انتقد خبراء المجتمع المدني اسلوب توصيف وتكييف القضايا في مصر، مشيرين الي التدخلات السياسية وتصفية الحسابات في هذا الشأن. واعلنوا عن اطلاق حملة شعبية لتعديل قانون الاجراءات الجنائية والعقوبات تستهدف تغليظ العقوبات في القضايا العامة واحالتها الي محاكم الجنايات بدلامن الجنح، ووضع ضوابط علي سلطات النيابة العامة في تكييف وتوصيف القضايا. وأكد الخبراء ان نتيجة الكوارث الكبري يتحملها الوطن ، ولا تقف عند حد تضرر عدد من المواطنين. اكد كرم حامد -مدير مركز الارض لحقوق الانسان علي قيام المركز في الفترة المقبلة بحملة شعبية قوية تطالب بتغليظ العقوبات وذلك بادخال تعديلات علي قانون العقوبات والاجراءات الجنائية في قضايا الصحة العامة والقضايا التي تخص المجتمع ويجب تحويلها الي محاكم الجنايات ووقف اعتبارها جنحا. قال ان ذلك يحتاج الي تقييد سلطة النيابة العامة ببعض الضوابط اثناء تكييف القضايا للحد من استخدام سلطاتهم في تصنيف القضايا الكبري كجنح. اشار الي انه لا يمكن ان يقتل شخص الاف المواطنين او يدمر اخر صحة ملايين المصريين ويتم تحويل القضية الي جنحة ويحصل علي عقوبة مخففة يمكن ان تصل الي البراءة وفي اسوأ الظروف يعاقب بالحبس 10 سنوات. سلطات النيابة وقال د. صابر رغم ان التوصيف والتكييف القانوني مسئولية من سلطة النيابة العامة الا ان وكيل النيابة العادي لا يأخذ قرارا في القضايا الكبري التي يكون الفصل فيها للنائب العام. ويخضع القرار فيها لاعتبارات كثيرة. وانتقد تحويل القضايا الكبري الي جنح، وقال لا يمكن ان يتم تحويل قضايا الصحة العامة وانتهاك حقوق جميع افراد المجتمع ثم تقوم النيابة بتصنيف الموضوع علي انه جنحة ومثال ذلك قضايا المبيدات المسرطنة، والغش في المبيدات والقضايا التي قتل فيها عشرات الاطفال، وحكم علي المتسببين علي انهم ارتكبوا جنحة وانتقد صابر ما حدث في قضية المبيدات المسرطنة، وقال حتي عندما تم تحويل الملف للجنايات فان الحكم الذي حصل عليه يوسف عبدالرحمن كان لتقاضيه رشوة وليس لادخاله مبيدات مسرطنة ومحرمة دوليا داخل البلاد والاضرار بصحة ملايين المصريين. ويري بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان ان البلاد هي التي تدفع ثمن هذه الاخطاء وثمن التفريط وغياب المسئولية، ويقول مع كل التقدير للضحايا سواءكانوا افرادا او جماعات فان المحصلة النهائية والخسائر النهائية تتعلق بالبلد كله، ولا اعني بذلك انه بمجرد موت عدد حتي وإن كان كبيرا من المواطنين فان البلد يتأخر ولكن ذلك يتم عن طريقة متخلفة في ادارة البلد مما يعني اهدارا لفرص التقدم والحضارة. ويضيف لو تأملنا ما حدث في غرق العبارة ونظرنا كيف تمت ادارة الازمة ، وكيف تم التأكد من سلامة هذا النوع من السفن والعبارات ومواقع الانقاذ وتلقي استغاثات السفن، وكيفية تعامله مع استغاثات العبارة التي وصلت لجميع انحاء العالم، ومن جهة اخري كيف تعاملت جهات التحقيق في القضية، مما يؤكد ان هناك ازمة في ادارة البلاد عموما لان الخسارة اكثر فداحة من موت عدد من المواطنين، واستمرار هذا النوع من الكوارث له اثار سلبية. تصفية حسابات ويضيف الاسوأ أن هذا النمط في الادارة لن يراجع ولم يراجع مما يؤكد ان لدينا نمطا اداريا لا يتيح المحاسبة الجادة الا عندما تكون هناك نية لتصفية الحسابات. والدليل علي ذلك ما حدث مع الدكتور ايمن نور.. رئيس