بدأت "لجنة الاستخبارات" بمركز الشيوخ الأمريكي، يوم الخميس الماضي، استجواب الجنرال الجوي مايكل هايدن المرشح لتولي منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي، آي، إيه"، بشأن قيام "وكالة الاستخبارات القومية" (إن.إس.إيه) بجمع معلومات عن السجلات الهاتفية للمواطنين الأمريكيين. التدقيق في عمل "وكالة الاستخبارات القومية" شيء مطلوب... ولكن أخشي أن أقول إن مجلس الشيوخ والجمهور الأمريكي قد غاب عنهما تطور أوسع نطاقا وأكثر مدعاة للقلق. فلأول مرة منذ الحرب الأهلية الأمريكية، يتم تحديد الولاياتالمتحدة كمسرح عمليات عسكري. فوزارة الدفاع التي تضم "وكالة الاستخبارات القومية" تركز مواردها الهائلة الآن علي الأمن الداخلي، وتضطلع بدور لم يسبق له مثيل في التجسس الداخلي. قد يكون ذلك قانونيا، ولكنه في الحقيقة يحبط ثمار ثلاثة عقود من الجهود التي قام بها الكونجرس، من أجل الحد من الرقابة الحكومية علي الأمريكيين، والتي تتم تحت ستار الأمن القومي. وما قد ينجم عن ذلك هو تآكل المبدأ الكامن في القانون المعروف بقانون "بوس كوميتاتوس" الصادر عام 1878، والذي ينص علي عدم استخدام القوات المسلحة الأمريكية في مهام فرض القانون. وعندما أعلنت إدارة جورج بوش الولاياتالمتحدة كمسرح للعمليات العسكرية، فإنها أنشأت ما يعرف ب "القيادة الشمالية" للولايات المتحدة التي قامت بإنشاء مراكز استخباراتية في كولورادو وتكساس من أجل تحليل التهديدات المحلية. ولا تقتصر الجهود الاستخباراتية للقوات المسلحة علي ذلك، حيث يسيطر البنتاجون علي "جزء كبير" من موجودات الاستخبارات القومية، التي تعتبر تقليديا من مهام مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. في عام 2003، أنشأ الكونجرس وظيفة جديدة هي "وكيل وزارة الدفاع لشئون الاستخبارات" للإشراف علي الأجهزة الاستخباراتية العديدة التابعة للوزارة، ومنها الجهاز الجديد المعروف باسم" النشاط الميداني المضاد للاستخبارات" ويرمز له بالحروف CIFA. وصدرت أوامر ل CIFA أن يحتفظ بقاعدة بيانات محلية خاصة تتعلق ب"التهديدات الإرهابية المحتملة" والبدء في جمع معلومات عن المواطنين الأمريكيين. وفي عام 2005 اقترحت لجنة رئاسية تخويل CIFA بإجراء تحقيقات داخلية في جرائم تتراوح بين الخيانة والتجسس والإرهاب. والشيء المذهل أن اللجنة قالت في ذلك الوقت بأن التفويض الرئاسي لا يتطلب الحصول علي موافقة من الكونجرس، وأن صدور أمر رئاسي أو توجيه من البنتاجون سوف يكونا كافيين. والحقيقة أن مثل هذا النوع من الغزوات العسكرية المُضَلَلة للاختصاصات المدنية، يعود إلي فترة الحرب الفيتنامية التي شهدت ظواهر مماثلة. ولكن الفارق هو أن المعركة حول الاختصاصات، كانت تدور في أراضي أجنبية حينئذ، أما الآن فإنها تدور علي الأراضي الأمريكية ذاتها. قال الرئيس بوش الأسبوع الماضي: "إننا لا ننقب أو ننبش في الحياة الشخصية للملايين من الأمريكيين الأبرياء". مع ذلك تبين من مسح أجري عام 2004 بواسطة "مكتب المحاسبة العام" أن هناك 199 عملية تجري للتنقيب عن المعلومات، وتتراوح ما بين جمع البيانات المتعلقة ببطاقات الائتمان وجمع البيانات الموجودة في السجلات الطبية. كما تبين أيضا أن وزارة الدفاع لديها خمسة برامج تتعلق بالاستخبارات ومقاومة الإرهاب. ف"وكالة الاستخبارات الدفاعية" التي أنشئت عام 1961 للتخابر علي الجيوش الأجنبية، تستخدِم الآن برنامجا كومبيوتريا اسمه "Verity K2" لإجراء مسح استخباراتي حول شبكة الإنترنت، كما تستخدم برنامجا آخر اسمه "Inxight Smart" للتعرف علي أنماط محددة في قواعد المعلومات. وقامت CIFA بالتعاقد مع مؤسسة "كومبيوتر ساينسيز كوربوريشين" لشراء برنامج كمبيوتري للتعرف علي الشخصية، يتيح لها إمكانية إنشاء موقع زائف علي شبكة الويب لرصد المواقع غير الشرعية في الولاياتالمتحدة، دون ترك أي أثر. إضافة لذلك تقوم "وكالة الاستخبارات القومية الجيو فضائية" بجمع معلومات من 133 مدينة أمريكية. ودشنت وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2002 أكبر عملية علي الإطلاق لاستقصاء المعلومات، وهي تلك المعروفة باسم "عملية الوعي المعلوماتي الشامل" لمسح قواعد البيانات الحكومية والتجارية المتاحة في جميع أنحاء العالم. ثم قام الكونجرس الذي أحس بالقلق من تداعيات ذلك علي خصوصية الفرد الأمريكي بخفض تمويله لتلك العملية. وللالتفاف علي ذلك، قام البنتاجون بنقل عدد من تلك المشروعات إلي وكالات الاستخبارات التابعة له؛ مثل مشروع "النموذج المبدئي للوعي المعلوماتي" ومشروع "جنوا-2" اللذين تم نقلهما إلي مقر قيادة "وكالة الأمن القومي" ويري البنتاجون أن العمليات التي يقوم بها لمراقبة مواطني الولاياتالمتحدة قانونية. ففي مذكرة وزعها روبرت نونان نائب رئيس أركان حرب الاستخبارات جاء مايلي: "علي خلاف الاعتقاد الشعبي السائد ليس هناك حظر مطلق علي الاستخبارات، ولا علي الوكالات التي تقوم بجمع المعلومات بخصوص الأمريكيين، أو علي توزيعها، كما أن بوسع وكلاء الاستخبارات العسكرية استقبال أي معلومات من أي شخص وفي أي وقت". علي مدار التاريخ الأمريكي، كافحنا من أجل تحقيق نوع من الموازنة بين المخاوف الأمنية، وبين حماية الحقوق الإنسانية، وبين كتلة سميكة من القوانين التي تنظم سلوك وكالات فرض القانون الداخلية. لذلك يجب علي الكونجرس أن يفكر مرتين قبل أن يسمح بدخول "مارد البنتاجون" إلي ساحة فرض القوانين الداخلية