ولاية تكساس الأمريكية تدرج الإخوان ومنظمة "كير" على قائمة الإرهاب    أكثر من 20 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    أحدثهم بنما وهايتي وكوراساو، المنتخبات المتأهلة لبطولة كأس العالم 2026    طقس اليوم: مائل للحرارة نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 28    خيرية أحمد، فاكهة السينما التي دخلت الفن لظروف أسرية وهذه قصة الرجل الوحيد في حياتها    الرئيس السيسي: البلد لو اتهدت مش هتقوم... ومحتاجين 50 تريليون جنيه لحل أزماتها    أسعار طن الحديد في أسوان مستقرة نسبيًا اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    نمو الطلب على السلع المصنعة في أمريكا خلال أغسطس    "الوطنية للانتخابات": إلغاء نتائج 19 دائرة سببه مخالفات جوهرية أثرت على إرادة الناخب    فرحات: رسائل السيسي ترسم ملامح برلمان مسؤول يدعم الدولة    شمال سيناء تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس النواب 2025    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    إحالة مخالفات جمعية منتجي الأرز والقمح للنيابة العامة.. وزير الزراعة يكشف حجم التجاوزات وخطة الإصلاح    معرض «الأبد هو الآن» يضيء أهرامات الجيزة بليلة عالمية تجمع رموز الفن والثقافة    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    عاجل مستشار التحول الرقمي: ليس كل التطبيقات آمنة وأحذر من استخدام تطبيقات الزواج الإلكترونية الأجنبية    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    الأحزاب تتوحد خلف شعار النزاهة والشفافية.. بيان رئاسي يهز المشهد الانتخابي    جميع المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026    شجار جماعي.. حادثة عنف بين جنود الجيش الإسرائيلي ووقوع إصابات    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    وزير المالية: مبادرة جديدة لدعم ريادة الأعمال وتوسيع نظام الضريبة المبسطة وحوافز لأول 100 ألف مسجل    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة
نشر في نهضة مصر يوم 02 - 04 - 2006

تحرص الولايات المتحدة من وقت لآخر علي تجديد استراتيجيتها للأمن القومي وتحديث المفاهيم التي تقوم عليها استجابة لأية متغيرات دولية أو داخلية طارئة الأمر الذي يتطلب إعادة التفكير في هيكل الاستراتيجية الموجودة وتعديل مضمونها. وكانت آخر وثيقة لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي قد صدرت في سبتمبر 2002 بعد مرور سنة علي أحداث 11 سبتمبر 2001
________________________________________
وتضمنت بفعل تأثير الحدث علي الأساس الفكري لغزو العراق في مارس 2003 بعد أن كانت الولايات المتحدة قد انتهت من غزوها لأفغانستان واحتلاله. والآن وبعد ثلاث سنوات من غزو العراق، ومع تراكم الأحداث والتجارب والتحولات، قررت الإدارة الأمريكية الخروج بوثيقة جديدة للأمن القومي تأخذ في الاعتبار المتغيرات التي طرأت منذ سبتمبر 2002، وترسم للدبلوماسية الأمريكية بشقيها السياسي والعسكري إطارا جديدا للتفكير والعمل.
وقبل أن نتحدث عن العناصر الجديدة في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي كما برزت في وثيقة مارس 2006، يجب الإشارة إلي أن مهمة استراتيجية الأمن القومي لأية دولة هي التعبير في فترة زمنية معينة عن رؤية هذه الدولة لطبيعة التهديدات الخارجية والداخلية الموجهة إليها، والطريقة المثلي للتعامل مع هذه التهديدات سياسيا وعسكريا. لذلك يترتب علي صدور وثيقة للأمن القومي بمعناه الشامل صدور وثائق أخري لاستراتيجيات فرعية عسكرية وسياسية واقتصادية تنطلق في أفكارها من عناصر الوثيقة الأساسية. وقد حدث ذلك بالفعل في مارس 2006 بصدور وثيقة جديدة للاستراتيجية العسكرية الأمريكية في مواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهو التهديد الذي أعطته الوثيقة الأم أهمية خاصة.
