يبدو أن الرئيس الإيراني المحافظ محمود أحمدي نجاد قد اختار المضي قدما في طريق التصعيد حتي نهايته مهما تكن هذه النهاية واكد مجددا ان بلاده لن تتخلي ابدا عن برنامجها النووي المثير للجدل. وعلي نفس الخط قال المسئول الايراني المكلف بالملف النووي علي لاريجاني انه لا يمكن اجبار ايران علي وقف برنامجها النووي، موكدا ان طهران ستتصدي لأي قرار من مجلس الامن يطالبها بتجميد انشطتها النووية ومن قبلهما هدد المرشد الاعلي للجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامنئي بضرب المصالح الامريكية في جميع انحاء العالم اذا قررت الولاياتالمتحدة مهاجمة ايران وضرب منشآتها النووية فهل خلع نجاد ثوب السياسي المتزن ليلعب دور المحارب المندفع؟ وهل ستدفع ايران وحدها فاتورة تهورها ام ستسددها المنطقة باكملها وهي مازالت غارقة حتي اذنيها في العديد من المشكلات والازمات الطاحنة؟ فالدول العظمي التي لم تنجح في اخضاع ايران بشأن برنامجها النووي باتت تواجه تحديا مزدوجا يتمثل في مضاعفة الضغط عبر تبني قرار ملزم في مجلس الامن الدولي وحماية وحدتها في مواجهة طهران. وعبرت الازمة الايرانية مرحلة جديدة بتسلم مجلس الامن الدولي تقريرا سلبيا للوكالة الدولية للطاقة الذرية اكد ان ايران لم تتعاون ولم تعلق عمليات تخصيب اليورانيوم. ولم تتراجع طهران عن موقفها رغم طلب وجهه مجلس الامن الدولي في 29 مارس الماضي وامهلها شهرا لوقف تخصيب اليورانيوم. وتشتبه الاسرة الدولية بان ايران تسعي لامتلاك سلاح ذري وهذا ما تنفيه طهران. وتحاول الدول الخمس الدائمة العضوية (الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا) والمانيا وضع استراتيجية مشتركة لمعالجة هذه القضية. وتعد لاجتماع سيعقد في التاسع من مايو علي مستوي وزراء خارجية هذه البلدان. لكن الغربيين يعتزمون تقديم مشروع قرار الي مجلس الامن الدولي الاسبوع المقبل، يلزم طهران قانونيا بتنفيذ واجباتها. ولن تقترح اي عقوبة في الوقت الحالي، لكن واشنطن وباريس ولندن متفقة علي ضرورة اللجوء الي الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة. وعبرت الصين عن معارضتها لفكرة من هذا النوع موضحة انها "ستعقد" الامور وتشكل "بداية لسلسلة من القرارات". كما عبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن تحفظاته علي اللجوء الي الفصل السابع، خلال لقائه مؤخرا مع نظيره الفرنسي فيليب دوست بلازي. الا ان لافروف عبر عن استعداده "لدراسة نص قرار ودراسته بالتفصيل"، حسبما ذكر دبلوماسي فرنسي. وقال هذا الدبلوماسي ان "الروس يخشون ان يعلقوا في دوامة تؤدي الي اللجوء الي القوة بشكل آلي" ويريد الرئيس الامريكي جورج بوش ان تكون الاسرة الدولية "جبهة موحدة" في مواجهة ايران، موضحا ان "رغبة ايران في امتلاك سلاح ذري امر خطير برأيي والعملية الدبلوماسية ما زالت في بدايتها". وفي منتصف الطريق بين الأمريكيين من جهة والروس والصينيين من جهة اخري، يسعي الاوروبيون الي طمأنة موسكو وبكين باقتراح عملية علي مراحل يتم التحكم بها بشكل كامل. واكدت مصادر في باريس ان الفصل السابع "لا يعني بالضرورة عملا عسكريا"، بينما لا تستبعد الولاياتالمتحدة اللجوء الي القوة. في المقابل، يري دبلوماسيون غربيون ان قرارا لا يشير الي الفصل السابع لن يكون له قيمة اكبر من الاعلان الذي صدر في التاسع والعشرين من مارس وانتهي بفشل. وقال السكرتير السابق لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية جورج "يجب الانتقال الي امر آخر. لقد حان الوقت للاتفاق علي خط مشترك في مجلس الامن الدولي". وعبر برونو تيرتري من مؤسسة الابحاث الاستراتيجية في باريس عن تشكيكه في امكانية تشكيل جبهة مشتركة. وقال ان "استمرار تشدد الاستراتيجية الايرانية علي صعيد البرنامج النووي وفي ما يتعلق بالخطاب السياسي يمكن ان تنتهي لدي الروس بميل كفة الميزان وتقريبهم من المواقف الغربية". لكنه اضاف "لم نبلغ هذه المرحلة بعد". وينص الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة