والمرحلة الثالثة فى «المصيدة المتعددة المراحل»، وهى بعد العملية الإجرائية الانتخابية، والتى تمثل مرحلة ما بعد إعلان نتائج الانتخابات الرسمية، تدور بين الثلاث مجموعات من المتغيرات حول مدى التوافق بين الأطراف المتنافسة بشأن صحة الإجرائية مع الاعتراف السياسى العلنى بالنتائج النهائية للانتخابات، وبالتالى مشروعيتها العامة فى تصميم السياسات العامة داخليًا والتعبير عن المواقف والعمليات الدولية خارجيًا، وتتضمن هذة القدرة، أولا، فى حالة عدم رضا المتنافسين عن صحة النتيجة النهائية فينظر فى مدى حجم عدم الرضا، فإذا كان من جانب قوى ضعيفة اجتماعيًا واقتصاديًا فسوف تستقر النتيجة وينظر إليها باعتبارها نهائية من جانب القوى المهيمنة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، أما إذا ظهر أن حجم الرضا يمثل حجمًا حرجًا من مجموع القوى الانتخابية والتصويتية فهذا من شأنه إيقاف توليد المشروعية العامة للنتائج النهائية للانتخابات وتظل نتائج العملية الانتخابية غير محسومة فى الشعور الوطنى العام، بل وسنلاحظ أنه بدلًا من الانتقال إلى عمليات التعبير عن المشروعية العامة المعبرة عن المصلحة العامة التى جسدتها المؤشرات النهائية للانتخابات تدخل العملية الانتخابية فى نفق الحوار والصدام الاجتماعى المتولد من عدم الرضا المجتمعى الشامل عن النتيجة، وقد يمتد هذا النفق فى الطول والإظلام نتيجة لفشل النخبة الاستراتيجية فى الدولة فى التعامل بحكمة وذكاء سياسى واجتماعى مع نتائج الانتخابات، وقد يسبب هذا شرخًا بنائيًا فى أعمدة التحالف البنائى التى يقوم عليها أسس استقرار الدولة من ناحية. كما تضمن هذه القدرة، ثانيًا، تعميق التساؤل حول جدية المسار الديمقراطى فى البلاد اعتمادًا على أن عدم انتهاء الانتخابات إلى نمط من مشروعية العامة فى الدولة والمجتمع يفتح الباب إلى الصراع الاجتماعى السياسى، والذى ربما يكون حادًا ومخضبًا بالدماء، من أجل الحرية والديمقراطية. بهذا ينتقل الصراع باعتباره صراعًا حول النتائج الانتخابية إلى النظر إليه باعتباره صراعًا حول القيم الديمقراطية والقانونية المرغوبة، فى إطار هذا النمط الجديد من الصراع الاجتماعى الشامل تعاد عملية اصطفاف القوى المجتمعية بصرف النظر عن موقفها من نتائج العملية الانتخابية، بل فى بعض الأحيان تغير بعض القوى الاجتماعية المهمة، والتى كان ينظر إليها باعتبارها رصيدًا للمشروعية والشرعية السائدة والمهيمنة مواقفها صوب مزاحمة القوى الساعية إلى تعميق ديمقراطية النظام فى مواقفها ومطالبها، وتعمل هذه القوى المزاحمة على إعادة صياغة أجندة التمرد الديمقراطى بشكل قد ينتهى الأمر ببعض الفرق الرافضة لمشروعية الانتخابات باعتبار أنه قد تمت سرقة فرصة الديمقراطية الحقيقية. ويتم تطوير النظام فى شكل جديد به ملامح قوية من القديم، وإن كان يظل مولودًا جديدًا فى نهاية الأمر. وتتضمن هذة القدرة، ثالثا، عمل القوى الداخلية الحادبة على الديمقراطية أو الجديدة التى تتبنى المواقف الديمقراطية على الاتصال المستمر من خلال وسائل الاتصال العالمية، والسعى على خلق اهتمام دولى عولمى باعتبار ما يحدث يعبر عن أزمة دولية إقليمية، وهذا ينقل الأمر من اعتباره صراعًا مجتمعيًا حول القيم الديمقراطية المرغوبة إلى اعتباره صراعًا دوليًا حول طبيعة وتوجهات الاستقرار الإقليمى. من ناحية، وطبيعة الارتباط بين القوى الديمقراطية داخليًا وإقليميًا ودوليًا، من ناحية ثانية، طبيعة ووسائل القوى الدولية فى تنفيذ مصالحها فى سياق هذا الاضطراب حول الديمقراطية، من ناحية ثالثة. بعد هذا الشرح للعلاقة بين الانتخابات فى أحوالها ومراحلها المختلفة والصراع الدولى والنظر إليه باعتباره «مصيدة متعددة المراحل» يصبح أمامنا توضيح حدود هذه «المصيدة» نظريًا قبل الانتقال إلى البحث فى الانتخابات الأربعة اللبنانية والإيرانية والكويتية والمغربية من حيث مدى توافقها مع هذا النموذج للتحليل.