كان أهم ما اسفرت عنه الانتخابات الأخيرة هو ما سببته من انشقاقات أو انقسامات داخل صفوف المعارضة والحزب الوطني علي السواء هكذا لم تعد الانتخابات فرصة لعقد تحالفات أو ائتلاف بين تيارات سياسية متقاربة الأهداف والمبادئ كما يحدث في كل أنحاء العالم ولكنها اصبحت عندنا مناسبة لاحداث العكس. حتي قبل أن تبدأ تلك الانتخابات ظهرت هناك بوادر لتلك الانقسامات في الخلاف الدائر بين احزاب تدعو إلي مقاطعتها واحزاب أخري يرفض ذلك رغم كل الحجج والمبررات التي قدمتها الأحزاب الداعية للمقاطعة من عدم توفر ضمانات كافية للدخول إلي منافسة تتسم بالحيدة والنزاهة والحزب الحاكم وقد تقدمت تلك الأحزاب بطلب تناشد فيه الحكومة أو اللجنة العامة للانتخابات توفير تلك الضمانات التي تشجع احزاب المعارضة علي المشاركة وقد استجابت الحكومة لبعضها بينما اعترضت علي البعض الآخر فقررت بعض الأحزاب خوض غمار المنافسة علي القليل من تلك الضمانات التي قدمتها اللجنة المشرفة علي الانتخابات وبينما تجري الانتخابات علي اشدها في الكثير من الدوائر قرر بعض المرشحين الانسحاب منها احتجاجاً علي بعض التجاوزات القانونية التي لم تفلح اللجنة العامة للانتخابات في سد ثغراتها ثم توالت عملية الانسحاب والتراجع من بقية أحزاب المعارضة بهدف تصدير الأزمة للحكومة والتشكيك في مصداقيتها أو في شرعية مجلس الشعب الذي يجري هذه الانتخابات لاختيار الأعضاء فيه وكان يمكن أن يتوقف الأمر عند هذا الحد لولا أن بعض المرشحين من الأحزاب المنسحبة قرروا الاستمرار ليقدموا بذلك مبرراً جديداً للانقسام داخل احزابهم. أما الانقسامات التي حدثت داخل الحزب الوطني فكانت لسبب لم يكن يخطر علي بال الذين خططوا وقرروا التقدم بأكثر من مرشح علي المقعد الواحد، وهو ما كان يعني أن يخوض مرشح الوطني منافسة مزدوجة احداها مع زميله في نفس الحزب والأخري مع مرشح المعارضة مما تسبب في انهاك الكثيرين من مرشحي الوطني خاصة وأن بعض مرشحيه دخلوا في تحالفات مع احزاب معارضة لاسقاط زملائهم ثم الدخول في الاعادة مع المرشح مع الحليف والاستعانة فيها بانصار المرشح الخاسر زميله في الحزب! ولاشك في أن محاباة الحزب الوطني وانحياز قياداته لأحد المرشحين علي حساب المرشح الآخر لنفس المقعد، زاد من احساس المرشح الخاسر بالنقمة علي الحزب الأمر الذي قدم سببا آخر للانشقاق يضاف إلي سبب عدم اختيار الحزب لبعض من تقدم بطلب الترشيح ولكنه لم يحظ بالموافقة علي ذلك فانضم إلي قائمة المعارضين منشقا علي الحزب احتجاجا علي القيادات التي رفضت ترشيحه. كذلك فقد اضطر الحزب الوطني للانحياز إلي بعض مرشحي المعارضة علي حساب بعض مرشحيه خاصة في مرحلة الاعداد بعد أن رأي الحزب الوطني قلة عدد المعارضين في المجلس الجديد الذين فازوا في المرحلة الأولي فأراد أن يزيد عددهم إما نكاية في احزابهم التي انسحبت ودفعاً لشبهة التزوير التي رموه بها. هكذا افرزت الانتخابات الأخيرة أخطر ظاهرة في الحياة السياسية المصرية التي تسببت في خلق كيانات معارضة داخل كل حزب بعد أن كان كل حزب يواجه معارضيه من الخارج أصبح عليه أن يواجه معارضيه في الداخل والخارج معاً، وإذا كانت هذه الظاهرة الجديدة تمثل خطراً علي كل الأحزاب إلا أن الخطر الأكبر كان من نصيب الحزب الوطني الذي نجح في كسب اغلبية له بالمجلس إلا أنه فقد الكثير من انصاره وقواعده في الشارع المصري فأصبح قوياً من المجلس وضعيفا في الشارع!