جاء تفجير مقام الإمامين علي الهادي (العاشر) والحسن العسكري (الحادي عشر) ليزيد من التأزم السياسي والامني المتفاقمين بالعراق. وسامراء (سر من رأي) مدينة بناها الخليفة المعتصم العباسي الذي خلف أخاه المأمون، وانتقل إليها مع جنده الترك الذين كانوا قد بدأوا يؤذون اهل بغداد بعراضاتهم العسكرية ومواكبهم وقلة "تهذيب" عامتهم. وازدهرت المدينة في عهد المتوكل ابن المعتصم علي الخصوص لطول عهده (232 248ه)، ولأنه بني فيها عدداً من القصور، وأتمّ نقل كل ادارات الدولة. وقد اشتهر المتوكل بأنه هو الذي تخلي عن المعتزلة لصالح السنة وأهل الحديث. والصحيح انه كان يخشي كل ذي زعامة جماهيرية، كما كان لا يحب جداليات المعتزلة التي ادخلته في مشكلات مع العامة، ومن ضمنهم جنوده الاتراك. ولذلك اطلق سراح احمد بن حنبل خصم المعتزلة اللدود حتي وفاته (241 ه)، كما كان شديد الكراهية لشيعة الامام علي وأهل البيت، ولذلك نقلهم معه إلي سامراء ليكونوا تحت رقابته المباشرة، ولذلك توفي الامامان العاشر والحادي عشر بسامراء، وفي سن صغيرة (ما بين 25 و35 سنة)، والمعروف ان منظومة الائمة الاثني عشر ظهرت لدي عدد من الفرق الاسلامية في مطلع العصر العباسي (القرن الثامن الميلادي)؛ لكنها تحولت إلي عقيدة بعد القرن التاسع الميلادي لدي قسم من الشيعة القائلين بانحصار الامامة المعصومة في اثني عشر من نسل الامام الحسين بن علي، من اهل بيت النبي، وهم الذين عرفوا بالاثني عشرية، ويشكلون الاكثرية الساحقة بين الشيعة في العالم اليوم؛ بل ومنذ القرن السادس عشر الميلادي. وأهمية سامراء لدي الاثني عشرية لا تنحصر بدفن الامامين الهادي والعسكري فيها؛ بل ان محمداً الملقب بالمهدي "غاب" فيها أو دخل في سرداب علي مقربة من قبر والده الحسن العسكري، وهو طفل في الخامسة أو السادسة، وهو الامام الثاني عشر المنتظر، وقد زال الاضطهاد عن الجماعة الشيعية بأقطار الدولة العباسية قبل مجيء امراء بني بويه بقليل (وهم أسرة من الديلم من الشيعة الامامية في الغالب، وسيطروا علي بغداد وسامراء مطلع القرن العاشر الميلادي)، وفي عهدهم بني المقام الأول أو المزار الاول للهادي ثم للعسكري وعلي ضريحهما، فقد دفنا في ما يبدو في مقر إقامتهما، والذي كان بمثابة موقع الاعتقال التحفظي. وظلت مدينة سامراء في الغالب مدينة سنية، رغم خروج السلطة العباسية منها وعودتها الي بغداد منذ أيام البويهيين. وما قامت فيها حوزة علمية شيعية كبيرة، رغم بدء كثير من كبار المجتهدين فيها، وظلت ثالثة بعد النجف وكربلاء بين مزارات التقديس، كما بين الحوزات، وليست بين الشيعة والسنة مشكلات فيها حتي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وبروز الانقسام الشيعي السني في البلاد. وأكاد أكون علي يقين أن الذين قاموا بتفجير المقام ليسوا من سامراء، بل وليسوا من العراق. فالعراقيون أياً تكن اعتقاداتهم وحزبياتهم يدركون هول هذا العمل، وتأثيراته السلبية الكبيرة علي الأوضاع الداخلية، وليس باستطاعة أحد فرداً أو جماعة تحمل مسئولية ذلك، وما تلاه وسيتلوه من فظائع. وقد يكون المنفذون للجريمة من التكفيريين الذين يعتبرون زيارة القبور شركاً. لكن الجهة التي اخترقتهم ودفعتهم للقيام بذلك همها احداث الحرب الأهلية، وتدمير بقايا وحدة العراق، ومنع قيام حكومة وحدة وطنية. والمعروف أن نكسات عدة سياسية هذه المرة وليست أمنية، نالت من الأمريكيين في الأسابيع الأخيرة فقد انهزم أنصارهم في الانتخابات، وازداد النفوذ الايراني، وعاد الجعفري الذي لا يحبونه ليكون المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة. وهم يصرون الآن علي أن لا تبقي وزارتا الداخلية والدفاع بيد الشيعة، من رجالات المجلس الأعلي أو حزب الدعوة، بعد أن ثبت ضلوع الحزبين في تنظيمات سرية، وفرق للاغتيال ضد السنة. لكنهم أيضاً لا يحبون مقتدي الصدر، الذي نصر عودة الجعفري لخصوماته العميقة مع آل الحكيم ولاة أمر المجلس الأعلي. فالصدر هو الزعيم الشيعي البارز الوحيد الذي يجاهر الأمريكيين بالعداء، وشيعة سامراء بينهم كثرة من أتباعه.