إن كان ممكناً الاهتداء بالماضي القريب، فإن من المفترض ألا تستغرق جلسة الاستماع التي يعقدها مجلس الشيوخ يوم الخميس المقبل، للنظر في ترشيح الجنرال "مايكل هايدن" لتولي إدارة وكالة الاستخبارات المركزية، زمناً يذكر في التحقق من تاريخه العسكري. وخلال أي من العقود القريبة الماضية، كان مجرد التفكير في تعيين شخصية عسكرية علي قمة الهرم القيادي لوكالة "سي آي إيه" المدنية، يثير جدلاً وخلافاً. غير أن الاختلاف الآن يكمن في أن ترشيح الجنرال هايدن صادف وقتاً قطعت فيه وزارة الدفاع شوطاً بعيداً في توسيع دورها في العمليات الاستخباراتية. ويصف الخبراء "هايدن" بأنه يتمتع بالاستقلالية والحيدة، وبعدم ترجيح لي ذراعه من قبل البنتاجون. غير أن لهذا الأمر كله علاقة بالكيفية التي تعيد بها الحرب الدولية المعلنة علي الإرهاب، هيكلة مؤسساتنا الاستخباراتية في مجملها، وما إذا كان من الحكمة أن تلقي "البنتاجون" بعبء جسيم من هذه العمليات علي عاتقها. وربما أكثر من أي وقت مضي، فقد أصبح تحقيق أي نجاح أو نتائج إيجابية في هذه الحرب، يعتمد إلي حد كبير علي العمل الاستخباراتي الجيد والتحرك السريع الفعال. ومن هنا فليس ثمة غرابة في أن تسعي وزارة الدفاع إلي توسيع نفوذها ودورها الاستخباراتي. ذلك هو رأي "مايكل أوهانلون" المحلل بمؤسسة "بروكنجز" بواشنطن. ولذلك فإن المسألة الواجب إثارتها هي أين يمكن رسم الحدود الفاصلة بين العملين العسكري والاستخباراتي؟ ومثلما هو في كافة الأمور التي تتضمن نشاطاً سرياً استخباراتياً، فإنه يتعذر معرفة من مِن الأفراد يؤدي أية وظائف ومهام علي نحو صريح ومباشر خلافاً لما هو عليه الحال في المهام غير السرية. ثم إن الهيكل الاستخباراتي الأمريكي نفسه، لم يستطع بعد الفكاك من أسر ذلك الجهاز البيروقراطي الضخم، المؤلف من ست عشرة وكالة عسكرية ومدنية. ولكن الملاحظ أن البنتاجون قد سلطت مجساتها الاستخباراتية وأقمارها الاصطناعية علي القدرات العسكرية للعدو أكثر من غيرها تقليدياً. وللسبب عينه فقد خصصت نسبة 80 في المائة من الميزانية الاستخباراتية الأمريكية العامة، للوكالات والأجهزة التابعة لوزارة الدفاع. إلي ذلك تترك العمليات والمهام الأخري مثل مكافحة الإرهاب وغيرها، لمختلف الوكالات التي منها "سي آي إيه". وخلافاً لذلك التقليد المعروف، يلاحظ اليوم أن قادة "البنتاجون" يولون اهتماماً أكثر من ذي قبل للعمل الاستخباراتي. من ذلك علي سبيل المثال، إنشاء دونالد رامسفيلد في عام 2003 لوظيفة جديدة في وزارته، هي وكيل الوزير للاستخبارات الدفاعية، وجعله منها ثالث أعلي وظيفة مدنية في وزارته. وفوق ذلك، أعربت البنتاجون عن اعتزامها التوغل إلي ما كان حكراً علي وكالة "سي آي إيه" في الماضي. من ذلك ما نقل عن تبرم دونالد رامسفيلد من انتظاره لتقارير "سي آي إيه"، قبل إجرائه أية اتصالات بلوردات الحرب الأفغان، قبيل شن الغزو الأمريكي علي أفغانستان. ومنذ ذلك الحين، تواترت التقارير عن مبادرة وزارة الدفاع لابتعاث فرق استخباراتية خاصة بها إلي الخارج، تكلف بمهام التعاون مع العمليات الخاصة لمكافحة الإرهاب. والهدف وراء هذا التوغل ليس استبدال وكالة "سي آي إيه"، وإنما عدم الاعتماد عليها في المعلومات الاستخباراتية التي تؤثر مباشرة علي العمليات العسكرية. وهناك من يبرر هذا السلوك بطبيعة النزاع الذي تواجهه أمريكا في حربها الدائرة حالياً علي الإرهاب. وعلي حد قول المحلل "جون بايك" -من منظمة الأمن العالمي- فقد تدنت قدرات "سي آي إيه" في القيام بالمهام الاستخباراتية ذات التأثير المباشر علي العمل العسكري المضاد للإرهاب خلال عقد التسعينيات، في حين شهدت القدرات العسكرية الاستخباراتية صعوداً ملحوظاً منذ أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران. غير أن "بايك" وغيره من المحللين والمراقبين، يبدون قلقاً من أن تكون "البنتاجون" تسعي للتوغل أبعد مما يجب في مجال العمل الاستخباراتي. وكما نعلم فقد كانت المسئولية عن العمليات السرية، التي لا يمكن تعقب أثر الولاياتالمتحدةالأمريكية أو دورها فيها، من اختصاص وكالة "سي آي إيه" وحدها. أما الجيش فقد تمتع بحرية تامة بالقيام بالعمليات السرية.