في حديثه المهم ل "نهضة مصر" الأسبوعي والمنشور بتاريخ 9/6/2006، أقر الأستاذ الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، بأننا إزاء حالة "شيزوفرنيا" قانونية بمعني انفصام في الشخصية!! فالإخوان المسلمين ليسوا جمعية خاضعة لقانون الجمعيات، ومن ثم فإنهم ليسوا بكيان مشروع طبقا لقانون الجمعيات، وهم ليسوا حزبا سياسيا، لأنهم لم يتخذوا شكل الحزب، لأنه لا يسمح بقيام حزب علي أساس ديني، ومع هذا يقال علنا بوجود الإخوان المسلمين، ومع ذلك فإنهم عندما يمارسون نشاط التنظيم يقبض عليهم ويحولون إلي المحاكمة لقيامهم بتنظيم غير مشروع، ثم بعد هذا يتقدم بعض الناس تحت لافتة الإخوان المسلمين وينجحون في الوصول إلي البرلمان كمستقلين، ولكنهم لا يتعاملون تحت مُسمي تنظيم الإخوان المسلمين، ولو جاهروا بأنهم أعضاء مجموعة الإخوان المسلمين لطالهم القانون.. ومن هنا تبرز "الشيزوفرنيا القانونية" فهم "كتنظيم" شخصية غير مشروعة، وهم داخل البرلمان شخصية مشروعة، لأنهم لا يسمون أنفسهم تنظيم الإخوان المسلمين تحت القبة. وقد دعانا توصيف د. فتحي سرور لإشكالية علاقة الإخوان المسلمين بالسلطة، إلي إعادة قراءة المقصود بالانفصام أو الشيزوفرنيا كما وردت في كتب ودراسات علم النفس، حيث وجدنا أن الفصام (Schizophrenia) هو أحد الأمراض أو الاضطرابات الذهانية (Psychoses)، والتي تضم مجموعة من الأمراض أو الاضطرابات النفسية شديدة الخطورة علي الشخصية، بحيث تمنع المصاب بها من إمكانية التوافق مع من يعيشون معه، بل غالبا ما يصل الأمر بصاحبها إلي خطورة المريض علي نفسه وعلي الآخرين، ولذا يلزم حجز المريض في المستشفي حماية له ودرءا لخطورته علي المجتمع. وقد وضع عالم النفس الشهير "مليس كولين" عنوانا له (Schizophronia or Split Mind) بمعني "الفصام أو العقل الممزق" إشارة إلي أن هذا المرض يمزق العقل ويصيب الشخصية بالتصدع، فتفقد بذلك التكامل والتناسق الذي كان يوائم بين جوانبها الفكرية والانفعالية والحركية والإدراكية، وكأن كل جانب منها أصبح في واد منفصل عن بقية الجوانب، ومن هنا تبدو غرابة الشخصية وشذوذها!! وبالعودة إلي تشخيص د. سرور للمأزق القانوني والسياسي الحادث، الآن والذي اعتبر فيه أننا أمام حالة "شيزوفرنيا" أو انفصام قانوني، عند النظر إلي كينونة وضع جماعة الإخوان في علاقتها بالسلطة التشريعة، فإننا نجد أن سيادته قد اعترف واقر بوجود المرض بل وشخصه أيضا، ولكن د. سرور لم يقدم لنا روشتة العلاج علي الأقل حسب قراءتنا لحديثه وليسمح لنا سيادته بالاجتهاد في هذا الشأن الوطني المهم. بداية نحن نؤكد علي خطورة الإشكالية الشائعة الآن بخصوص العلاقة المتلبسة والمرتبكة في علاقة الإخوان بالسلطة، كما نوافقه في اعتباره لهذا الإشكالية، كونها تمثل حالة تمزق العقل القانوني أو السياسي للبناء التشريعي المصري. ولكن ما نود الإشارة إليه هنا يرتبط في الحقيقة بمناقشة الأسباب والعوامل التي أدت إلي ظهور ذلك الاضطراب في حياتنا التشريعية أو البرلمانية. وإذا كنا سنعتمد في مناقشتنا تلك، علي أدوات ووسائل ومفاهيم علم النفس بهذا الخصوص، فإنه ينبغي التأكيد بهذه المناسبة، علي أن هناك العديد من الأسباب التي تسبب الاضطرابات أو الأمراض النفسية، بما فيها حالة الشيزوفرنيا، كما أنها ليست واحدة بالنسبة لكل الأفراد، وهي تعمد علي نوع الفرد والموقف الذي يتعرض له، وكيفية التفاعل بين الفرد وهذه المواقف، وأي اختلال بيولوجي أو اختلال في تناسق الوظائف النفسية أو معوقات بينية، هل بمفرده أو كأنها مجتمعة، قد تسبب الإحباط والصراع الشديد، وعندما يعجز الفرد عن حل صراعه بالطريق المباشر أو بواسطة إحدي وسائل التعويض، فإن ذلك يكون عادة نقطة البداية لكل مثال سوء التكيف. وتنتمي حالة "الشيزوفرنيا" إلي ما يسميه "جلفورد" (Guilford) بالاضطرابات النفسية الكبري، والتي يعبر عنها عادة "بالذهان" ويرجع وصفها بالكبري إلي خطورتها علي الشخصية التي تُصاب بها، ويقسم العلماء الأمراض الذهانية إلي نوعين وهما: أولا: الأمراض الذهانية الوظيفية (Funetional Payehoses). وثانيا: الأمراض الذهانية العضوية (Organic Poyehoses) ويقوم ذلك التقسيم حسب السبب الذي نشأ عنه الذهان، فعندما يكون سببه إصابة عضوية يمكن كشفها بالوسائل العلمية المعروفة سمي ذهانا