ولو نظرنا إلي الخلف خلال الخمس عشرة سنة الماضية، وقرأنا استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي المتتالية التي صدرت خلال تلك الفترة القصيرة نسبيا، لوجدنا تغيرات مثيرة جرت منذ بداية أفكار إدارة كلينتون المتفائلة في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، ونظريته في خفض الإنفاق العسكري، وحل النزاعات عن طريق الدبلوماسية النشطة، مرورا بتغير هذه النظرة الوردية للعالم نتيجة التصاعد التدريجي لعمليات الإرهاب، ثم إجراء الهند وباكستان لعدد من التجارب النووية، وما تلاها من اشتعال حرب كوسوفو، وانهيار عملية السلام في الشرق الأوسط قبل مغادرة كلينتون للبيت الأبيض بأسابيع قليلة. لقد تسلم بوش الابن المسئولية والعالم يتململ تحت ضربات الإرهاب التي وصلت إلي قمتها في أحداث 11 سبتمبر وصارت مصدر الإلهام الرئيسي لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي صدرت في سبتمبر 2002، وفي إطار هذه الاستراتيجية، طرح المحافظون الجدد أفكارهم التي تميل بشدة إلي استخدام القوة في التعامل مع التهديدات بطريقة وقائية/استباقية/إجهاضية تعطي الأولوية للعمل المنفرد أو مع من "يرغب" في مشاركة الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب وضد الدول المارقة طبقا لتعبير هذه الاستراتيجية.
ولاشك أن تجربة حرب العراق، وما نتج عنها من تكلفة مادية وبشرية فادحة بالنسبة للولايات المتحدة، كانت وراء التفكير في صياغة استراتيجية جديدة للأمن القومي الأمريكي تأخذ في الاعتبار دروس التجربة العراقية والتغيرات التي حدثت في العالم خلال السنوات الثلاث الماضية وهي كثيرة ومهمة بدرجة لا يمكن تجاهلها. خلال ثلاث سنوات فقط أصبح للولايات المتحدة ما يقرب من ربع مليون جندي في منطقة الخليج وما حولها، وصار لحلف الناتو وجود فعال في المتوسط وأفغانستان والعراق والسودان، وخرجت اليابان من قمقمها وشاركت أمريكا بإرسال قوات إلي العراق، وصار لها وجود بحري ملموس ودائم في بحر العرب والمحيط الهندي. وقد برزت الصين والهند كقوتين واعدتين اقتصاديا وسياسيا قاما بمد نفوذهما إلي منطقة الشرق الأوسط والخليج وإفريقيا. وفوق كل ذلك بقي الإرهاب الدولي ضاغطا علي المناخ العالمي، ووصلت بعض الحركات الإسلامية المتطرفة إلي الحكم، واقتربت دول جديدة من امتلاك التكنولوجيا النووية والقدرة علي تحويلها إلي سلاح نووي كما هو حادث حاليا مع إيران وكوريا الشمالية.
هذه هي الخلفية التي بُنيت علي أساسها استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في صورتها كما صدرت في مارس 2006 خلفية نلحظ فيها المستمر من الماضي القريب والبعيد بجانب المستجد الذي فرض تحولات جوهرية في رؤية التهديد والوسائل والأدوات المتعاملة معه. حتي الأشياء المستمرة _أو القديمة- تأثرت بالنظرة الجديدة إلي الأمور. لقد كان أهم ما برز في الوثيقة القديمة مبدأ الحرب الوقائية/الاستباقية/الإجهاضية والتي فجرت جدلا واسعا حول قانونية مثل هذا النوع من الحروب وجدواها وآثارها الجانبية. لقد كانت حرب العراق تطبيقا عمليا لذلك المبدأ حيث كانت الخطوة الأولي التي سبقتها: الإفصاح عن إدراك عميق عند الولايات المتحدة وبريطانيا بامتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل. ثم تلتها الخطوة الثانية: البحث عن أية أدلة لإعطاء مصداقية للتهديد المتخيل. ثم الخطوة الثالثة: القيام بعملية غزو عسكرية ضد العراق برغم أنف مجلس الأمن وبالتحالف مع من يرغب من الدول في الوقوف ضد هذا الخطر المفترض من وجهة نظر الولايات المتحدة.
