فى نهاية هذه السلسلة حول معالم الصراع الدولى والاستراتيجية الأمريكيةالجديدة فى ظل أوباما.. يبرز السؤال: وماذا على الدبلوماسية المصرية أن تعمله لكى تكون قادرة على التعامل الفعال مع هذه المتغيرات؟!.. دعنا نقل بوضوح التالى: أولاً:- إن جهاز الدبلوماسية المصرية لابد تحديثه بشكل فائق، الأمر الذى يتطلب العمل على تحقيق أربعة توجهات تحديثية كبرى: 1 - تحديث مفهومى، بمعنى فهم أن للمصالح القومية اعتبارها فى الواقع والحقيقة تعبيراً عن أنماط من المتغيرات، حيث يتم تعريف نمط المتغير ليشير بوضوح إلى معلومات تم جمعها فى حزم من العلاقات والتفاعلات بين الدول وعبر الدول وبين الداخل والخارج على جميع المستويات. بعبارة أخرى، إن الدبلوماسية المصرية لا تعمل إلا بشكل جزئى فى سياق حزم معلوماتية، والأرجح ألا تقودها تصورات بديلة. 2- تحديث وظيفى، بمعنى إعادة صياغة مجالات عمل الدبلوماسية المصرية وإخراجها من نطاق التصورات الناصرية الإقليمية التى بنيت على تقاليد الحرب الباردة، والتى لاتزال تعمل وتفهم فى إطارها، إلى نطاق التصورات العولمية التى تستدعى الفهم الشبكى المعقد لجزئيات القضايا المختلفة. 3- التحديث المعرفى: بمعنى تحويل الدبلوماسى إلى مصدر المعرفة العالية فى المجتمع والدولة، من حيث ليس فقط الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، ولكن والأهم من حيث القيم والمفاهيم الرياضية والفيزيقية والهندسية الجديدة والمتجددة.. لايزال الدبلوماسى المصرى بشكل غالب أسير الفهم الوظيفى للدبلوماسية، فلايزال يتعلم منهجيات وظيفية تقليدية، التى أثبتت الأزمات أنها غير ذات فاعلية، فلابد من فتح الجهاز الدبلوماسى للخبرات الاستراتيجية والفنية المختلفة للعمل كسفراء، فلا يمكن السكوت بعد اليوم على ضعف بعض السفراء والقناصل فى الأماكن الحساسة لمصر، بسبب أن لهم علاقات واتصالات فى إطار النخبة الحاكمة. 4- التحديث البنائى، بمعنى أن الجهاز الدبلوماسى لايزال يعتمد على ذاته، بمعنى أن الاتصال الفعال مع الأجهزة الأخرى ضعيف فى سياق تفاعل المجتمع والدولة، فلايزال الجهاز سلطوياً، بمعنى أن الاختيار يتم فى سياق الشِلل والقيم الشعبوية والمزاجية المسيطرة، وليس فى سياق المصالح كحزم معلومات، فالتحديث البنائى يتطلب إعادة هيكلة الجهاز ليسمح بفاعلية أكبر بالانتشار العولمى من حيث حجم الأفراد وأساليب ومنهجيات عمليات تحديد نقاط القطْع والاتصال الدبلوماسى، الأمر الذى يتطلب إعادة تكوين وتوصيف البعثة البلوماسية وعلاقاتها بالقاهرة. ثانياً:- إن المعضلة الكبرى للدبلوماسية المصرية تتمثل فى عدم وضوح دورها فى نمو التفاعل الديمقراطى والإعلامى فى مصر وفى الخارج، وهذا يتطلب تحديثا من ثلاثة اتجاهات مفهومية: 1- تحديث مفهومى أول، بمعنى فهم أن البلوماسية ليست فقط إدارة لحزم معلومات فقط، ولكن أيضاً إدارة حزم رأى عام، فلاتزال الفضائيات وغيرها من مصادر الأخبار قادرة على إرهاب الدبلوماسية المصرية، كما لايزال بعض صناع السياسة العامة للدولة قادرين على إرهاب الفهم الدبلوماسى الصحيح، 2- تحديث مفهومى ثان، بمعنى أن الدبلوماسية ليست مسألة مرتبطة بالأمن القومى فحسب، حيث لايزال هناك الكثير من الدبلوماسيين يتفاخرون بذلك، ولكنها أيضاً مسألة مرتبطة بانتصار الديمقراطية والعقلانية والحداثة فى المجتمع، فالعالم الآن صار شبكة واحدة متعددة الأدوار ومتعددة الأوزان والمساحات، فالتفاعل المجتمعى صار جزءا من العمل والفهم الدبلوماسى. 3- تحديث مفهومى ثالث مرتبط بعملية إدارة موارد وعوائد الدولة، فالدولة صار لها مفهوم واسع مرتبط بالقدرة على إدارة الموارد المجتمعية، وبالتالى صارت الدبلوماسية عملية اتصالية بين أفراد المجتمع فى الخارج ومدى ارتباطهم بأهداف المجتمع والدولة الخدمية والاستثمارية بالداخل. فى نهاية هذه السلسلة نقول إن الأمن القومى المصرى الشامل يستدعى ويتطلب إعادة صياغة الفهم المنهجى للدبلوماسية المصرية لنعاود الانتصارات الدولية بعد أن سئمنا مرارة الفشل المتكرر باسم الواقعية والحذر.