علي "اجراءات قسرية" في حال كان السلام مهددا، تتراوح بين العقوبات الاقتصادية واللجوء الي القوة، وقد تفرض علي ايران المصممة علي مواصلة برنامجها النووي. ويسمح الفصل السابع بممارسة ضغوط علي بلد لاجباره علي الالتزام بالاهداف التي حددها مجلس الامن الدولي، قبل ان يتم تطبيق اجراءات قسرية. كما ينص علي هذه الاجراءات "في حال تهديد للسلام او فسخ لمعاهدة سلام او شن هجوم". وتتراوح الاجراءات بين "العقوبات الاقتصادية والعقويات الاخري التي لا تشمل اللجوء الي القوة المسلحة من جهة، والتدخل العسكري الدولي". وفي باديء الامر، يمكن لمجلس الامن الدولي فرض "عقوبات اقتصادية وتجارية عامة او اجراءات محددة اكثر، مثل الحصار علي الاسلحة ومنع اشخاص من التنقل واجراءات مالية ودبلوماسية". وفي حال رأي المجلس ان هذه الاجراءات لم تكن "مناسبة"، يمكنه اللجوء الي البند 42 من الفصل السابع الذي ينص علي انه "يجوز لمجلس الامن القيام باي تحرك يراه ضروريا للحفاظ علي السلام والامن الدوليين او لاعادة احلالهما، بواسطة قوات جوية او بحرية او برية". واتخذ مجلس الامن العديد القرارات ضد العراق بموجب الفصل السابع قبل اجتياح قوات التحالف هذا البلد في مارس 2003. وتم استخدام الفصل السابع ايضا للجوء الي القوة خلال حرب الكوريتين (1950-1953) وحرب الخليج (1991). وفي ما يتعلق بايران، قال دبلوماسيون أمريكيون وفرنسيون وبريطانيون في الاممالمتحدة انهم قد يتقدموا الاسبوع المقبل بمشروع قرار بموجب الفصل السابع لاجبار طهران علي احترام تعهداتها في مجال عدم الانتشار النووي. وتقول الباحثة الإيرانية المقيمة في باريس، فريبا عادل خان، إن الطموح الذري لإيران ليس حديث العهد، إنما يعود إلي مرحلة الشاه. فمنذ عام 1970، انتشرت سيناريوهات تقول بان البترول سوف ينفد عما قريب، أو ان عمره قصير، وبالتالي فقد فكر الشاه في تأمين مستقبل إيران في ما يخص الطاقة عن طريق الانخراط في البرنامج النووي. ثم جاء بعده نظام الملالي ورجال الدين وسار علي نفس الخط، ولكن لأسباب أخري أو إضافية. فإيران لا تفهم لماذا يسمح الغرب للهند وباكستان بأن تحصلا علي القنبلة الذرية ولا يسمح لها هي!. لكن هل إيران بحجم باكستان والهند؟، الأولي تعد أكثر من مائة وخمسين مليون نسمة، والثانية أكثر من مليار.. يضاف إلي ذلك أن البلدين متعاديان إلي حدّ الرغبة في إفناء الآخر. فهل لإيران عدو يريد أن يفنيها أو يمحقها محقاً عن وجه الأرض لكي تسعي بكل الوسائل للحصول علي القنبلة الذرية من أجل ردعه؟، مَن هو عدو إيران الحقيقي؟ بحسب تصريحات الرئيس محمود أحمدي نجاد، فإنه إسرائيل والغرب، لذلك فإنه يكثر من التصريحات الاستفزازية تجاه اليهود ودولتهم. وقد أصابهم في الصميم عندما شكك بوجود المحرقة تاريخياً، وعندما تنبأ بزوال دولة إسرائيل، لذلك فإن الصحافة الغربية، أصبحت تنعته بهتلر تماماً كما كانت تفعل مع عبد الناصر في الخمسينيات أثناء أزمة السويس، وقد خصصت له مجلة الإكسبريس الفرنسية الأسبوعية غلافها الأخير، وكتبت العبارة التالية بالحرف العريض: "الرجل الذي يزعزع العالم أو الذي يجعل العالم يرتجف".. فهل ستندلع الحرب العالمية الثالثة علي يديه؟ أم أن في الأمر مبالغات وتهويلات؟. ويري المحللون انه ينبغي العلم بأن التشكيك بالمحرقة يعني ضرب الغرب في صميمه: أي في قدس أقداسه، وهذا ما لا يسمح به اطلاقا، ومعروفة قصة جارودي وكل "التحريفيين" الآخرين الذي أُخمدت أصواتهم. لم يعد المقدس في الغرب دينياً أو مسيحياً بقدر ما أصبح حادثة المحرقة بالذات. وهناك إجماع جبار في كل أنحاء الغرب من أمريكا الشمالية إلي أوروبا الغربية، حول هذه النقطة، وبالتالي فلا يستطيع أحد أن يمسّها. تحولت قصة المحرقة اليهودية إلي "تابو" ضخم يحتل مرتبة الأولوية علي الأرجح، وكل قادة الغرب يستغلون هذه المجزرة النازية الرهيبة لتبرير دعمهم المتواصل لدولة إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب. وهكذا يخلطون بين شيئين لا علاقة بينهما: أو قل إنهم يجعلون