ادت استقالة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) بورتر جوس الي زيادة الصعوبات التي تشهدها هذه الوكالة منذ حوالي خمس سنوات لاستعادة مصداقيتها التي فقدتها مع اعتداءات 11 سبتمبر 2001 والحرب في العراق. وجاء تعيين جون نيجروبونتي، أحد رؤساء اجهزة الاستخبارات، مسئولا عن وكالات الاستخبارات الست عشرة ومنها (سي آي ايه) ليوجه ضربة لهيبة هذه الوكالة. ويقدم نيجروبونتي يوميا للرئيس جورج بوش ملخصا عن معلومات اجهزة الاستخبارات وهي المهمة التي كان يقوم بها حتي الان مدير وكالة الاستخبارات المركزية. وقد تعرضت ال (سي آي إيه) لانتقادات حادة بسبب عجزها عن توقع اعتداءات 11 سبتمبر واقدامها في وقت لاحق علي التأكيد ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان يمتلك اسلحة دمار شامل وهو ما ثبت عدم صحته. واخذت لجنة التحقيق في اعتداءات 11 سبتمبر التي كشفت مكامن الخلل الداخلية، علي الوكالة تجاهلها لفترة طويلة المحور الاساسي لمهمتها القائم علي تجنيد جواسيس واختراق منظمات مثل شبكة القاعدة. واعتبرت اللجنة ايضا ان الوكالة تعتمد كثيرا علي اجهزة استخبارات حكومات اخري. ومنذ ذلك الحين، تتعرض الوكالة لضغوط من البيت الابيض لتسريع عملية تجنيد جواسيس وتغيير طريقة عملها. وقد عهد الي بورتر جوس، النائب الجمهوري السابق الذي تسلم وكالة الاستخبارات المركزية في خريف 2004، النهوض بالوكالة المتهمة بالعداء لادارة بوش. وشهدت الاشهر الاولي بعد تسلمه مهامه استقالة العديد من كبار المسئولين في الوكالة. وفي تصريح لشبكة التليفزيون الأمريكية "سي.ان.ان" اعتبر المدير السابق بالانابة للوكالة جون ماكلولين ان جوس تسلم الوكالة "في مرحلة بالغة الصعوبة من تاريخها"، معربا عن "دهشته" لاعلان استقالته. وفي يناير انكب جوس علي الحد من تسريبات الجواسيس. وفتحت تحقيقات داخلية علي اثر كشف وسائل الاعلام عن وجود شبكة سجون سرية لوكالة الاستخبارات المركزية وعن برنامج للتنصت بدون موافقة قضائية اجاز به البيت الابيض. وذكرت الصحافة الأمريكية، ان اجهزة كشف الكذب قد استخدمت لمعرفة من كشف عن المعلومات. وقد اعرب جوس علنا عن استيائه من التسريبات للصحافة معتبرا انها تشكل خطرا علي الولاياتالمتحدة. وفي قرار اعتبر نادرا في تاريخها، اعلنت وكالة الاستخبارات المركزية في اواخر ابريل اقالة محللة متهمة بالكشف "عمدا وبملء ارادتها" عن معلومات مصنفة كاسرار دفاعية لصحفيين. ونفت ماري ماكارثي (61 عاما) التي عملت في مجلس الامن القومي في عهد بيل كلينتون، الكشف عن معلومات مصنفة كاسرار دفاعية، لكنها اعترفت بأنها التقت بصحفيين بدون ابلاغ المسئولين عنها بذلك. وقد اهتزت صورة وكالة الاستخبارات المركزية ايضا لدي فتح تحقيق داخلي مطلع مارس يتعلق بالمسئول الثالث في الوكالة كايل فوجو بخصوص عقود اشرف عليها. وتقول وسائل الاعلام الأمريكية، ان هذا التحقيق يتناول علاقات فوجو بمقاولين اثنين في قطاع الدفاع متهمين بدفع رشاوي الي عضو الكونجرس راندال كانينجهام ومسئولين في وزارة الدفاع. وقد ادين كانينجهام النائب عن كاليفورنيا في مطلع مارس وحكم عليه بالسجن ثمانية اعوام واربعة اشهر مع النفاذ في هذه القضية. