في واحدة من خطواته التي يفاجئ بها العالم بين الحين والآخر. أقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي وزير الخارجية منوشهر متقي وعين علي أكبر صالحي رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية خلفاً له بالإنابة. ورغم أن قرار الرئيس الإيراني المفاجئ لم يوضح أسباب إقدامه علي إقالة متقي. لكن يبدو أن هذه الخطوة المباغتة تتعلق بأمرين في منتهي الحساسية وهما الدفاع عن البرنامج النووي لطهران أمام المجتمع الدولي والصراع علي السلطة داخل المؤسسة المحافظة الحاكمة هناك. لقد ظلت وسائل الإعلام الإيرانية خلال العام الماضي تنقل أنباء عن أن بعض النواب الإيرانيين يدفعون باتجاه إقالة متقي في حال فرض المزيد من العقوبات الدولية علي إيران. وقالت بعض الأنباء أن بعض النواب يرون أن متقي ليس قوياً أو مقنعاً بما فيه الكفاية لدعم الموقف الإيراني في الساحة الدولية. وتحدثت تقارير علي مدار الأشهر القليلة الماضية عن وجود خلاف بين نجاد ومتقي. لا سيما بعد اتضاح أثر حزمة العقوبات الدولية الرابعة التي فرضت علي إيران بسبب إصرارها علي المضي قدماً في تخصيب اليورانيوم. ورغم تشديد القادة الإيرانيين مؤخراً علي الخط المتواصل الداعي إلي حق بلادهم بتطوير البرنامج النووي السلمي. كان من اللافت تصريح متقي خلال تواجده في العاصمة اليونانية أثينا مؤخراً عندما قال إن ثمة مواقف مشتركة محددة حيث يمكن التعاون بشأنها مع المجتمع الدولي. كما كان لافتاً أيضاً موقف متقي حيال ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بشأن البرنامج النووي الإيراني مؤخراً عندما اعتبرت أن من حق طهران تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية. فقد وصف تلك التصريحات بأنها خطوة إلي الأمام. لكن يبدو أن إقالة متقي من منصبه تتعلق أيضاً بصراع علي السلطة داخل المؤسسة المحافظة الحاكمة حيث كان ينظر إلي متقي بشكل واسع بوصفه حليفاً للمعارضين المحافظين لنجاد في البرلمان. ويري الكثير من المراقبين أن تعيين صالحي في منصب وزير الخارجية بالإنابة يعكس الأولوية الكبيرة التي توليها إيران لملف المفاوضات النووية في سياستها الخارجية خلال هذه المرحلة. فصالحي هو رئيس البرنامج النووي الإيراني. وكبير المفاوضين الإيرانيين مع القوي الغربية حول هذا البرنامج. ولعب صالحي- الحائز علي شهادة الدكتوراة من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن الماضي- دورا مهماً في برنامج طهران النووي الذي كان أحد أسباب التوتر الرئيسية بين بلاده والغرب بشكل عام. وواشنطن علي وجه الخصوص. خلال السنوات الماضية. أصبح صالحي في عام 1997 الوجه الدولي لبرنامج إيران النووي عندما تم تعيينه سفيراً لبلاده لدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. وكان عليه أن يدافع من خلال منصبه ذاك عن وجهة نظر إيران. وعندما أخفق في الحصول علي منصب وزير الخارجية الذي كان يود نجاد إسناده إليه منذ عام 2005. أمضي صالحي سنوات في موقع بعيد نسبياً عن الأضواء السياسية حيث شغل منصب نائب المدير لمنظمة المؤتمر الإسلامي. لكن نجمه سطع من جديد علي الساحة الدولية عندما تم تعيينه العام الماضي رئيساً لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية ليلعب دوراً محورياً في المفاوضات الدائرة بين بلاده والمجتمع الدولي بشأن ملف بلاده النووي. أمضي صالحي فترة من شبابه المبكر في مدينة كربلاء العراقية التي ولد فيها. حيث أتقن العربية ووثق علاقاته مع العديد من الأشخاص والجهات. وبنجاحه في استئناف المحادثات بين بلاده والدول الكبري في جنيف في وقت سابق من الشهر الجاري بشأن ملف إيران النووي. حقق صالحي نجاحاً لافتاً جداً علي مسرح الدبلوماسية العالمي. إذ خرج قبل يوم واحد من بدء تلك المحادثات ليعلن أن إيران نجحت وللمرة الأولي في تصنيع اليورانيوم المكثف أو "الكعكة الصفراء" التي تعتبر مكوناً أساسياً في تخصيب اليورانيوم. وقد اعتبر هذا التصريح مؤشراً قوياً علي أن إيران ستمضي قدماً في تطوير برنامجها النووي. ولن تتراجع عنه رغم استئناف المفاوضات. والسؤال إذن: هل يستطيع صالحي إصلاح ما أفسده متقي ويستطيع إقناع الغرب بحق بلاده في تطوير برنامجها النووي السلمي وتفادي مزيد من العقوبات أو ضربة عسكرية إسرائيلية محتملة لمنشآتها النووية؟!