شعب فلسطين يدفع ثمن شيء لا علاقة لهم به من قريب أو بعيد. هنا يكمن خبث الغرب أو انتهازيته السياسية اللاأخلاقية. لكن بما أن الفاس نزلت بالراس، كما يقولون، أو بما أن الدولة العبرية أصبحت حقيقة واقعة علي الأرض، فإننا أصبحنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاعتراف بدولة الأمر الواقع، واختصار آلام الفلسطيني وطي صفحة الصراع بعد ان دمر البشر والحجر. واما ان نركب رأسنا ونستسلم لاغراء العنتريات الفارغة التي كلفتنا ثمنا غاليا فيما مضي، والتي يحاول احمد نجادي اعادتها الينا من جديد. ولكن لمصلحة من هذه المرة؟ هل في ذلك مصلحة للعرب او للفلسطينيين؟ فغالبية العرب باتوا يميلون الي الحل العقلاني بعد كل ما حصل من صراع طيلة الستين عاما الماضية. وهذا هو مضمون المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت عام 2002. وهو موقف العقلانية السياسية المسئولة. ولكن البعض الآخر من العرب لا يزال يحنّ الي العهد القديم للشعارات الثورية ان لم نقل الديماجوجية او الغوغائية. ولهذا السبب فان كلمات محمود احمدي نجاد تجد لديهم صدي واسعا وتضرب علي وتر الغرائز العميقة او التحتية للجماهير. فالرجل يعرف ما يفعل. فهو يدرك ان المواجهة قادمة مع الغرب، وبالتالي فان افضل طريقة لتجييش الجماهير العربية او الاسلامية هي استخدام ورقة فلسطين الجريحة. وهكذا يجمع حول ايران معظم الرأي العام الاسلامي ويجعل مهمة اميركا صعبة جدا وربما شبه مستحيلة. وبخاصة ان قضية فلسطين العادلة تحولت في الوعي العام العربي الاسلامي الي مقدس لا يقل هيبة ومكانة عن المقدس الذي تشكله المحرقة اليهودية في اعماق الوعي اليهودي والاوروبي الامريكي. هكذا يقف مقدسان امام بعضهما البعض في اكبر واعمق مواجهة تاريخية تشهدها العصور الحديثة. لهذا السبب يري هذا الفريق من المحللين أننا نشهد صراع مقدسات وليس فقط صراع حضارات. ويري فريق آخر من الخبراء والمحللين ان هاجس القيادة الايرانية الدينية الحالية هو اعادة امجاد الامبراطورية الفارسية عن طريق بناء ايران كقوة عسكرية دينية شيعية ضاربة في المنطقة، وهي الان، وحتي من دون القنبلة النووية الشيعية القادمة، اقوي قوة دينية عسكرية في المنطقة، بعد اسرائيل التي لا تعتبر قوة عسكرية دينية، حيث لا اطماع دينية لها في المنطقة، بقدر ما لها من اطماع سياسية واقتصادية. فالدين اليهودي مكتفٍ بذاته، ولا يريد مزيدا من الاتباع. ولم يسبق لبن جوريون او اسحق رابين او شارون ان اعلنوا انهم "آيات الله اليهودية العظمي"، وانهم وراثو مُلك سليمان وداوود. ولذلك فإن الشيعة في ايران يسعون عن طريق التفوق العسكري والعلمي الي فرض الايديولوجية السياسية الشيعية علي منطقة الشرق الاوسط، وتحقيق حلم الخميني السابق بتصدير الثورة الاسلامية الشيعية الايرانية. ففي الوقت الذي كفت فيه اسرائيل عن المناداة بتحقيق حلم دولة اسرائيل من الفرات الي النيل، باعلان نائب رئيس وزراء اسرائيل وخليفة شارون ايهود اولمرت نية اسرائيل بترسيم حدود دولة اسرائيل النهائية في عام 2010 تتطلع ايران الي اعادة امجاد الامبراطورية الفارسية، والهيمنة علي العالم العربي الذي يبدو الان لقمة سائغة في الفك الفارسي المفترس، لكي تحقق احلام الامبراطورية الفارسية الجديدة بقيادة الامبراطور الفارسي الجديد احمدي نجاد الذي يسعي لان يكون الان نادر شاه الفارسي (1736-1747) الجديد، الذي سيعيد لايران عظمة الامبراطورية الفارسية، كما فعل جده الاعظم نادر شاه، وذلك بعد قرن مضي من الزمان، منذ انتهاء الحكم العثماني للعالم العربي عام 1918 وتعيد ايران اقامة الخلافة الاسلامية، التي تنادي بها جماعة الاخوان المسلمين والتي تأسست اصلا عام 1928 علي اثر سقوط الخلافة الاسلامية في تركيا عام 1924 وينادي بها تنظيم "القاعدة" كذلك. ولا مانع لهذين الفريقين من ان تكون الخلافة المزمع اقامتها، خلافة اسلامية شيعية بدل الخلافة الاسلامية السُنية التي كانت قائمة في العهد العثماني السُني الحنفي. والمهم ان تكون هناك خلافة.