حزب الغد السابق، اذاما قورن بما حدث في قضية العبارة او قضية المبيدات المسرطنة وايضا ما حدث ضد القضاة خاصة المستشارين البسطويسي ومكي. ولفت بهي الي غياب اي جهات للمحاسبة او الرقابة وقال ان البرلمان المصري برلمان صوري، وشكلي واداة في يد السلطة التنفيذية، والقضاء استقلاله منقوص، مما يدل علي ان المشكلة اكبر بكثير من مجرد التوصيف القانوني للقضايا، وحتي لو سلمنا بوجود خلل ومفارقات قانونية في توصيف القضايا وتصنيفها الا ان مواطن الخلل لا تجيب عن الاسئلة الكبري المتعلقة بسوء الادارة والتي تؤدي الي ما نعانيه من كوارث، ويري ان الحل في اقامة نظام سياسي يقوم علي اساس التوازن الحقيقي بين السلطات ويكفل رقابة كل منهم علي الاخري بما يتيح اصلاح الخلل ومعالجته. من جانبه انتقد جمال بركات مدير الجمعية المصرية للدفاع عن الحقوق والحريات المادة 238 من قانون العقوبات التي يحال بموجبها المتهمون وقال ان هذه المادة تشير الي معاقبة المتورط في قتل خطأ من سنة الي سبع سنوات، وتزيد الي عشر سنوات، اذا كان عدد المجني عليهم اكثر من ثلاثة افراد. ويقول إن هذه المادة لم تحدد بالضبط العدد المجني عليه اذا زاد علي ثلاثة افراد، وهو ما يستدعي اعادة النظر في بعض مواد القانون لا سيما المادة 238 ، مؤكدا ان الوضع القائم ينتهك حق المجتمع في بعض الجرائم العامة مثل جرائم الاغذية الفاسدة والمواد المسرطنة والعبارة، في حين ان بعض الجرائم وفيما يشبه تسلطا من الجهات التنفيذية والقضاء يتم احالتها لمحكمة الجنايات مثل قضايا النشر، وهذا وضع غير عادل ولا يمكن ان يتم العمل به. جرائم لا توصف ويري ان هناك بعض الجرائم يجب النظر فيها بعيدا عن نصوص القانون وان تعطي السلطة فيها عقابا يرضي المجتمع، وهذه القضايا ليس لها توصيف في القانون المصري وهي قضايا ذات طابع غير متكرر ولا تحدث دائما كثيرا، وفي قانون العقوبات توجد المادة 235 التي تتيح امكانية احالة من شارك في القتل الذي يستوجب الحكم بالاعدام او الاشغال الشاقة المؤبدة الي نفس المحكمة، وهذه المادة يمكن بموجبها احالة القضايا المهمة وذات الطابع العام الي محكمة الجنايات خاصة اذا كان الحكم فيها علي انها جنحة لا يلبي الغرض ، ولا يحقق رضا المجتمع او يعوض حقوقه، وهذا ما كان يمكن لجهات التحقيق ان تقوم به في قضية العبارة وان يتم فيها الاحالة وتشديد العقوبة خاصة ان النائب العام يعلم ان الجنح لا تزيد عقوبتها باي حال علي 10 سنوات. ويقول بركات نحن في احتياج شديد لتعديل ترسانة القوانين المصرية ، خاصة ان القوانين بها ثغرات كثيرة يمكن ان تستغلها السلطة حسبما تري، ويقول اهم القوانين التي تستوجب التعديل قانون العقوبات لينص علي ان القتل الخطأ لعدد كبير من المواطنين يجب ان يخضع لمحكمة الجنايات وليس الجنح لانه يعتبر حقا للمجتمع كله وليس حقا لفرد او اثنين فقط، فلا يمكن ان يظل القانون ينص علي ان من يقتل ثلاثة مواطنين يعاقب بنفس عقوبة من يقتل ثلاثة الاف مواطن، ويهدر حق جميع المواطنين وتكون عقوبته بحد اقصي عشر سنوات علي أساس انه ارتكب جنحة قتل خطأ! ويحمل جمال عبدالعزيز مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان النيابة العامة مسئولية الموضوع، ويقول ان اللغز الحقيقي في صلاحيات النيابة العامة فيما يسمي في القانون بالقيد والوصف وهو يرجع لتقدير النيابة وصلاحياتها، ويقول