صديقي الطبيب رءوف رشدي ناجح في عمله الذي يعشقه، وصاحب نكتة وعضو جماعة الناس الرايقة علي الفيس بوك لكني فجأة لقيته مكتئب، قلت لنفسي دي فرصة ألعب معاه دور الطبيب. قلت له مالك يا دكتور؟. رد فسألني: قولي ..أنا شيطان؟. تأملته واستغربت من السؤال فرديت بسؤال: حد قال لك إنك شيطان؟. قال لأ. بس ساعات بحس إن المرضي بتوعي شايفني شطيان بينهم وبين نفسهم. مع إن علاقتي بيهم كويسة جدا. لكن أول ما ينتهي علاجهم بنجاح وبعد ما يشكروني بأجمل عبارات المدح ، يقولوا لي بلهجة الخطورة والرجاء: بس أرجوك إحنا لا جينا لك ولا شفناك ولو حتي قابلناك في حتة اعمل نفسك ما تعرفناش!. تخصص الدكتور رءوف هو الصحة الإنجابية. يعني مساعدة الأزواج والزوجات اللي بيعانوا مشكلة في الإنجاب - أو العقم بعد الشر- بمعني أنه يحقق لهم أمنيتهم في الخلفة!. طلبت منه أن يسترخي ويفضفض بكل وساوسه وحضرت نوتة وقلم عشان أسجل كل كلمة يقولها. وبدأت أسئلتي : إيه بقي اللي مضايقك؟ قال لي: أنا زي الفل. قلت له: أنا ما عنديش أي شك في كده. قالي: لا مش أنا. إن كان عليا أنا دلوقت مش زي الفل ولا حاجة. أنا أقصد المرضي اللي بييجوا لي كلهم زي الفل. ما فهمتش لكن قلت يكمل الكلام. قالي: أول ما أبدأ أسألهم عن التاريخ المرضي للراجل ومراته عشان أعرف إيه اللي بيعوقهم عن الإنجاب وأسأل الزوج السؤال التقليدي: عملت تحاليل للسائل المنوي؟ يرد فورا ويسمعني الإجابة الخالدة. «أنا زي الفل». الراجل عندنا مهما اختلفت ثقافته أو بيئته أو مهنته..لازم يرد بنفس الإجابة كأنه اتفاق ضمني تاريخي بين كل الأزواج المصريين. بعد مدة فهمت أن المشكلة سببها أن الراجل. بيخلط بشدة بين تلات مفاهيم.. الأول (الرجولة) ودي بالأساس قيمة أخلاقية بحتة تتعلق بشرفه الإنساني ورعايته لشريكة حياته أو أسرته. التاني (الخصوبة) ودي قدرته علي الإنجاب بطريقة طبيعية، التالته (الأداء) ودي قدرته علي إتقان اللقاء الزوجي بكل فنونه و أساليبه وغالبا هو يقصد بإجابته الأداء اللي هو دايما زي الفل. سألت: تقصد إنهم بيبالغوا أو بيكذبوا. قالي : بص فيه إحصائية إن مبيعات الفياجرا و أنواعها في مصر أكثر من 4.2 مليار جنيه سنويا، لكن سؤالي مش عن كده. والمشكلة إن الإخصاب المساعد في مصر ينظر إليه كأنه وصمة اجتماعية زي ما كان بينظر للست في الأربعينات اللي بتلبس نظارة طبية ويتقال لها يا أم أربع عيون ، لمجرد أنها بتستعين بوسيلة للإبصار المساعد.يدخل لي الزوجان بتحاليل وأشعات بتأكد استحالة أن يحصل حمل بطريقة عادية. يعني لابد يستعينوا بطريقة من طرق الإخصاب المساعد ومع ذلك أول جملة اسمعها منهم "اكتب لنا أي أدوية حتي لو كانت غالية بس بلاش حكاية الإخصاب المساعد اللي فيه أنابيب، مستعدين لأي علاج بس بشرط المدام تحمل في البيت لأني زي ما أنت عارف زي الفل!. أسألهم بهدوء: أنتم جيتوا العيادة إزاي؟ يردوا: زي الناس..في تاكسي. أبتسم وأكتب في ورقة صغيرة (انتقال مساعد وإزاي طلعتوا للعيادة؟. يقولوا بالأسانسير. أكتب (طلوع مساعد). وأسأل الزوج أو الزوجة. شايفني إزاي وأنت لابس نضارة؟. يرد : عادي. دا أنا من غيرها مش هشوف كويس. فأكتب (إبصار مساعد). أقول لهم يعني بتعتمدوا علي العلم والتكنولوجيا عشان تساعدكم في كل حاجة ورافضين المساعدة بالإخصاب المساعد بالذات؟. فيرد الزوج و لزومه إيه؟ أنا زي الفل. طبعا الحمل عن طريق الأنابيب عمل طبي علمي تدخل فيه التكنولوجيا زي وضع دعامات للقلب يعني ما فيهوش وصمة اجتماعية، دا حتي ما يشبهش عملية زرع كبد مثلا مأخوذ من إنسان تاني. ففي الأنبوبة يجتمع حيوان منوي للزوج مع بويضة من الزوجة فيحدث التخصيب ثم يعاد حقن الجنين في رحم المرأة وبذلك يكون الحلم قد تم بالشكل الطبيعي ولحد ما تولد، وممكن تجيب بدل العيل اتنين وتلاتة في بطن واحدة. في العادة أستقبل الزوج والزوجة بعد سنين طويلة من معرفتهم بحالة العقم. وتكون الست اللي نفسها تحمل دخلت ع الأربعين وبقي فرصتها في الحمل أصعب من الأول. ولما أسألهم ليه سكتوا سنين علي الحالة دي ؟ يكون الرد : كنا سايبنها علي ربنا، طبعا طول السنين دي ما كنوش ساكتين في الواقع وكانوا بيحاولوا يحلوا المشكلة بكل الطرق والأدوية والعلاجات اللي مش ممكن تنجح! بما فيها اللجوء للدجالين وعمل الأحجبة. يعني في الآخر لجأوا للشيطان اللي هو أنا!. قلت لصديقي الطبيب: أنا حاولت أعالجك نفسيا. بس الظاهر إنت مش مستجيب. لإني لحد دلوقت مش عارف مشكلتك إيه؟. يرد: ما أنا قلت لك بمجرد ما ييجي عيل الأنابيب ويفرحوا بيه يتبروا مني فورا. ويروح الراجل ومراته بلدهم فيستغرب الناس إن الست مشكلتها اتحلت وخلفت فتقول دا ببركة صاحب المقام، أو بركة أجساد القديسين في الدير. قلت: المشكلة بسيطة يا دكتور. إبقي قولهم من الأول إنك هتعالجهم بالأنابيب ببركة دول أو دول. انفعل وقال لي. يا سيدي طظ فيا أنا. ليه الناس عندنا بيحلوا مشاكلهم بالعلم بعد طلوع الروح ولما تتحل بالعلم ينكروه؟. قلت له: لسه مش عارف؟.قال لي: لأ. قلت له لأن أغلب الناس عندنا سواء مرضي أو أصحاء مش محتاجين للعلم. قالي؟ إزاي بقي؟ قلت: لإن كلنا زي الفل!.