كان التعرّف علي الشيفرة الديبلوماسية التي استخدمها الألمان في الحرب العالمية الأولي وحصل عليها البريطانيون بفضل الحظ والجهود، وسبقها العثور علي شيفرات (.B.V.H) و(.M.K.S) ثم (.B.V) مدخلاً مهماً في الاختراق المعلوماتي الي غرف الاستخبارات الألمانية، ومنها كانت نقطة البداية الحقيقية لإرباك أجهزة التنسيق والاتصال وزعزعة الأمن السري والإداري الألماني. وفي حرب الخليج الثانية استهدف سلاح الجو الأمريكي مركز الاتصالات والمعلومات في بغداد بخطة مركزة لشل حركة الجيش العراقي، وبمقتضاها أحدث فجوات عميقة في بنية الهياكل التنظيمية العسكرية. فلا خلاف إذن بشأن أهمية تكنولوجيا المعلومات كسلاح العصر، يستخدم في خوض الحروب وحسم بلوغ الأهداف، ثم ينتهي بفرض القرار الأحادي رغم أنف المناوئين لسياسة التسلط والهيمنة، مثلما ترغم الولاياتالمتحدة حالياً بقوانينها الدول الفقيرة بتهميشها في حق الإدارة والرقابة الدولية، منفردة باحتكارها الأسرار الكاملة أو الجزئية لجميع التحركات والعمليات البشرية، مبررة ذلك تارة بالهواجس الأمنية، وتارة أخري بحيازتها لأضخم الشركات العالمية. وفي هذا الصدد، نتساءل عن موقع المجتمعات العربية من منطلقات السياسة الحكومية في هذا القطاع، أو من تطلعات صنوف التركيبات الاجتماعية ولا سيما أولئك المبتدئين والمتخصصين، أو الراغبين والطامحين لاقتحام عالم المعلومات، ولكن بالطبع، هذا مرتبط دوماً بالطاقات البشرية والمادية كعوامل تسهم أو تعيق المسيرة التنموية للمعلومات. نظام المعلومات كما نعلم هو حصيلة لتطور العلوم مع مراحل التاريخ. فالدول العربية التي تحمست لوضع سياسات واستثمرت أموالاً بغرض تطوير مجتمعاتها في مجال المعلوماتية منذ العقود الثلاثة الأخيرة، قطعت مسافات وإن كانت هناك فروقات بين دولة وأخري، معتمدة أساساً علي المؤسسات التعليمية والتقنية كبني تحتية للتعامل مع الكمبيوتر وأجهزة الاتصالات، لكونها عناصر ماسة مستقبلية في شتي القطاعات الخدمية والانتاجية. إن ثمة رواسب داخلية وخارجية عرقلت تسريع هذا القطاع وسط مجتمعاتها، بالرغم من الاستعداد والتهيؤ الجلي للعديد من المنتسبين أو من ذوي الاختصاص "المعلوماتيين". فعلي سبيل الذكر، إن الابداع والابتكار مطلب أساسي للتنمية المعلوماتية، وهو عندئذٍ الهدف المخطط له علي مستوي المعاهد والكليات الجامعية، إلا أن الشروط المتوفرة لإنجازه متصلة أصلاً بالمناخ السائد والإمكانات المسخرة للباحثين والمهندسين. التي هي في الواقع لا تحفز علي بلوغ النقاط المرجوة، انطلاقاً من نسبة الإنفاق الحكومي علي البحث والتطوير. فتقرير "العلم في العالم" الصادر عن اليونسكو مع بداية هذا العام يكشف أن نسبة الإنفاق المخصص لدي الدول العربية بلغ 0.2%، في حين أن نسبة الإنفاق العلمي في البحث والتطوير في إسرائيل تراوح بين 2 و2.6%، وبناء عليه مثل الرقم العربي الرقم الأدني عالمياً مقارنة بالمتوسط العالمي 1.4%. وعلي صعيد أرقام المراكز التكنولوجية المعلوماتية المعدودة في الوطن العربي، فقد بدت بعض المحاولات لإقامة مراكز علمية كبري بين شركات الكمبيوتر مثل مركز الكويت للأبحاث العلمية والأكاديمية العلمية والتكنولوجية بالقاهرة سابقاً، غير أنها لاقت مصيرها المحتوم بسبب تحاشيها دخول الأسواق لدوافع اقتصادية وفنية والخشية من عدم الصمود طويلاً. وفي حقل "الإنترنت" كشف عن تفوّق إسرائيل بنسب متقدمة علي الدول العربية من زاوية مواقع الاستقبال أو الاستخدام المرتفع لسكانها، بل تفوق تلك الموجودة في دول أوروبا الغربية كفرنسا وبريطانيا وألمانيا حسب تقرير التنمية البشرية لعام 2002 الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (PDNU)، ولا يخفي جدية السكان، ولا الدعم الأمريكي والأوروبي بالمال والعتاد العسكري طوال العقود الماضية، التي كانت الإمدادات المعززة لتحديث وتطوير القدرات العلمية والتقنية الإسرائيلية. إلا أننا في الواقع لا نتجاهل تاريخياً أن مراكز المسئولية السياسية أعطت العناية الكافية والوافية في المشروع المعلوماتي، فضلاً عن أن المعتقدات الراسخة عند الإسرائيليين بأن القوة العسكرية هي الآلية الوحيدة لإرساء السلام بمفاهيمهم الأحادية، وأن التقدم والتطور التكنولوجي هما الضامن للتفوّق العلمي والاستخباراتي الدائم ما بعد انقشاع الضبابية عن السلام.