ترتقي الشعوب بقدر رقي أفكارها ومن الدعامات الهائلة والعاملة في حياة الإنسان تقديره للوقت كيف ينظمه ومتي يستهلكه وفي أي غاية يقضيه وفي أي أمر يكون معظم الوقت وكم ساعة ينام، وكم ساعة يعمل؟ إنها أمور تنظيمية السلوك فيها بحذر يحدد مصائر الشعوب ويجعل الإنسان في حالة من التوفيق والتوافق النفسي بل الروحي أيضا. ويقول شوقي رحمه الله: دقات قلب المرء قائلة له.. إن الحياة دقائق وثواني. وبمناسبة التوقيت الصيفي الذي تطبقه بلادنا منذ عقود من الزمان. قصة هذا التوقيت والتي بدأ تنفيذها تقريبا عام 1907 بواسطة رجل إنجليزي يدعي "ويليام إيليت" جاءته هذه الفكرة أثناء مشاركة ويليام في إعادة بناء مدينة لندن وكان الهدف هو الاستفادة ببزوغ الشمس مبكرا خلال شهور الصيف، وفي البداية لم يعد اقتراح ويليام تقديم الساعة كل أسبوع عشرين دقيقة لأربعة مرات شهريا خلال شهر أبريل، علي أن تؤخر الساعة عشرون دقيقة خلال شهر سبتمبر أربع مرات أيضا، وتمر الأيام وعند اندلاع الحرب العالمية الأولي بدأت بريطانيا تنفيذ اقتراح ويليام سري ذلك علي بلدان أوروبا، وبدأ هذا النظام ينحسر بعد الحرب، إلي أن ظهر مرة أخري، وبدأنا نحن في مصر نقلد هذه البلاد أملا في كسب ساعة عمل مبكرة في الصباح لتحقيق انتاج أوفر. وكذلك عندما يخلد الإنسان للنوم مبكرا فإنه بذلك يستفيد صحيا متجنبا ويلات السهر الزائد،. موفرا أيضا استهلاك الطاقة، إلي هنا نشعر أنه كان هناك التزام ومبرر لذلك السلوك والذي بالتأكيد أفاد تلك البلدان في سعيها نحو التقدم، لكن نظرية لتطبيق هذا النظام في بلادنا، وهل نحن بحاجة إليه، فلنتكلم بصراحة علي مستوي الفرد وليس الشعب، هل يسمح الإنسان المنظم في حياته وعمله ونومه أن يجلس علي مقهي إلي ما بعد الواحدة صباحا. صورتان من الفوضي تشدان انتباهي الأولي لهؤلاء الذين يرتادون المقاهي ونوادي النت إلخ.. مقار السهر الردئ. يضيعون أوقاتهم حتي صباح اليوم التالي.. بين اللعب والمزاح والمشاريب والشيشة القاتلة الناقلة لعدوي الأمراض الصدرية.. السؤال متي ينام هؤلاء السهاري؟ بالتأكيد صباح اليومالجديد.. ومتي يبدأون نهارهم الجديد؟ أتساءل هل هذه الفئة والتي أصبحت قطاعا كبيرا في المجتمع هل هي في حاجة لتطبيق نظام الساعة المبكرة والصورة الثانية.. نعيشها جميعا وهي ازدحام وسائل المواصلات ليس في الصباح الباكر فقط. لا بل إن هذا الزحام يستمر منذ الصباح الباكر وحتي آخر النهار وغالبا إلي أن تختفي أوتوبيسات شركة النقل العام، ثم يبدأ العمل بالمواصلات الخاصة وهي الميكروباصات الطائشة. بماذا نفسر ذلك. إنها فوضي المواعيد وتضاربها ما بين من يذهب إلي عمله متأخرا ومن يفتح متجره وفق ظروفه، وهذا لا يمنع من أن هناك قطاعا كبيرا من الموظفين الحكوميين وأصحاب المتاجر يعيشون حياة الالتزام واحترام مواعيدهم لكنهم العدد الأقل وهم الجماعة التي تحترم العمل وتقدسه وتحترم نفسها والآخرين.. وهذه تعبر عن رغبتها في الارتقاء والنجاح ونقاء الضمير هو هدفها وإرضاء الله غايتها. وكم كان محرجا الإحصائية العالمية عن عدد الدقائق التي بيعملها الموظف في مصر "كمتوسط ساعات عمل يومي" بالتأكيد كانت هذه "الحسبة" علي نفقة أناس طيبين يعملون ساعات عملهم كاملة بجد واجتهاد وغيرهم تملكه التخاذل والكسل. إن تطبيق العمل بالتوقيت الذي نقلناه من الإنجليزي يحتاج إلي إعادةالنظر من المسئولين لا أقصد في تطبيقه أو عدم تطبيقه ولكني أقصد ما الذي يجب أن نفعله من تصحيح يغنينا عن هذا التوقيت ويرتفع بشأن وقيمة الوقت فهل هذه الساعة المبكرة من شأنها إصلاح أمور مجموعة أصابها الكسل إذا كان هناك من يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نهار يهدده الكسالي فهل هذه الساعة المبكرة وحدها ستصلح ما أفسدته بعض عاداتنا السيئة في قتل الوقت؟ إن اعتزازنا بهذا التوقيت لن يساعدنا علي إحراز تقدم يذكر إلا إذا تعاملنا بشجاعة مع أنفسنا وأدركنا قيمة الوقت وتعامنا مع الثانية قبل الدقيقة.. أليس من الخجل أن ننام والشمس في قمة إشراقها!!