قد يأتي الجواب في وقت قريب جدا، في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بعد عشرة أيام. تواجه إسرائيل تهديدات في كل أنحاء شرق أوسط تزعزعه حرب العراق، القاعدة والدعوات الأمريكية للديمقراطية، لكن الإسرائيليين يعتقدون أن أكبر تأثير علي سياساتهم الأمنية وعلي انتخاباتهم في 28 مارس سوف يأتي من الناخبين في الجوار. يراقب الإسرائيليون بقلق شديد تدهور السلطة الفلسطينية وركيزتها، حركة فتح التي يتزعمها محمود عباس، وبروز حماس، الحركة الإسلامية الراديكالية التي تكرس نفسها لتدمير إسرائيل. إن النتائج الكبيرة التي حققتها حماس والنتائج المتوقعة، يمكن أن تختبر قدرة إسرائيل حتي علي التحدث عن تسوية نهائية مع الفلسطينيين أو القيام بأي انسحاب جديد من الضفة الغربية. يمكن أن تكون تلك المشكلات حقيقية لو كان أرئيل شارون يقود الحكومة، لكن بعد إصابته بالعجز لا يمكن لأي خليفة أن يتوقع المصداقية أو المرونة حول القرارات الأمنية التي خوله بها الإسرائيليون مما يجعل المبادرات الجريئة أقل احتمالا. لهذا قد تقوم إسرائيل ببساطة بإكمال حاجز الفصل الذي بدأه شارون وتفكيك البؤر الاستيطانية غير المشروعة دون التحرك بسرعة نحو سحب المستوطنات وراء السياج. إن العداء من جانب الفلسطينيين ليس التهديد الوحيد الذي تواجهه إسرائيل. لكن التهديدات الأخري في مصر وإيران ولبنان لا تؤدي إلا إلي زيادة القلق حول شكل دولة فلسطينية لأن تلك الحكومة يمكن أن تسيطر علي مداخل هامة لإسرائيل. في ضوء تلك الخلفية، يتحدث اليمين الإسرائيلي بقلق عن كيفية التمسك بوادي الأردن في الضفة الغربية حتي يمكن لإسرائيل أن تحتفظ "بحدود يمكن الدفاع عنها" كدرع ضد هجمات من خارج الأراضي الفلسطينية. وهذه الإدارة الدفاعية للصراع بعيدة عن المسار التفاوضي الوارد في خارطة الطريق، وهي خطة السلام التي كان يفترض وفقها قيام دولة فلسطينية مستقلة، بحدودها النهائية، مع نهاية عام 2005 . لقد وعد عباس بالتحرك لتفكيك الجهاز الإرهابي لحماس والحركات الأخري، بعد إجراء الانتخابات الفلسطينية، فذلك الأمر ورفض أي خيار عسكري ضد إسرائيل يشكلان الالتزام الفلسطيني الرئيسي تحت المرحلة الأولي من خارطة الطريق. لكن قلة في إسرائيل يتوقعون من عباس أن يفي بوعده، فقد قال جيدي جرينشتاين، وهو مفاوض سلام سابق ورئيس لمركز ريوت، وهي مجموعة أبحاث مستقلة: "إننا نتوجه نحو أزمة حول قضية حماس، وهنالك عشرات القضايا التي ستتغير إذا أصبح لحماس قوة كبيرة في السلطة الفلسطينية أو في مجلس الوزراء". وبنصيبها المتوقع من المقاعد التشريعية فإن حماس سوف تأخذ علي الأرجح مناصب وزارية وتضع أبناءها في البيروقراطية الفلسطينية مثل قوات الأمن أو جهاز الضرائب أو وزارة المالية. ويقول جرينشتاين أن إسرائيل ستكون عندئذ قد حشرت بين صخرة ومكان قاس. فالصخرة