باتت الإعلانات تلعب دورا مهما ومؤثرا في تغيير سلوك جمهور المشاهدين، بعدما لم يعد التنويه عنها يندرج تحت باب الترويج لسلعة أو الدعاية لمنتج استهلاكي، وإنما سلاح فاعل وخطير لتغيير الوعي في عملية "غسيل مخ" تحتشد من أجلها كل عناصر الإبهار والتشويق والإثارة، وتتسم طريقة صنعها بسرعة الإيقاع والحركة التي لا تنجح من دون اختيار وقت الذروة في المشاهدة لتكتمل "عملية الغزو". من هنا كان حرص العديد من الباحثين في مجال الإعلام وكذلك الاجتماع وعلم النفس علي دراسة وإجراء الكثير من الأبحاث العلمية التي تناول حجم تأثير الإعلانات علي البيت المصري ليس من حيث تجاوب المشاهدين مع الإعلانات أو الإقبال علي المنتج فحسب وإنما مدي تأثر المشاهد بهذه الإعلانات من ناحية الأخلاقيات ومراعاة الإعلانات نفسها لعادات وتقاليد الشعب المصري. وهو المعني الذي يقودنا للظن بأهمية الإدارة العامة للرقابة علي الأفلام والمنوعات والإعلانات التابعة للإدارة المركزية للرقابة بالتليفزيون المصري لكونها الإدارة المعنية بمراقبة الإعلانات والحكم علي مدي تطابقها مع عادات وتقاليد الشارع المصري، وهو الأمر الذي تؤكده مني الصغير رئيس الإدارة المركزية للرقابة وتؤيدها في هذا زينب أبو خاطر مستشار رئيس الإدارة المركزية للرقابة والمشرفة علي الإدارة العامة للرقابة علي الأفلام والإعلانات، وعلي الرغم من هذا نفاجأ يوما بعد الآخر، بإعلانات مستفزة خارجة عن التقاليد والعادات ووصل الأمر إلي الحد الذي طالب فيه عدد كبير من الجمهور المصري إلغاء بعض الإعلانات ومنعها من الظهور علي الشاشة، لما لها من تأثير سيئ للغاية في نفوس أبنائهم، لاسيما الإعلان الذي كان يقارن بين رجل كدح وعمل وكافح حتي نجح في عمله واشتري سيارة مرسيدس وشاب "روش" لا عمل له واستطاع بضربة حظ أن يحصل علي هذه المرسيدس بعد شراء خط تليفون محمول!! وكذلك الإعلان الذي يجلس فيه شخصان يحتسيان الشاي والقهوة وينظران إلي زميلهما الذي يسعي ويجتهد ويرددان: "حمل عربيتين وإحنا قاعدين واشتغل وإحنا قاعدين". آخر هذه المهازل إعلان يساوي بين مطرب شعبي معروف وقرد (!) وبعيدا عما طالب به البعض من الحد من الإعلان عن الجوائز بهذا الشكل الجزافي الذي يتأثر به عدد كبير من الشباب فينصرفون عن أعمالهم ويتفرغون للإجابة عن هذه الأسئلة أو الاشتراك في المسابقات المختلفة من أجل الربح السريع والسهل، يصبح السؤال: كيف يصل الإعلان إلي هذه الدرجة في وجود رقيب دوره الأساسي مراعاة مدي توافق هذا الإعلان مع عادات وتقاليد المجتمع المصري؟ وهل صحيح أن لغة المال باتت تتحكم في كل شيء، بحيث إن المعلن الذي يشعر بأن الرقيب سيستخدم مقصه في إلغاء وحذف بعض المشاهد من إعلانه الذي رصد له ميزانية ضخمة يستخدم لغة المال الذي لا يجيد غيرها لإقناع الرقيب بوجهة نظره الخاصة جدا؟! زينب أبو خاطر مستشار الإدارة المركزية والمشرفة علي الإدارة العامة للرقابة علي الأفلام والإعلانات تؤكد أن هناك مراعاة شديدة لتقاليد وعادات البيت المصري، وأن أهم ما يحرص عليه الرقيب الذي يشاهد الإعلانات ألا يتضمن الإعلان مشاهد "عُري وإثارة". أي تنظيف الإعلانات وإعادة صياغتها بما يناسب الأسرة المصرية! وتستطرد أبو خاطر: يراعي الرقيب أيضا ألا يتضمن الإعلان أسلوب التفضيل أي ألا تكون هناك جمل مثل منتجنا أحسن منتج وأننا الأجود علي الإطلاق، فمثل هذه الجمل من حق الرقيب أن يعترض عليها ويضيف عليها حرف "من" فتتحول الجملة إلي منتجنا من أحسن المنتجات حتي لا يستخدم الإعلان في الحرب بين المعلنين. كذلك يجب علي الرقيب مراعاة سياسة الدولة، فمن منطلق دعوة السيدة سوزان مبارك لمكافحة عمالة الأطفال طالبنا وكالات الإعلانات بعدم الاستعانة بالأطفال في الإعلانات بقدر الإمكان! ولا ينبغي أن يتضمن الإعلان مشاهد تعاطي السجائر والشيشة وعلي الرقيب أن يتدخل إذا وجد شيئا من هذا ويمكنه أن يرفض الإعلان الذي يتضمن مشاهد زغاريد أو سيدة تجلس علي "طشت غسيل". ويطالب بحذف هذه المشاهد وذلك لأن هذا الإعلان يذاع علي القنوات الفضائية وبالتالي يجب أن نظهر بشكل لائق أمام العالم!! وتدافع "أبو خاطر" عن ظهور إعلانات علي الشاشة بالشكل المستفز السابق ذكره بقولها: "هفوات رقيب"! وتضيف الإعلانات المستفزة قليلة جدا ومن الممكن ألا ينتبه إليها الرقيب الذي يشاهد ما بين 30: 50 إعلانا في اليوم الواحد، وأحيانا نتدارك الأمر فورا وتلقي باللوم علي الرقيب وتلفت نظره حتي لا يتكرر الأمر مرة ثانية؛ فالقول إن لغة المال تحكم غير صحيح ولا علاقة لنا بالمال، لأننا جهة رقابية ولا يهمنا أن المعلن دفع الشيء الفلاني في الإعلان، بل يهمنا تقديم شيء محترم للأسرة المصرية، ولهذا طالبنا وكالات الإعلان بأن ترسل لنا السيناريو الخاص بالإعلانات بكل التفاصيل لنراجعه ونضع ملاحظاتنا عليه حتي يتفاداها المعلن، وبالتالي لا يتكبد الكثير من الأموال، هذا يعتبر من المتغيرات التي طرأت علي الرقابة في الفترة الأخيرة علي حد قولها!!