نحن لسنا في حاجة الي تعديل قانون وانما في احتياج الي حياد النيابة العامة او عودة قاضي التحقيق، وهذا من دفع كل من تم التحقيق معهم في احداث التضامن مع القضاة لرفض المثول امام النيابة وطلب ندب قاض للتحقيق، ويقول باعتباران المتسبب الاول في الاحالة هي النيابة العامة المفترض ان تكون نائبا عن المجتمع وتحفظ حقوقه فان المشكلة تتأزم عندما تتنازل النيابة العامة عن ذلك مما يتسبب في ان يدفع المجتمع ثمن ذلك. ويقول من المفارقات ان الجرائم التي تعد مخالفات يتم تحويلها الي جناية مثل نشر الصحفيين عن وقائع الفساد لا سيما في قضيتي جريدة الدستور والمصري اليوم، وقضية ايمن نور الذي اتهم بتزوير بعض التوكيلات ولم يوقع الضرر علي اي مواطن، وفي نفس الوقت فان القضايا التي لا يمكن ان تكون الا جنايات لا تتحول للمحاكمة اساسا ومنها قضايا التعذيب، او يتم التحقيق فيها وتكون عقوباتها تافهة وغير رادعة مثل قضية تعذيب احد مواطني الاسكندرية حتي اعترف بقتله لطفلته وبعد ظهور براءته جاءت نتائج التحقيق بوقف بعض المتورطين في تعذيبه عن العمل ولفت نظر بعضهم، وعندما تكون القضية عامة وضخمة يتم تحويلها الي جنحة رغم اضرارها بآلاف المواطنين بل بكل المجتمع! اختلال العدالة ويري ان الوضع القانوني الحالي لتوصيف القضايا ومجريات المحاكمة يؤدي الي امرين اولهما اهدار النيابة لاتفاقية استقلال القضاء، والثاني اختلال العدالة في الدولة، وهذا يفسر اسباب قبول الاتحاد الافريقي لقضية هتك عرض الصحفيات يوم الاستفتاء العام الماضي، بعد ان قرر النائب العام حفظ التحقيقات فيها! ويحذر من هذه الاوضاع، ويقول ان ذلك يؤدي الي فقدان ثقة المواطنين في النيابة العامة، ويضيع امن المواطنين في وجود عدالة مما يتسبب في فوضي ويدفع الناس للحصول علي حقوقهم بانفسهم ويدلل علي ذلك باستقالة شيخ القضاة يحيي الرفاعي عام ،2003 اعتراضا علي عدم حياد النيابة العامة في عدة قضايا منها قضية يوسف والي وزير الزراعة الاسبق. يقول ايمن عقيل مدير مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية القانون المصري مليء بالثغرات التي يتم استغلالها من قبل النيابة اثناءتوصيف القضية ما بين جنح او جناية، كما يمكن للدفاع ايضا استغلال هذه الثغرات اثناء تقديم دفوعه لتغيير مسار القضايا، وهناك مادتان في القانون الجنائي الاكثر شيوعا في هذا الشأن هما ،17 51 وهما المادتان المختصتان بالدفاع الشرطي والاعزار المخففة للعقاب ويتم استغلال هاتين المادتين والتلاعب بهما في القضايا. ويضيف ان تصنيف الوقائع ما بين المخالفات التي يعاقب عليها بالغرامة والمصادرة، والجنح والجنايات، والتي يتم تصنيفها علي اساس نوع المخالفة او الخطأ، يمكن ان يتم التلاعب فيها يغياب قواعد جازمة تحكم هذا التصنيف فضلاعن سلطة النيابة في توصيف القضية حسب رؤيتها باعتبارها ممثل الادعاء والامين علي الدعوي الجنائية، كما ان هناك نصوص تشريعية لتخفيف او تغليظ العقوبة، ويقول عقيل مع ذلك فان هناك مبدأ قضائيا مفاده "حرية القاضي في تكوين عقيدته" وهذا يعني ان القاضي بعد تكييف القضية من قبل النيابة فانه من حقه تقدير الموقف، ولديه سلطات تقديرية في اصدار الاحكام. وان كان يجب عليه ذكر اسباب حكمه، الا ان ذلك يؤكد ان القانون الجنائي يحتاج الي تعديل خاصة مع وجود جرائم وقضايا استحدثت لم تكن موجودة في