اسفرت نتائج الإنتخابات النصفية الأمريكية التي جرت أخيراً عن فوز ساحق للجمهوريين في مجلس النواب حيث حصدوا 239 مقعداً مقابل 183 مقعداً للديمقراطيين ، كما حسنوا من مواقع تمثيلهم في مجلس الشيوخ حيث نالوا ستة مقاعد جديدة الأمر الذي يؤكد ان السنتين المتبقيتين للرئيس باراك اوباما من ولايته الحالية ستجعل منه رئيساً ضعيفاً في اتخاذ القرارات المهمة ، إضافة الي ان نتائج الانتخابات تعني احتمال اقفال الطريق امام تجديد رئاسة اوباما لولاية ثانية . ورغم ان اوباما اعترف بحجم الهزيمة التي مني بها إلا انه حاول القفز فوقها من خلال دعوة قادة الجمهوريين والديمقراطيين الي اجتماع تنسيقي لبحث القضايا الاقتصادية من كافة جوانبها باعتبارها تشكل الهم الأساسي لكل الأمريكيين علي مختلف مشاربهم وانتماءاتهم . ولكن هذه المبادرة الوفاقية قوبلت برفض من زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونال الذي اعتبر ان افضل طريقة للتخلص من الرئيس اوباما عام 2012 هي العمل من اجل تطبيق برامج الجمهوريين . فالجمهوريون لديهم برامجهم الخاصة فيما يتعلق بالشئون الداخلية او بالسياسة الخارجية وهي تتعارض في جوهرها مع كل ما نفذه أو ينوي تنفيذه الرئيس اوباما . فهم بالدرجة الأولي ضد نظام الرعاية الصحية الذي وضعه الديمقراطيون، وغير مؤيدين لنظام تمديد الإعفاءات الضرائبية للطبقة الوسطي ولا موافقين علي برنامج تعويض العاطلين عن العمل ، ويعتبرون ان لديهم خططاً بديلة اكثر واقعية وفعالية . وعن السياسة الخارجية فإن الجمهوريين يعارضون التوقيت الذي وضعه الرئيس اوباما لسحب قواته من افغانستان لأنه برأيهم اربك اصدقاء امريكا وشجع اعداءها . ويعارضون تساهل اوباما في فرض عقوبات قاسية علي ايران لأن من شأن التشدد في العقوبات برأيهم دفع طهران الي التحاور جدياً مع الغرب علي قاعدة الكشف عن كل تفاصيل برنامجها النووي والالتزام بأنظمة وكالة الطاقة الدولية . وعن العلاقة مع الصين فإن الجمهوريين يتطلعون الي ضرورة الزام بكين برفع قيمة عملتها الوطنية ملوحين بلجوئهم في حال الرفض الي دعم ملف حقوق الإنسان في الصين وتقديم الدعم الكامل لاستقلال تايوان. وبشأن العلاقة مع روسيا فإن الجمهوريين من المتحمسين لتوقيع معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية "ستارت" التي لم يصادق عليها الكونغرس حتي الآن. وفيما يتعلق بالملف العراقي فإن الجمهوريين يرفضون ترك هذه الساحة مباحة لإيران ولسوريا وسيعملون علي فرض اجندة جديدة تحفظ لواشنطن دوراً رئيسياً علي المستوي السياسي كما علي المستوي الاقتصادي . اما عن ملف الشرق الأوسط فإن الجمهوريين من اشد المعارضين لفرض أي شروط علي اسرائيل سواء فيما يتعلق بمسار مفاوضات السلام اوفيما يتعلق بملف وقف الاستيطان. وهذا الموقف هو الذي كان يراهن عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حيث كان يماطل في تنفيذ ما ارادت إدارة اوباما فرضها عليه بانتظار ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية وتحقيق الجمهوريين فوزاً يمكن ان يشكل مصدر دعم قوي لمواقف نتنياهو، ومعارض جداً لكل ما يريد العرب تحقيقه حتي وإن كان بالحد الأدني . وبالمحصلة يمكن القول ان الديمقراطيين قد خسروا معركة انتخابية لأسباب اقتصادية داخلية، وأن ذلك قد يؤثر سلباً علي طموح اوباما بولاية ثانية لكن الخسارة التي مني بها العرب هي اكبر بكثير لأن رهانهم علي اعتدال اوباما في مواجهة تشدد الجمهوريين كان يعطيهم بعض الأمل بإمكانية التوصل الي حل ما. ولقد تبخرت الآن كل هذه الآمال وستعود الأمور الي نقطة الصفر الي حد ان اوباما نفسه لم يعد باستطاعته ان يتعاطي مع ملف الشرق الأوسط كما كان يفعل قبل الانتخابات النصفية الأخيرة . وهذه الأجواء السلبية قد تنعكس ايضاً علي ملف المحكمة الدولية في لبنان حيث سيظهر المزيد من التشدد الأمريكي لجهة دعم استمرارية المحكمة وإصدارها القرار الظني كما سينعكس سلباً علي مستقبل العلاقات الأمريكية - السورية رغم ان هذه العلاقات هي اساساً ما زالت قابعة في خانة ضبابية.