يشعر كل مصري يعيش علي تراب هذا البلد، بأنه ينتمي إلي حضارة تمتد لآلاف السنوات، هذا التاريخ والحضارة لا يتمتع بهما أي شعب من شعوب العالم القديم منه والحديث، بل يتفرد به أبناء الشعب المصري، وهم بلا أدني شك أولي بالحفاظ علي هذه الحضارة وهذا التاريخ الكبير العظيم، ان اغلب المصريين لا يعرفون أن اجدادهم القدماء قد ورثوهم اثراً كبيراً وميراثاً مهماً من العلم والحضارة والفنون التي علمت كل الدنيا، ومن هذه العلوم علم فن التحنيط الذي ابهر الدنيا وجعل العلماء يقفون يبحثون عن هذا السر دون أن يستطيعوا أن يصلوا إلي هذا السر، الموميا الفرعونية التي حافظت علي وجودها منذ سبعة آلاف عام شاهدة علي تفوق المصري القديم، والمقابر الموجودة في شتي بقاع المحروسة لهي خير شاهد علي هذا الفن العظيم الذي يستحق وحده دراسات متعمقة، كما أن النقوش والرسومات الفرعونية علي جدران المقابر بألوانها الزاهية والتي لم تتأثر بعوامل الجو من رطوبة وحرارة بل ظلت صامدة تقاوم كل هذه العوامل لتكون خير شاهد علي هذا الفن العظيم للفنان المصري القديم والمعابد الصامدة الواقفة شامخة وشاهقة في ربوع مصر قاومت كل الظواهر الطبيعية والكوارث الكونية التي حدثت علي مر الزمان وعبر العصور المختلفة. لقد ترك الاجداد القدماء تاريخاً وميراثاً ممتداً وأهرامات الجيزة وأبوالهول شاهدة علي هذه الحضارة وكل مصري من حقه أن يدافع عن نصيبه من هذه الحضارة، وأقل هذه الحقوق في الأنصبة هو المحافظة عليها وحمايتها لأنها جزء لا يتجرأ من وجدانه وتكوينه النفسي والعاطفي، وأن كل مواطن لابد أن يسأل نفسه لماذا لدي القدماء المصريين كل هذه القيم وفنون الحضارة ونحن نتعمد الاهمال لها بكل طرق ووسائل الإهمال؟.. اتساءل كثيراً مع نفس وتزداد خيرتي، وتكبر دهشتي وتتوهج لوعتي وتزرق عيوني دمعتي، وتتقطع أوصال مهجتي وأنا أري كل مسئول عن هذه الحضارة وهو ودن من طين وودن من عجين، أبحث عن إجابات لهذه الأسئلة التي تؤرقني كثيراً، ويزيد هذا الأرق أن الاهمال طال المواطنين فتركوا آثارهم عرضة للتلف والضياع، فكثير من الآثار تم تهريبها إلي الخارج ببضع الجنيهات، مواطن مصري يبيع حضارة سبعة آلاف عام من أجل حفنة من الدولارات العفنة الرخيصة، اتعجب كثيراً تاريخ وحضارة وفنون وعلوم أمة تباع ببعض ورقيات هذا هو عجب العجاب، وكأن هؤلاء المواطنين ليسوا مصريين شربوا من نهر النيل وأكلوا من خيراتها ولعبوا في شوارعها وحواريها وتعلموا في مدارسها وتخرجوا في جامعاتها وتزوجوا من بناتها وأقاموا مبانيهم وديارهم علي أرضها واستظلوا بسمائها وارتدوا ملابسهم من قطنها، انني أقول إن هذه الأمة لن ينصلح حالها وتتعدل أوضاعها وتتحسن معيشة أهلها إلا إذا أصبح لديهم قناعة ووعي تام بحضارتهم وفنونهم وعلومهم، وأتعجب عندما أري دولاً وأمماًحديثة العهد وهي تتحدث عن حضارتها بكل فخر وإعزاز، فالولايات المتحدةالأمريكية أمة لا يتجاوز عمرها 236 عاماً منذ نشأتها وهي تتشدق علينا كل صباح بأن لها حضارة توزع علي العالم الديمقراطية ونحن أولي بأن نكون أصحاب هذه المبادرات، نحن شعب علم الدنيا فنون الحضارة وفنون العلوم إن أي شعب ليس له ماض فليس له حاضر ونحن نمتلك أكبر وأعظم ماض بأقدم حضارة من هنا أقول إننا نستطيع أن نصبح أكبر حاضر وأزهي مستقبل، فلدينا العلماء والأدباء والفنانون كل منهم يستطيع أن يبدع في مجاله، لكن ينقصنا فقط الصدق في القول، الاجتهاد في العمل، الإيمان بالوطن، الأمانة في المحافظة عليه، والآن علينا آن نفيق من الغيبوبة الطويلة التي وضعنا أنفسنا فيها فمصر في تلك اللحظة وهذا الوقت الحرج تحتاج إلي سواعد أبنائها لتعيد بناء ما هدمه الهدامون وأول لبنة في هذا البناء إعادة بناء الانتماء للوطن.