انتهينا إلى أنه كقاعدة عامة بالنسبة للانتخابات الكويتية والصراع الدولى فقد رأينا آثار الصراع الدولى ظاهرة أكثر على ترتيبات النظام الانتخابى أكثر من ترتيبات نظام الحكم، بحيث تمت عملية التصديق البرلمانى على اختيار الأمير الجديد بالإجماع، وبالتالى تغيير أسس الشرعية السياسية ناحية مفهوم الملكية الدستورية. هذا بينما مازلنا نرى عدم استقرار النظام الانتخابى كما يظهر فى الاضطرار لإجراء ثلاثة انتخابات تشريعية خلال الأربع سنوات الماضية. يمكن القول بأن الموضوعات الإقليمية، بأبعادها الداخلية وتوتراتها، كانت أكثر إلحاحاً وأكثر عملاً فى خلق الانقسام الداخلى من الموضوعات الاستراتيجية الدولية، حيث إن هناك إجماعًا ما على توجهات الكويت الاستراتيجية فيما بعد الغزو، خاصة فيما بعد سقوط نظام الرئيس العراقى السابق صدام حسين، وما كان يمثله من تنغيص مستمر وقلق كبير بشأن استقرار الأمن القومى لدولة الكويت. بعبارة أخرى، المصيدة المتعددة المراحل فى الحالة الكويتية لا تظهر كأزمة قبل العملية الانتخابية أو أثنائها ولكن فى مرحلة ما بعد إعلان النتائج التى تظهر فى شكل المسبب لعدم استقرار العلاقة بين البرلمان والوزارة، حيث تمت ملاحظة تعدد الاستجوابات الهادفة بشكل منظم لبيان انخفاض ثقة أعضاء البرلمان فى الأداء الحكومى، بل تغيير الوزراء الذين يثبت عليهم عدم الثقة البرلمانية. ومن مراجعة الانتخابات الثلاثة البرلمانية الاخيرة يتضح نمط الحساسية الكويتية لمحيطها الإقليمى كما يلى: أولا، كما قلنا فى المقال السابق إن الكويت تتكون من خمس دوائر انتخابية، ونلاحظ فى الدائرة الأولى أن عدد الذين صوتوا من النساء أكبر من عدد الذين صوتوا من الرجال، وبصفة عامة نجد أن الصوت النسائى المسجل انتخابيًا أكبر من الصوت الرجالى المسجل انتخابيًا عبر كل الدوائر. الدائرة تتميز بالثقل الشيعى. وفى الانتخابات السابقة التى كانت وفق نظام 25 دائرة حصل نواب الشيعة على 34 مقعدًا من إجمالى 80 مقعدًا. فى هذة الدائرة صراع شيعى- سنى انتخابى واضح، هذا فضلًا عن اصطفاف لتناقض قومى ليبرالى/سلفى إخوانى، ثانيا، فى الدائرة الثانية، نجد أن عدد الناخبين السنة أكبر بكثير من عدد الناخبين الشيعة، والناخب السنى بوجه عام مرتبط بالتوجهات السلفية السعودية والخليجية، وهى معقل من معاقل التيار المحافظ، هذا فضلًا عن أنها دائرة تحتويها العاصمة. والعاصمة هى مركز إنتاج وصناعة القادة فى مختلف التشكيلات الإدارية والاقتصادية فى الجهاز البيروقراطى للدولة. والدائرة تحظى بمكانة سياسية فائقة، ولهذا نلاحظ الحضور الانتخابى العالى بها، وكانت فى الستينيات وعاء هامًا للتيار الليبرالى، الآن نشاهد صراع ليبرالى/محافظ -حكومى فى الدائرة، هذا علما بأن التيار الليبرالى يميل إلى المفاهيم الديمقراطية الليبرالية وما يرتبط بها من تصورات دولية، ثالثًا، الدائرة الثالثة، وهذه الدائرة دائمًا فى حال ترشيح المرأة قانونًا يكون فيها أعلى نسبة ترشيح للمرأة، وتمثل الدائرة فى معظمها الطبقة الوسطى التجارية العليا المرتبطة بمصالح تمثيل شركات دولية وعربية والبرجوازية الوطنية المتمثلة فى البيوت القديمة والجديدة. فى هذه الدائرة ثقل شيعى معتبر لا يقل عن 15% من الدائرة، وتتركز فى مناطق العدلية، الجابرية، السرة، دائرة يسيطر عليها تاريخيًا التيار الإسلامى والقومى العربى، رابعًا الدائرة الرابعة، وتتسم بالتعصب والالتزام القبلى. وتشتهر بظاهرة الانتخابات الفرعية، وهى الانتخابات التى تجرى بين القبائل لتحديد المرشح الفائز قبل إجراء الانتخابات، وقد حاربت الحكومة الكويتية هذه الظاهرة ولكن يلاحظ استمرارها لما لها من تأثير على تنظيم سلمية الصراع والتنافس القبلى. ويلاحظ أن هذه القبائل ذات امتدادت سكانية قبلية عابرة للحدود، والامتدادات ليس لها الحق فى التصويت. ويشكل الشيعة فيها حوالى 6%، وتتسم بمظاهر حضارية نتيجة لدمج الدوائر الصغيرة فى دائرة كبيرة. ويسيطر عليها النزوع السلفى والإخوانى، خامسًا الدائرة الخامسة، وهى تتبع محافظتى الأحمدى ومبارك الكبير، وتضم أكبر قوة تصويتية انتخابية فى الكويت، وبها تعدد اجتماعى هائل يتراوح من قرى زراعية إلى مجموعات قبلية إلى مناطق شيعية ملحوظة إلى مجموعات من أصول هندية بارزة. وتتسم هذة الدائرة بمحدودية الاختراق الإسلامى، وإن كان بها ممثلون للإخوان المسلمين.. فى النهاية الانتخابات الكويتية تعتبر متأثرة بشكل كبير بالبيئة المحيطة بها أكثر من أى انتخابات أخرى من الانتخابات الأربعة المدروسة.