السابق. ويضيف عقيل نعاني من مشكلتين اساسيتين الاولي متعلقة بالثغرات القانونية والاخري تتعلق بكيفية تطبيق القانون، فضلا عما يسمي بفلسفة العقاب، فالعقاب وظيفته تحقيق الردع الخاص بمعني ردع المجرم عن العودة لارتكاب الفعل مرة اخري، والردع العام اي احداث حالة ردع عامة في المجتمع كي لا يقوم اي فرد بارتكاب مخالفات، وللاسف فان التجربة تؤكد ان القضايا العامة في مصر والقضايا الكبري لا يحدث فيها ردع عام او خاص، لا سيما قضايا الفساد والكوارث الكبري مثل العبارة، وقطار الصعيد ومسرح بني سويف وغيرها من القضايا التي تكون العقوبات فيها غيررادعة وغير مرضية ولا تحفظ حقوق المواطنين. ويقول عقيل وسط كل ذلك فان المجتمع كله يدفع الثمن، والاثار السلبية لا تتوقف علي المتضررين المباشرين من الكارثة، وانما تتعداهم لتطول جميع افراد المجتمع، وتتوالي هذه الكوارث لتمثل حالة عامة من الفوضي والفساد وغياب القانون لتهتز معه اركان الدولة، ويعوق ذلك اي محاولات للتنمية او النهضة الحضارية. الوزير متهم اما سعيد عبد الحافظ مدير ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الانسان فينتقل بالقضية الي مستوي مختلف تماما، ويرجع اسباب الازمة الي وجود خلل دستوري ويقول ان توصيف القضايا علي هذا الشكل يعد خللا دستوريا بمعني ان الوزير بحكم منصبه السياسي يجب ان يسأل عن اعمال تابعيه، ويتحمل المسئولية كاملة بصرف النظر عن اسهامه المباشر او غير المباشر في ارتكاب الواقعة. يقول ان هذه المسألة يجب ان ينص عليها في الدستور ويتم اقرار وسائل وادوات برلمانية لاعضاء المجلس تسمح بقيامهم بمساءلة الوزير سياسيا وجنائيا عما وقع من مخالفات خاصة اذا كان الامر يتعلق بادارة مرفق عام ولا يستقيم القول بانه ارتكب ما ارتكب عن طريق الخطأ ويتم تحويل الجاني الي الجنح في حين ان الصحفي الذي يمارس حقه في ابداء الرأي والتعبير عن طريق النشر يمثل امام محكمة الجنايات اذا كان السب او القذف بحق موظف عام، ويقول عبد الحافظ ان ذلك ينطبق علي جميع القضايا والكوارث الكبري في مصر، فقضية قطار الصعيد كان من المفترض ان يسأل فيها وزير النقل ، وقضية العبارة يسأل فيها وزير النقل الحالي، وقضية مسرح بني سويف يسأل عنها وزير الثقافة، وقضية المبيدات المسرطنة يسأل عنها وزير الزراعة الاسبق. ويضيف عبد الحافظ ان الدستور والقانون المصريين يحصنان اعمال الموظف العام ولا يلتفتان الي حقوق المواطنين البسطاء، وهو ما يعني ان فلسفتهما قائمة علي اساس ان السلطة التنفيذية تفعل ما تشاء دون محاسبة او رقابة او مساءلة جنائية. ويقول إن المتهم الاول في اهدار حقوق ضحايا الكوارث والمجتمع كله هو الحصانة التي يتمتع بها المسئولون الاساسيون عن الكارثة سواء كانوا وزراء، او نوابا في المجالس النيابية مثل ممدوح اسماعيل صاحب عبارة الموت، الذي حمته حصانة مجلس الشوري من المثول امام النيابة وتراخي المجلس في رفع الحصانة عنه رغم النداءات المتعددة من جهات التحقيق والقوي الشعبية والوطنية، حتي تمكن من الهرب. ويري ان مثل هذا النوع من القضايا الكارثية يحتاج الي نصوص تشريعية واضحة تحد من الاهمال المنتشر في المجتمع في كل القطاعات والذي اودي بحياة عدد كبير من المواطنين، وسوف يودي بحياة اخرين اذا استمر الوضع القائم كما هو، لنظل نلف داخل حلقة من الانتهاكات الجماعية لحقوق الوطن والمواطنين.