هذا المبدأ _ مبدأ الحرب الوقائية _ لم يتغير في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة (مارس 2006)، ولكن أصبح تطبيق المبدأ مختلفا عن طريقة تطبيقه في السابق. أولا: تم التأكيد علي أن هذا المبدأ لم يكن جديدا وكان متضمنا بشكل أو بآخر في كل استراتيجيات الأمن القومي السابقة. فمن غير المعقول في أية استراتيجية مهما كانت توجهاتها الفكرية أن تتجاهل فكرة "الوقاية"، وأن تترك الخطر يتضخم أمامها حتي يقع الضرر، وأحيانا يكون الضرر المتوقع فادحا. التعديل في الاستراتيجية الجديدة ينصب علي تعريف الحد الذي يبدأ من عنده التحرك عسكريا، ومدي مصداقية عملية التيقن من أن الخطر موجود بالفعل وليس شيئا مفترضا أو "مفبركا". ثم الدعوة هذه المرة -علي عكس الاستراتيجية القديمة- إلي إعطاء الفرصة للسياسة والنصح والحوار قبل الانتقال إلي السلاح.
الاختلاف الثاني بين الوثيقة الجديدة والقديمة: هو انخفاض مستوي الغطرسة والنزعة الفردية في التعامل مع الدول والمؤسسات الدولية الأخري. فلم يعد أحد الآن في الإدارة الأمريكية الحالية يردد مبدأ "من ليس معنا فهو ضدنا"، بل تتحدث الاستراتيجية الجديدة عن العمل مع "الأصدقاء" و "الحلفاء" والعالم ومجلس الأمن والأمم المتحدة. ويعتبر ذلك تغيرا مهما مقارنة بما كان موجودا في استراتيجية الأمن القومي السابقة. الاستراتيجية الجديدة تؤكد أيضا علي أولوية مكافحة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل وحل المنازعات لكن من خلال آليات جماعية دولية وإقليمية وهذا أيضا تطور مهم في الفكر الأمريكي. الشئ الذي أكدت عليه الوثيقة الجديدة هو مركزية التحول الديمقراطي في الدول غير الديمقراطية من منطلق أن مثل هذا التحول يدعم السلام ويدفع بالتطور والتنمية إلي آفاق جديدة. هذه النقطة بالذات كانت محل اختبار عملي مهم خلال السنوات الثلاث الماضية في عدد من دول المنطقة مثل العراق وأفغانستان وفلسطين ومصر.
لقد كان لتعثر مسيرة الحرب في العراق، واكتشاف الولايات المتحدة أنها في حاجة ماسة إلي مساندة القوي الأخري في العالم والقوي الإقليمية في الشرق الأوسط علي وجه الخصوص ، الأمر الذي دفعها إلي إحداث تغييرات في استراتيجيتها للأمن القومي من خلال تبني حرب وقائية "عاقلة" بدلا من حرب وقائية عمياء، وتفضيل التعاون الدولي والإقليمي علي العمل المنفرد، واستخدام الدبلوماسية كوسيلة لها الأولوية قبل اللجوء إلي السلاح. لكن المعضلة الحقيقية التي سوف تواجه الولايات المتحدة هي إعادة تأكيدها علي محورية قضايا التحول الديمقراطي في دول العالم النامي كهدف من أهداف استراتيجية الأمن القومي الأمريكي. لقد أدت تجربة التحول الديمقراطي خلال السنوات القليلة الماضية في عدد من البلاد إلي تقدم التيار الديني واقترابه من مقاعد السلطة بكل ما يعنيه ذلك من تبعات ثقافية وسياسية. فهل يتراجع هذا المبدأ مع الوقت، وتكتفي أمريكا بما كان سائدا من قبل _ أي نصف ديمقراطية ونصف ديكتاتورية- حسب الحالة. هذا ما سوف يسفر عنه التطبيق العملي للاستراتيجية المعدلة، وربما تحتاج أمريكا في ضوء التطبيق إلي تعديلها مرة أخري بعد ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.