هي رفض حماس في ميثاقها لوجود إسرائيل، ودعمها للإرهاب ورفضها لنزع الأسلحة. والمكان القاسي هو رفض إسرائيل الحالي التعامل مع حماس "وهذا يعني طريقا دبلوماسيا مسدودا وأزمة إنسانية، وقد تجد إسرائيل نفسها مضطرة للعمل مع حماس، بشكل مباشر أو غير مباشر". يمكن لإسرائيل أن تقرر مواجهة حماس الآن، إذا رأت، كما يري مركز جرينشتاين، أن حماس تريد الحلول محل فتح وتتولي منظمة التحرير الفلسطينية المبعدة منها حاليا، ويمكن لإسرائيل في هذه الاستراتيجية أن تخلق أزمة وتحاول إجبار الفلسطينيين علي التعايش مع عواقب خياراتهم. أو يمكن لإسرائيل، علي الأرجح أن تعمل علي توسيع الشروخ في حماس بين الملتزمين بالصراع المسلح ضد إسرائيل والذين يريدون التركيز علي تقديم الخدمات الجيدة، وعلي الفساد الأقل، والقانون والنظام وحياة أفضل علي أمل أن يتمكن الفريق الثاني من جعل الفريق الأول يلطف مواقفه. وفي الحقيقة فإن إسرائيل تخشي من أن تؤدي الفوضي الناجمة عن إخفاق السلطة الفلسطينية إلي زيادة الاقتصاد الفلسطيني سوءا وزيادة شعور الفلسطينيين بالمرارة إزاء إسرائيل حتي أن البعض يقول أنه إذا أدت مشاركة حماس إلي تقوية السلطة وتوفير الانضباط والنظام، يمكن أن يكون هنالك بعض الفائدة لإسرائيل. إن الإسرائيليين يعرفون، رغم الخطب السياسية، أن كثيرا من الفلسطينيين يتحولون إلي حماس ليس لأنها تريد تدمير إسرائيل بل بسبب الاحتلال والفساد وإخفاق فتح في تقديم ما عليها، حسبما قال زئيف شيف، وهو محلل عسكري لصحيفة هارتس، وأضاف: "علينا أن نخبر حماس أن هنالك أمورا معينة لا نستطيع التفاوض معها إلا إذا ظهرت حماس أكثر واقعية. إنها معركة علي القيم، وقد خضناها مع منظمة التحرير الفلسطينية وكسبنا، لكنها الآن جولة أخري من المواجهة مع حماس في داخلها ونحن لا نعرف إلي أين سيقودنا هذا، فقد يقودنا إلي انتفاضة ثالثة لأنه إذا كانت حماس تريد أن تقاتل، فإننا سنقاتل". يقول شيف: "من أعماق قلبي، أعرف أن من المستحيل التوصل إلي اتفاق سلمي مع الفلسطينيين دون حماس" لأنه من دونها فإن السلطة الفلسطينية ليست ممثلة للفلسطينيين بشكل كاف. يعترف أشر سوسر، مدير مركز موشي ديان للدراسات الشرق أوسطية في جامعة تل أبيب، أن بروز حماس سوف يعقد خيارات إسرائيل وتواصلها مع الفلسطينيين. وهو يقول "لكن تلك العلاقات لم تكن جيدة جدا علي أية حال، فنحن لسنا في وضع وكأننا عقدنا اتفاقية مع عباس وسوف توقفها حماس. كذلك يتوقع سوسر أن يستمر توجه إسرائيل الأحادي بإكمالها للحاجز. وقال: "وبموازاة ذلك فإن حماس ستعمل كما هو مفترض مع فتح لمحاولة بناء الدولة الفلسطينية وهي عملية أحادية أخري". وقال: "يمكن أن ننتهي بهاتين العمليتين الأحاديتين لكن المتوازيتين بشيء أقرب إلي حل الدولتين الوارد في خارطة الطريق دون الإضطرار إلي إعاقة كل خطوة".