وراء حرب الكرة التي اشتعلت عام 1969 بين السلفادور والهندوراس التي أسفرت عن مقتل نحو 2000 شخص بعد ان تحولت مباراة للتأهل لبطولة كأس العالم إلي شرارة اشتعلت الحرب التي تعد استثناء لا يقاس عليه في القاعدة الاصيلة التي اثبتت ان كرة القدم قوة هائلة في خدمة السلام. ولأن "من الحب ما قتل" وخاصة في العلاقة الغريبة بين الأمريكيين اللاتينيين والساحرة المستديرة فان ثمانية أشخاص من أبناء اوراجواي فارقوا الحياة منذ أكثر من نصف قرن ان داهمتهم أزمات قلبية من شدة الفرح وفرط البهجة لفوز منتخبهم الوطني علي لاعبي السامبا البرازيليين. لكن أغلب سكان الكرة الأرضية لن يحزنوا علي الارجح إذا فازت الساحرة المستديرة بجائزة نوبل للسلام كما اقترح السياسي السويدي لارس جوستافسون لان كرة القدم ليس لها اعداء باستثناء قلة ربما يكون من بينهم صمويل هنتجتون ساحب مقولة "صراع الحضارات"!