الائتلاف الشيعي في العراق يواجه مأزقا جديا عنوانه ابرهيم الجعفري لكن آثاره المحتملة اعمق من ذلك بكثير. فمنذ قرر الائتلاف ترشيح رئيس الوزراء الحالي لتأليف الحكومة المقبلة والمشكلة تكبر مع الكتل السنية والكردية ومع أمريكا. المأخذ الرئيسي لا يكمن في ان الجعفري يعتبر مرشح ايران بامتياز فحسب، بل في الممارسات التي ارتبطت بحكومته الحالية من فورة في النفوذ الايراني داخل العراق وبعض وزاراته ولا سيما منها الداخلية والدفاع والسماح بميليشيات طائفية داخل هاتين الوزارتين واتهامات بعرقلة العملية السياسية وباتباع سياسة عزل الاخر مما يحول دون التقارب بين الكتل الثلاث الكبري في البلاد. والتقت الاعتراضات الداخلية مع اعتراض أمريكا التي تخوض معركة من شد الحبال مع ايران حول العراق للحد من نفوذها من جهة والسير بها الي حيث تتعاون معها لتخفف عنها مشكلتها فيه. ولا شك في ان الضغوط الأمريكية علي الائتلاف لاختيار مرشح غير الجعفري كبيرة وقد توجتها الوزيرة كوندوليزا رايس بزيارة لبغداد مع نظيرها البريطاني جاك سترو لاعلان ما يشبه نفاد صبرها من عدم قدرته علي تأليف حكومة بعد اكثر من ثلاثة اشهر من الانتخابات. بل لتبدو كأنها كرست شق صف الائتلاف. لكن أمريكا زرعت في ارض خصبة. الجعفري اساسا لم يكن مرشح توافق داخل الائتلاف. بل ان الخلافات علي التسمية دفعت الائتلاف الي اجراء تصويت، فاز فيه الجعفري رئيس حزب الدعوة والمدعوم من السيد مقتدي الصدر بفارق صوت واحد علي عادل عبد المهدي مرشح المجلس الاعلي للثورة الاسلامية في العراق الذي يتزعمه السيد عبد العزيز الحكيم. وواضح ان الخلافات التي اعاقت تأليف الحكومة والتي تتركز علي الصلاحيات والحصص الوزارية استعرت داخل الائتلاف نفسه فتفجرت في اتجاهين: الحكيم اعلن قبل ايام ان اميركا تضغط لتغيير الجعفري ورجل الدين الشيعي جلال الدين الصغير، من منظمة بدر التابعة لحزب الحكيم، دعا الجعفري علنا الي التنحي. وهذا يضع الائتلاف امام ثلاثة احتمالات: ان يتمسك بالجعفري ويجازف بمزيد من التخلخل داخله بل بتعقيد الوضع العراقي كله، او ان يعجز عن تسمية مرشح آخر، او ان يتمكن من الحفاظ علي وحدته ويتوافق علي مرشح يكون ايضا نتيجة تسوية أمريكية ايرانية. وفي اي حال يصعب ان يجتاز الائتلاف هذه المرحلة بلا أضرار. فحتي السيناريو الافضل له، اي تنحي الجعفري، ولو بتفاهم ايراني أمريكي، لا يضمن عدم حصول شرخ ما في الواقع السياسي للائتلاف وفي الواقع الشيعي الذي اوجده هذا الائتلاف. اما السيناريوهات الاسوأ له فهي في خلافات تهدد بانفراطه فيخسر امتياز كونه الكتلة الكبري في البرلمان وتذهب تسمية رئيس الوزراء الي الكتلة التي تلي. كل الخيارات امام الائتلاف عتبات جديدة له ستنعكس علي وضعه وسياساته. إعادة النظر باتت مطلوبة منه. ولكن ايا يكن ما يختاره الائتلاف فإنه سيشكل عتبة جديدة للعراق قد تساهم في تحريك العملية السياسية او تدفع به الي هوة جديدة من العنف.