عضويا، أما ان استحال تحديد سبب عضوي له سمي ذهانا وظيفيا. بهذا المنطق فإنه يمكننا اعتبار حالة "الشيزوفرنيا" التي تحدث عنها د. سرور بأنها حالة "شيزوفرنيا وظيفية" فليس هناك حسب ما نعتقد أسباب عضوية لهذه الحالة بل إن الأقرب للصحة هو البحث عن الأسباب الوظيفية التي تجعل العقل مثلا لا يقوم بوظائفه في التفكير والاستدلال وإدراك العلة والمعلول، والتي أدت لبلوغنا بهذه الحالة إلي هذه العلاقة المرضية في علاقة الإخوان المسلمين بالسلطة في مصر. واقع الأمر يشير إلي أن رحلة تنظيم الإخوان المسلمين، هي أيضا رحلة مع النظم السياسية في مصر، علي حد قول د. عمرو الشوبكي في دراسته المهمة عن "مستقبل جماعة الإخوان المسملين، فالإخوان نشأوا كتنظيم في ظل الملكية والحقبة شبه الليبرالية، واصطدموا بالسلطة الناصرية، وتعايشوا مع نظام السادات وتأرجحوا في علاقتهم بالرئيس مبارك، وإن ظلت قائمة علي الاستبعاد الجزئي لا الشامل، كما حدث في عهد الرئيس عبدالناصر، وما يجب التأكيد عليه هنا هو بقاء الجماعة محظورة معظم تاريخها وتحديدا منذ عام 1954 وحتي الآن. ويقودنا الحديث مرة أخري عن حالة الشيزوفرنيا الوظيفية (إن صح التعبير) في علاقة الإخوان بالسلطة، إلي استعراض الظروف والمواقف السلبية التي واجهت الإخوان، والتي أدت حسب ما نتصور، إلي ما وصلنا إليه الآن، وذلك علي النحو الآتي: أولا: إن جماعة الإخوان المسلمين، كانت تواجه دائما باتهام ثابت فحواه ثبات خطابها السياسي الإسلامي، وانعزاله عن تأثير البيئة الاجتماعية والواقع السياسي المحيطين به، وأنه يعاني من عيوب "جينيه" تحول دون تطوره وانفتاحه الديمقراطي. ثانيا: رمي تنظيم الإخوان بالجمود فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية وذلك من عصر إلي آخر. ثالثا: اتهام القوي السياسية الأخري للإخوان بأنهم يمثلون تيارا فرديا لا يميل إلي العمل الجماعي، ولأنه يعتمد علي قوته التنظيمية وجماهيريته الكبيرة فقط. رابعا: الربط عادة بين نشاط تيار الإخوان المسلمين أو الإسلام السياسي عموما وبين الطائفية والتخلف والرجعية ورفض الحداثة. خامسا: الصدام المستمر مع السلطة، والدفع بأعضائها عادة إلي السجون والمعتقلات، الأمر الذي أدي بهم إلي الانعزال والانسحاب من المشاركة في الحياة السياسية، وذلك مثلما حدث مع السلطة الناصرية وطوال عهد الرئيس السادات الذي أفرج عنهم في بداية حكمه، ثم عاد واعتقلهم في نهايته. من ذلك يتضح أن بقاء جماعة الإخوان واستمرارها ورميها دائما بالجماعة المحظورة قد أسهم بشكل كبير، في خلق الظروف الموضوعية للواقع المضطرب الذي يحيط بها، وكذا ألوان سوء التكيف المتعددة التي تلاحقها. ونظرا لرغبتنا أو طموحنا في علاج حالة "الشيزوفرنيا" التي تحدث عنها د. سرور، فإننا نعتقد أن السيناريو الرابع هو الكفيل بذلك، ففيه يمكن أن يظهر تيار "إسلامي ديمقراطي" يؤمن بالتعددية الحزبية وبحقوق الإنسان وبعدم التمييز علي أساس الدين أو العرق، كما يؤمن بمبادئ النظام الجمهوري وبمدنية الدولة والدستور والنظم القانونية، علي أنه يجب ألا يغيب عن بالنا ونحن بصدد إحداث ذلك الدمج، أن نُشير إلي الشروط الضرورية لذلك وهي تشمل: 1 ضرورة إجراء إصلاحات سياسية حقيقية تتجاوز توازنات النظام الحالي وقدراته، حتي يمكننا الحديث عن إصلاح سياسي شامل ومتدرج وجاد في نفس الوقت. 2 لابد من الحديث عن دور لنخبة جديدة من داخل الدولة، تكون قادرة علي تقديم إصلاحات حقيقية، وخارج حسابات تيار "الفكر الجديد" الذي أثبت عدم قدرته علي تقديم إصلاحات حقيقية من داخل النظام حتي الآن. 3 اتصال القوي الإصلاحية من داخل الدولة مع بعض التيارات الإصلاحية الشعبية من مختلف الجماعات السياسية، ليعملا علي الاستفادة من حالة الاستقرار الموجودة داخل مؤسسات الدولة، لا هدمها عن طريق الفوضي "غير الخلاقة". 4 الانفتاح علي بعض التيارات الشعبية التي لا ترغب فقط في تغيير ما هو قائم، وإنما لديها قدرات علي بناء الجديد! ويري د. عمرو الشوبكي ونحن معه، أن هذا هو السيناريو المثالي للتطور الديمقراطي في مصر، حيث الانتقال الهادئ من نظام تسلطي إلي نظام ديمقراطي، بشكل وان كان متدرجا إلا أنه لا يخضع لأي أغراض سياسية "تهندس" قضية الإصلاح علي مقاس لجنة السياسات، حتي لا يصبح التغيير تغييرا شكليا فقط.