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسئولين في الادارة الأمريكية ان بوش قد يرشح مايكل هايدن مدير وكالة الامن الوطني السابق والنائب الحالي لنيجروبونتي لرئاسة "سي آي اي"، علما أن نيجروبونتي كان سحب الكثير من صلاحيات جوس قبل دفعه الي الاستقالة. وقال مسئولون في البيت الابيض ان بوش كان فقد ثقته بكفاءة جوس (67 عاماً) بعد فترة وجيزة من تعيينه خلفا لجورج تينيت في (سبتمبر) 2004، مما ابعده عن مهمة اعداد التقرير الاستخباري اليومي للرئيس، والتي يتولاها نيجروبونتي منذ عام تقريبا. وذكرت الصحيفة ان نيجروبونتي ابلغ جوس في لقاء عاصف عقد بينهما الشهر الماضي ضرورة تقديمه استقالته خلال شهر، وهو ما حدث بالفعل. وتوقع اعضاء في الكونجرس أن يواجه هايدن عملية صعبة لإقرار ترشيحه في الكونجرس الذي يملك صلاحية رفض ترشيحه بحسب القانون، وذلك بسبب خلافات علي صلاحيات اجهزة الاستخبارات الأمريكية في ما يخص التجسس علي مواطنين أمريكيين يشتبه بعلاقتهم بتنظيمات ارهابية. وبرز من بين الاسماء المرشحة لإدارة "سي آي اي"، الي جانب هايدن، اسم ماري مارجرت جراهام التي نقلت من الوكالة للعمل مع نيجروبونتي في دائرة تنسيق المعلومات، إثر خلافات بينها وبين جوس. كما ورد اسم مستشار شئون الامن في وزارة الداخلية فرانسيس فارجوس تاونسند لشغل المنصب، رغم استبعاد ترشيحه من بعض مصادر البيت الابيض. ويري خبراء ومحللون أن استقالة جوس تعد بمثابة تكريس لأفول نجم "سي آي اي" بوصفها وكالة الاستخبارات الاكبر والاهم، لمصلحة دائرة الاستخبارات الوطنية برئاسة نيجروبونتي الذي عمل خلال العام الماضي علي استقطاب ابرز المحللين في الوكالة للعمل معه. وفقد جوس، منذ تعيينه قبل 18 شهرا، اكثر من 15 مسئولاً كبيراً، بمن فيهم رؤساء اقسام استقال بعضهم وتقاعد بعضهم الآخر مبكرا، من بينهم روبرت ريتشر مسئول دائرة الشرق الادني الذي استقال احتجاجا علي اسلوب جوس في ادارة الوكالة. وذكرت مجلة "تايم" في عددها ان نيجروبونتي كان قرر الاسبوع الماضي سحب المزيد من صلاحيات جوس في شئون تحليل المعلومات الاستخبارية عن الجماعات الارهابية وتهديداتها المحتملة، مما قد يكون السبب وراء الاستقالة المفاجئة، رغم انه كان يرجح بقاءه حتي نهاية العام الحالي علي الاقل. كما نجح نيجروبونتي في الاستئثار بعقد اللقاءات مع مدراء اجهزة الاستخبارات الاجنبية، والتي كانت من ضمن صلاحيات مدير "سي آي اي" المستقيل، علما بأن التعاون مع اجهزة الاستخبارات الاجنبية يعتبر من بين اهم مصادر المعلومات الاستخبارية بالنسبة للاستخبارات الأمريكية. ويتراوح عدد العاملين في اجهزة الاستخبارات الأمريكية (16 جهازا) ما بين 80 و 100 الف شخص، بمن فيهم العملاء المنتشرون في مختلف انحاء العالم.