يغادر الطبيب غرفة العمليات.. وبمجرد ان يراه الزوج يتجه إليه متساءلاً بلهفة: "خير يا دكتور"؟ فيواجهه الطبيب بثقة زائدة: "احنا اضطرينا نضحي بالجنين علشان الأم تعيش"، وعندما يلمح خيبة الأمل علي وجه الزوج يباغته ببرود أعصاب: "يا سيدي انتوا لسه شباب وعندكو الفرصة تعوضوه بس انتو شدوا حيلكم"!! مشهد خلدته السينما المصرية حتي صار واحدًا من كلاسيكياتها، وحملت الأشهر القليلة الماضية من الوقائع ما يؤكد انه لم يعد خيالاً بل واقعا مخيفا لجأ بعض الموزعين خلاله إلي "التضحية بالمنتجين علشان الموزع يعيش" ففي غمار الفوضي الضاربة في أركان "السوق" السينمائي، أعطي عدد من الموزعين لأنفسهم الحق في الهيمنة علي الصناعة، والتحكم في مقدراتها، وفي سبيل تأكيد هذه الهيمنة لم يكتف "الأباطرة" منهم بمهمتهم الرئيسية، وهي توزيع الأفلام، وتحديد توقيتات العروض بالاتفاق مع المنتجين وأصحاب دور العرض، وانما "اخترعوا" مواسم بعينها زعموا انها الأصلح لعرض نوعية من الأفلام مقارنة بأخري "مش وقتها" وبعدما احتكروا الحديث باسم الجمهور انتقلوا إلي التدخل في العملية الانتاجية نفسها وسرعان ما وجهوا أعينهم إلي دور العرض، حيث ايقنوا أن "موزع بلا دار عرض" هو أقرب إلي "كفيف بلا عصا" وربما كان هذا مبررًا ومقبولاً إذا كان الهدف يصب في مصلحة السينما المصرية والصناعة، لكن المؤشرات الجارية علي الساحة تؤكد أن ما يحدث لا يصب سوي في مصلحة كيان بعينه يقوده الثالوث: محمد حسن رمزي "شركة النصر" وائل عبد الله "أوسكار" وهشام عبد الخالق "الماسة" فالتحالف بين الأشخاص الثلاثة لامتلاكهم دور عرض وامتلاك مقدرات التوزيع الداخلي والخارجي "هشام عبد الخالق يلعب هذا الدور" وعلي الرغم من أن الظروف وحدها هي التي أجبرت احد اضلاع المثلث "محمد حسن رمزي" علي خوض مغامرة الانتاج، وبدلاً من تأمين نفسه والاكتفاء بدفع سلفة توزيع فقط، فإن شيئًا من هذا لم يحل دون تغيير طريقة تفكيره، بدليل ما قام به في عيد الأضحي الأخير حين قرر رفع فيلم "فتح عينيك" من داري عرض "روكسي" و"ميامي" في حفلتي "ميرنايت" - منتصف الليل - و"سوبر مين نايت" والدفع بفيلمي "ظرف طارق" في روكسي و"وي?ا" في "ميامي" وكأنه يتنبأ بفشل "فتح عينيك" الذي يشارك في انتاجه مع صاحبته مي مسحال، التي رفضت الانصياع لقراره، واستنكرت عرض "ظرف طارق" و"وي?ا" في الحفلتين تحققان ايرادات ضخمة فما كان منه سوي أن اعلن غضبه بقوله: "مش ح أسمح أن السينما تخسر ومن حق دار العرض أن تختار ما تعرضه في حفلتي منتصف الليل والسوبر، لأن حقوق المنتج تنتهي عقب حفلة الساعة التاسعة" وهي وجهة نظر تستحق التوقف عندها طويلاً مثلما تستدعي تدخلاً سريعا من غرفة صناعة السينما ومناقشة واسعة يشارك فيها المنتجون والموزعون وأصحاب دور العرض حول قانونية ما أعلنه محمد حسن رمزي، وعما إذا كان من حق دار العرض بالفعل أن ترفع الفيلم في حفل منتصف الليل أو ما بعده وبعده، كما يحدث في دور عرض تخصص حفلاً في الثانية صباحا ويغادر الجمهور القاعة مع الفجر، وفي سياق القضية نفسها يحق لنا ان نتساءل عن "الهولد أوفر" - رفع الفيلم من دار العرض بناء علي نسبة فشل في تحقيقها من بيع التذاكر - ومدي العمل بهذا النظام من عدمه، وبالتالي يصبح السؤال: ما البديل المتبع الآن؟ وهل يخضع الأمر لمزاج صاحب دار العرض بالاتفاق مع الموزع؟! وأين المنتج من هذا؟ هي فوضي بالفعل، وغرفة صناعة السينما بقيادة منيب شافعي لا تحرك ساكنًا حيالها، وحجتها في هذا ان احدًا من المنتجين لم يتقدم بشكوي رسمية، لكن الحقيقة التي يدركها الجميع أن "الغرفة" لم تعد المعبرة الحقيقية عن مصالح جموع المنتجين أو لسان حالهم، بعد سيطرة الموزعين وأصحاب دور العرض عليها، فكيف تحول الموزعون إلي منتجين؟! بل كيف تحول الغالبية العاملة منهم علي الساحة إلي مشاركة في إدارة صالات العرض أو مالكين لها ليكملوا سيطرتهم واحتكارهم للصناعة؟ وكيف لا تنظم الغرفة واجبات وحقوق المنتج والموزع وتحديد مسئوليات كل طرف تجاه الآخر، ومعهما صاحب دور العرض؟ أخطر ما يتردد الآن أن بعض الموزعين تجاوزوا مرحلة احتكار الصناعة إلي بيع أصولها "النيجاتيف" بعد أن تحولوا إلي وسطاء أو "سماسرة" لحساب عدد من الشيوخ والأمراء الخليجيين، وتمثلت الخطورة في محاولتهم اقناع المنتجين ببيع النيجاتيف مدي الحياة، مقابل سلفة والاحتفاظ بحقوق التوزيع الداخلي لمدة تصل إلي خمس سنوات علي أكثر تقدير تؤول النسخة الأصلية بعدها للشيخ أو الأمير"!!" وربما نشأ الخلاف بين الموزعين - المحتكرين - وبعض المنتجين بسبب رفض بعضهم المثول لهذه الشروط المجحفة التي تسهم في تدمير تراث السينما المصرية، والمفارقة هنا أن بعض الاسماء التي تتردد اليوم بوصفها المسئولة عن تمرير هذه الصفقات والاتفاقات هي نفسها التي حملت علي عاتقها يومًا اقناع أصحاب الأفلام المصرية القديمة، وورثتهم، ببيع الأصول التي يملكونها، وهي الصفقة التي أدت إلي ضياع ما يقرب من ألف وثلاثمائة فيلم مصري من تراث السينما المصرية، وتحولت ملكيتها إلي عدد من الشيوخ والأمراء الذين قيل يومها انهم بصدد تأسيس قنوات خاصة للأفلام، وهو ما حدث بالفعل. الوضع السائد الآن علي الساحة لا يدعو للقلق فحسب بل لاثارة الخوف حيال ما ينتظر صناعة السينما المصرية في الأشهر القادمة أو الاعوام القليلة المقبلة فالزخم الانتاجي الذي يبدو أمامنا يخفي زيفًا وخداعًا كبيرين، إذا ما تبين انه يصب بالفعل في رصيد الشيوخ والامراء الذين سيمتلكون أصول الافلام التي يتم تصويرها الآن بعد خمس سنوات، والاحتكار الحاصل من قبل الثالوث: رمزي وعبد الخالق وعبد الله قد يهدد منتجين كثيرين ويغلق في وجوههم أبواب الرحمة والرزق، وعندها لن يجدوا مناصًا من اعلان اعتزالهم الانتاج، مثلما فعل آخرون قبلهم، فمن غير المعقول أن يصبح الحل أن يمتلك كل منتج دار عرض حتي يضمن عرض أفلامه التي ينتجها وإلا "اتخرب بيته" فيتم انتزاع فيلمه من دار العرض لحساب فيلم آخر تنفيذا لاتفاقات "تحتية" بين الموزع ومنتجه، أو الموزع مع نفسه"!" وهي مناسبة للاشارة إلي الموزع الذي اتخذ قرارًا بتأجيل فيلم إلي ما قبل العيد مباشرة بحجة أن النسخ غير جاهزة في الوقت الذي تآمر مع منتج فيلم آخر علي التعجيل بعرض فيلمه قبل العيد بأربعة ايام حتي ينفرد بالجمهور، ويحقق ايرادات وبالتالي تصبح "الحجة" ان من الصعب عليه أن يرفعه لحساب الفيلم الجديد أو حتي ينحيه إلي صالة عرض أصغر، وتكمن الخدعة هنا أن فيلمًا مثل "ظرف طارق" حقق 11 ألف جنيه في قاعة تضم مائة مقعد في ثلاثة أيام بينما حصد فيلم "وي?ا" 17 ألف جنيه في نفس الأيام الثلاثة لكن في قاعة تضم ألف كرسي، وبالطبع كانت مناسبة ليعلن الموزع تمسكه بعرض "وي?ا" بحجة انه تفوق علي "ظرف طارق" بينما الحقيقة أن الفيلم الأخير هو الرابح بكل المقاييس لأنه حقق الايراد الضخم في قاعة لا تتجاوز المائة بينما حققها الآخر في قاعة تتسع لألف شخص، وهو أسلوب من الخداع يعكس شكل التعامل الحاصل الآن علي الساحة، والذي يأتي في سياقه عرقلة نزول بعض الأفلام او الاعتراض عليها، بحجة أن الموسم لا يحتملها، وشن حرب ضاربة علي أي موزع جديد يطل برأسه تصل إلي ذبحه ليبقي الحال علي ما هو عليه، ولا يهم عندئذ أن "يخرب بيت المنتج ما دامت بيوت أصحاب دور العرض والموزعين عمار".. فإذا اعترضت أو استنكرت فلن تجد أمامك سوي الأطباء الثلاثة وقد تجهمت وجوههم ويردون عليك بنفس برود الأعصاب: "ضحينا بالمنتجين علشان السينما المصرية تعيش"!!