العقبة السادسة: البحث عن العبقرية لدينا هو مصيبتنا الكبري!! فإذا كان السباق في مجال التكنولوجيات الرئيسية يتطلب وجود علماء قطعوا أشواطا طويلة في هذه العلوم، ورؤوس أموال طائلة.. ومناخ يهيئ لكل عالم استفراغ طاقته في البحث.. فإن البديل السريع أمام الدول النامية وهو التحدي الوحيد يتمثل في استخلاص عبقرية ابنائها، لأن العبقري هو الذي يفرز الأفكار العملاقة.. ففكرة عبقرية واحدة، قد ينجم عنها ثروات هائلة. ولكن.. كيف يمكن للعبقري أن يظهر في مصر، والمناخ فيها يؤدي إلي لفظ العبقري منذ نعومة أظفاره. 1 فبداية من نظام التعليم في مصر والقائم علي مجرد تحصيل المعارف والاجادة لدرجة الحفظ والاستظهار.. والمعروف أن العبقري لايميل بطبيعته إلي الحفظ، بل ولا يميل إلي مجرد التحصيل الذي يقرب من الحفظ.. وبذلك فإن التعليم منذ بدايته يلفظ العبقري.. أو لا ينبغ فيه العبقري. 2 النوابغ في مجتمعنا في الغالب يتمتعون بقدرات لاعلاقة لها بإفراز العبقرية.. ولذلك فإن العديد من الذين أظهروا عبقرية في الخارج، تم لفظهم من عندنا.. فالقدرة علي عمل العلاقات العامة هي مهارة يفتقد إليها العبقري، واللجوء إلي الواسطة سمة من سمات غير العباقرة، كذلك لما كانت طبيعتنا كشعب مفوه، فإن البلاغة تلعب الدور الأكبر في معاملات افراده، لذلك فقد يبدو في الكثير من الأحيان أن فلانا شديد الذكاء لأنه يمتلك الحضور والرد باجابات ذكية وسريعة، إلا أن طبيعة من يملك القدرة علي الابتكار هي التردد، لانه يعيش دائماً في موقف يختار فيه بين بدائل الأفكار، وبالقطع يلعب الإلهام أو الاستبصار دورا هاما في عملية افراز الأفكار العبقرية. .. ولذلك فإن العبقري يفتقد في أحيان كثيرة إلي الذكاء الحاضر، وهو الذي يظهر ذكاء صاحبه.. ويضفي عليه قوة الشخصية التي تجعله ينجح في الكثير من المواقف الحاسمة والتي تجعله يتبوأ من خلالها المواقف القيادية.. وبذلك يبتعد العبقري دائما عن ساحة الظهور. 3 واذا افرز العبقري أو حتي الفرد العادي فكرة، فأين هي بنوك الأفكار التي تتلقاها، ومن هو المسئول الذي يهتم بهذه الفكرة.. فالكل أسير التعليمات وخطة الدولة التي تصدر من أعلي.. أما صفحات الرأي، فهي في الواقع حكر علي بعض قدامي الصحفيين من أصحاب المعاش، واذا وجدت مساحة فضاء للنشر، فهي في الغالب من نصيب المشهورين أو المعارف! 4 ان نظراتنا للفكر، هي نظرة ظالمة تحول دائما دون توصلنا إلي أي فكرة.. لأننا نتصور دائما أن الفكرة المبتكرة هي الفكرة الكاملة، فإذا وجدت ثغرة في الفكرة مهما كانت عملاقة دحضنا هذه الفكرة من أساسها.. فليس من العجب لدينا، عندما يتوصل أحد إلي اختراع تركيبة دوائية مصرية لعلاج مرض خطير كالسرطان، ولكن له أعراضا جانبية مثل الحساسية.. فنرفض هذا الدواء تماما.. فلا يهمنا علاج أخطر الأمراض، طالما كان يؤدي إلي أقلها ضررا.. مع أن طبيعة أي فكرة من الافكار التي غيرت مجري حياة البشرية تكون في بدايتها فكرة ضعيفة أو ناقصة تحتاج إلي أفكار تساندها.. أو حتي تكون مجرد ملاحظة تهدي إلي فكرة.. والفكرة تهدي بدورها إلي فكرة أكبر.. وهكذا.. فالفكرة كالوليد الذي يكبر وينمو.. فهي تكبر وتنمو من خلال الأفكار التي تقويها.. ولكنه قد لا يكون لها قيمة في البداية.. إنما قيمتها في انها قد تلهم فرداً آخر بفكرة أخري. .. كما أننا ولتصورنا العقيم بأن الفكرة يجب أن تكون متكاملة، لذلك فإنه لو تقدم أحد بفكرة اختراع، نطلب منه نموذجا مصنوعا لهذا الاختراع.. مع أنه في الكثير من ا لاحيان قد يحتاج الوصول إلي هذا النموذج، إلي تشييد المصنع نفسه، أو رأس مال كبير، وهو في معظم الاحيان يكون غير متاح لصاحب فكرة الاختراع.. فكم من الآلاف من الافكار تضيع هباء، لتعرضها لهذا الحكم الجائر علي الفكر! 5 الحقد والدور الخطير الذي يلعبه أصحاب الخبرة والسلطة في إزاحة أصحاب الافكار العبقرية عن الساحة! .. فنتيجة لنظام التعليم لدينا، والذي يلفظ العباقرة، تبوأ البعض من الناجحين في هذا النظام التعليمي الخاطئ مكانا جعلهم خبراء.. الأمر الذي يتطلب منهم إفراز أفكار عبقرية لمشكلاتنا.. ولما كان معظم هؤلاء مجرد أصحاب معرفة فقط، حيث إن ما يجيدونه هو مجرد نقل حلول الآخرين، في الوقت الذي لا يمكن تطبيق هذه الحلول علي مشاكلنا نحن.. لاختلاف طبيعتنا، مما يتطلب الاحتياج إلي وجود أفكار عبقرية مصرية.. الا ان البعض من هؤلاء الخبراء يجدون انه في تقدم أحد المصريين بفكرة عبقرية، اعترافا بفشلهم، لذا يكرسون كل جهدهم وفكرهم للحرب ضد هذه الفكرة.