حددنا فى المقالات السابقة سمات نمط الصراع الدولى الجديد فى نهاية 2008، والتى أطلقنا عليها نموذج عدم الانسجام بين مؤشرات الصراع الدولى، وهى، أولاً: عدم الاتساق بين اتجاهات الصراع الدولى، ثانيا: عدم التكامل فى اتجاهات الصراع الدولى، ثالثا: عدم التتابع فى اتجاهات الصراع الدولى. كما عرفنا سمات القطبية الجديدة فى ظل الرئيس الأمريكى أوباما، والتى أطلقنا عليها مفهوم عصر الفوضى القطبية، وهى، أولا: عدم الاستواء بين عناصر قوة القطب الدولى، ثانيا: عدم القدرة على الحسم العسكرى على جميع مستويات العنف، ثالثا: عدم السيطرة على تطور الصراع الدولى. والآن نتحول إلى سمات الصراع الإقليمى آخذا فى الاعتبار إلى أى مدى يتطور هذا الصراع الإقليمى ليعكس حالتى نموذج عدم الانسجام فى الصراع الدولى وعصر فوضى القطبية؟ فى اعتقادى أن النظام الإقليمى الشرق أوسطى يطرح حالة منخفضة من عدم الانسجام، بالإضافة لحالة غير مرتفعة من التأثر بعصر الفوضى الدولية. الأمر الذى يعنى عدة اتجاهات محتملة للصراع الإقليمى. منها أن النظام الإقليمى طور قدرته على عدم السماح باختراق الخارج للداخل الإقليمى، ومنها أن النظام الإقليمى وجد مناخا دوليا يسمح له بالاستقلال النسبى عن تأثير طغيان المتغيرات الخارجية، وبالتالى جاءت مؤشرات الصراع الدولى لتعبر عن طغيان قطبى نسبى واختراق مختار وربما محدود بشأن بعض القضايا. فالسلوك التركى والإسرائيلى والإيرانى كنمط عام يسير ويقود السياق الإقليمى، بينما سلوك وسياسات الدول العربية، خاصة الكبيرة منها، يلاحق النمط الإقليمى العام، ولكن بسرعات ونسب تلاحق أقل، وهذا للأسباب التالية: أولا: ارتفاع دول فى الشرق الأوسط إلى مستوى دول العشرين العالمية، وهى الدول ذات الاقتصاديات الواسعة مثل العربية السعودية وتركيا، هذا الارتفاع سمح لدول متحالفة مع السعودية وتركيا بأن يتم اعتبارها ضمن المنظومة مثل دول الخليج وإسرائيل ومصر والمغرب، الأمر الذى ما أخضع هذه الدول، السعودية وتركيا وغيرها إلى مقتضيات التنسيق الدولى، من ناحية، إلا أنه أعطاها لأول مرة قدرة على المفاوضة والمطالبة بشروط خاصة فى التعامل، من ناحية أخرى، ثانيا: انتقال استراتيجية أمريكا من مكافحة الإرهاب إلى مكافحة انقطاع تواصل الدولى والعولمى سمح لدول الشرق الأوسط بأخذ رؤيتها فى الاعتبار عن تصميم عمليات التواصل، الأمر الذى أعطى هذه الدول قدرة أكبر على المناورة الدولية ومقاومة التغيير عندما لا يكون مرغوبا من النخب المسيطرة فى هذه البلدان، ثالثا: إن أزمة دبى الأخيرة والتى تمثلت فى مطالبة دبى دائنى شركتى نخيل ودبى العالمية، المملوكتين للحكومة وتعليق سداد الديون المستحقة لهما إلى مايو القادم 2010، ستعمل على هيكلة النفوذ السعودى لصالح تعظيم سيطرته على قرارات مجلس التعاون الخليجى، مما سوف يصب بدوره فى تعميق الفصل بين ما هو سياسى واجتماعى، من جانب، وما هو اقتصادى، من جانب آخر، والإعلاء من شأن التنسيق العالمى فى القضايا المالية والاقتصادية، مع تخفيض التنسيق العالمى فى القضايا السياسية والاجتماعية إلا بشكل مختار يتفق والحسابات الاستراتيجية الضيقة لكل دولة فى المنطقة، فهذا السياق يمكن فهم مشكلة استمرار الصراع العسكرى الحوثى السعودى فى نفس الوقت الذى تلعب فيه السعودية دوراً أكبر على المستوى العالمى اقتصاديًا ومالياً، رابعا: هذا الانكسار فى اتساق العولمة باعتبارها ظاهرة كلية تمتد من ما هو عالمى إلى ما هو محلى يصب فى النهاية ناحية تعظيم عوامل مقاومة التغيير السريع أو العوامل الداعية للإجبار الدولى، خامسا: لذلك صرنا نرى دولاً، تتشابه سياساتها الداخلية بخصوص القضايا السياسية والاجتماعية، تتصارع حول قضايا الاستثمار الإقليمى، سادسا: أيضا صرنا نرى سياسات الدول الكبرى، والتى تمارس دور القطب فىالعالم، تخفض من اهتماماتها الاستراتيجية بالقضايا التقليدية بالصراع الإقليمى وتعظم من القضايا الإقليمية للنفوذ الاقتصادى الاستراتيجى. فى ضوء كل ذلك ماذا عن الدبلوماسية المصرية؟