من سكرة الفوز في الانتخابات، إلي هموم الحكم وتحمل المسئوليات، زمن قصير سوف ينقضي بسرعة وتجد حركة حماس الفلسطينية نفسها في وضع مختلف تماما عما كانت عليه وهي في المعارضة. كل تاريخ حماس في الماضي القريب والبعيد سوف تجده أمامها حاضرا، ومعظمه للأسف لم يكن جيدا بالدرجة التي تشجع الآخرين علي الوقوف بجانبها في قادم الأيام. المشكلة أن حماس لم تترك خلفها تاريخا من الود والتعاون مع أطراف محورية في المنطقة والعالم، وقد كان من واجبها أن تنتبه إلي أنها سوف تكون مضطرة إلي اللجوء إليهم يوما ما عند توليها الحكم لتسيير حياة الفلسطينيين، والتعامل مع قضايا التحرير وبناء الدولة. مشكلة حماس أن بينها وبين الإسرائيليين ثأرا عظيما، وبينها وبين فتح والسلطة الفلسطينية مرارة عميقة من طول ما أخذت علي عاتقها تخريب مشروع سلام السلطة، وبينها وبين الأوروبيين والأمريكيين فجوة ثقة في قدرتها علي التحول وتغيير الفكر والمسار، فضلا عن أنها نسجت حول نفسها شرنقة من الأيديولوجيات، والثوابت الجامدة، والجماهير المسحورة، الأمر الذي قد يتطلب منها طاقة هائلة للفكاك من كل ذلك. الواضح حتي الآن أن الإسرائيليين في حالة تأمل للموقف، وينظرون إليه من مسافة، وربما بدأت مراسيلهم في عقد لقاءات استكشافية مع بعض قيادات حماس في الداخل، وأغلب الظن أنهم سوف يصرون علي صدور اعتراف من حماس واضح وصريح وغير قابل للتأويل بحق إسرائيل في الوجود كدولة من بين دول المنطقة والعالم، والتأكيد علي نبذ حماس للعنف وعدم العودة إليه مرة أخري. سوف تبني إسرائيل استراتيجيتها في التعامل مع حماس علي أساس أن الحركة تمتلك تفويضا من الشعب الفلسطيني، لكنها سوف تأخذ أيضا في الاعتبار ضعف حماس الخارجي الناتج من تقطع معظم خيوطها مع أوروبا وأمريكا ودول العالم المهمة بشكل عام بما في ذلك الدول العربية. والخارج مطلوب الآن بشدة بالنسبة لحماس، لأنه هو الذي في يده الاعتراف المعنوي والدعم المادي والمساندة السياسية. وحتي تحصل حماس علي كل هذه الأشياء والتي كانت متوفرة من قبل للسلطة الفلسطينية، عليها أن تقدم تنازلات كثيرة سوف تتناقض بشدة مع تاريخها ومواقفها المتشددة السابقة. وحتي الآن عالجت حماس مشكلتها مع الخارج بطريقة غير موفقة؛ فقد ذهب خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي قبل الانتخابات إلي طهران وقدم التحية إلي الرئيس نجاد علي موقفه المتشدد من إسرائيل ومطالبته بمحوها من علي الخريطة أو نقلها إلي مكان آخر؛ ثم بعد الانتخابات وظهور النتائج كان أول من زاره خالد مشعل الرئيس بشار الأسد. وعلاقة أحمدي نجاد وبشار الأسد بكل من أوروبا وأمريكا وإسرائيل معروفة للجميع. إسرائيل أيضا سوف تراقب تلك العلاقة المعقدة بين حماس والرئيس الفلسطيني أبو مازن. بمعني كيف سوف يتعامل "رئيس حكومة" من حماس يعبر عن أفكار حماس المعروفة مع "رئيس دولة" يعتنق أفكارا سياسية مختلفة تماما. ما هو بالضبط طبيعة التفويض المعطي لحماس من أغلبية الشعب الفلسطيني؟ هل هو المقاومة المسلحة وشن الحرب علي إسرائيل، أم البدء في التفاوض طبقا لخريطة الطريق وهو ما لم تعترف به حماس حتي الآن؟ هل سيحتكر أبو مازن السياسة الخارجية ويترك لحماس الشئون الداخلية وهو أمر لا يمكن تخيله في الحالة الفلسطينية بالذات حيث المشكلة الأساسية المؤثرة في كل شئ تقريبا هي مشكلة حل القضية الفلسطينية بعناصرها المعروفة المتصلة بالأرض والبشر. وحتي الآن طفت علي السطح أفكار ساذجة تقول إن حماس سوف تتفاوض مع إسرائيل من خلال طرف ثالث، وهو أمر بجانب سذاجته يصل إلي حد العبث والتقصير في حق الشعب الفلسطيني الذي أعطي الحركة هذا التفويض الواسع. أو القول بأن الأجهزة الأمنية ستكون تابعة للرئيس أبو مازن وهو الأمر الذي عاني منه أبو مازن نفسه في عهد عرفات. هناك تحد آخر سوف يواجه حماس وهو موقف القوي الفلسطينية الأخري بما في ذلك تنظيم فتح. إن معظم الفصائل الأخري لها تشكيلاتها العسكرية التي يمكنها في غيبة التنسيق أن تسبب لحماس حرجا وصداعا عظيما. فكيف تطلب حماس منهم اليوم ما كانت ترفضه بالأمس، اللهم إلا إذا كان برنامج حماس الوحيد سيكون المقاومة المسلحة وإلي النهاية. هناك أفكار للتنسيق السياسي لكن من المتوقع أن تعاني تلك الأفكار من مزايدات الأطراف خاصة إذا استغل الإسرائيليون الموقف واستمروا في توجيه ضرباتهم العسكرية بحجة عمليات هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك. قد يكون أمام حماس أيضا فرصة اللجوء إلي الأطراف العربية للتدخل وبالتحديد مصر التي قد يكون أمامها فرصة أكبر الآن لتوحيد الصف الفلسطيني بعد أن جلست حماس علي كرسي السلطة وقد يمتد دور مصر أيضا إلي تقديم رجال حماس إلي المجتمع الدولي. أمريكا وأوروبا في أيديهم كروت كثيرة لا يمكن لحماس أن تتجاهلها إذا أرادت أن تحقق شيئا للشعب الفلسطيني. إن هناك إعجابا بالفعل من بوش والقادة الأوروبيين بما حققته حماس من خلال الطريق الديمقراطي، وهو إعجاب مقترن بالاحترام وبتقدير ما قدمته الحركة خلال تاريخها الطويل من خدمات صحية وتعليمية للشعب الفلسطيني، كما أنها جاءت إلي الحكم نظيفة اليدين غير متهمة بالفساد وإهدار الثروات. أتصور أن حماس يمكن أن تبني علي ذلك لأن هذا المضمون يتفق كثيرا مع الفكر الغربي المقتنع بأهمية وضع الطاقات المتاحة في مجالات التقدم الاجتماعي والاقتصادي وليس في النزاع والحرب. ولا يعني ذلك أن تتنازل حماس عن مطالبها بعودة الأرض المحتلة بعد 1967 لكن سوف يكون مطلوبا منها في كل الأحوال التسليم بوجود إسرائيل كدولة معترفا بها في المنطقة وبعد ذلك فكل شئ قابل للتفاوض. أما إذا أصرت حماس علي أفكار إلقاء إسرائيل في البحر، وهي نفس الأفكار التي يتمسك بها الإخوان المسلمون في مصر كما صرح مرشدهم، وهي أيضا نفس أفكار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد؛ فسيكون هذا من حقها بطبيعة الحال لكنها يجب في كل الأحوال أن تتيقن من أن من وضعوها علي كرسي الحكم يريدون ذلك بالفعل، وأنهم سوف يسيرون معها هذا المشوار الطويل والشاق إلي النهاية.