تحويل الحرية إلي فوضي.. أو انفلات دائماً له عواقب وخيمة تؤدي للإضرار بالحرية نفسها.. والإضرار بحق المواطن في المعرفة.. وحق وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة في نقل المعلومات والحقائق للرأي العام. الانفلات الذي حدث علي شاشات الفضائيات.. والحوارات التي تجريها حول ما يدور داخل المحاكم في القضايا التي تهم الرأي العام.. وتحويل بعض الفضائيات إلي ساحات للمحاكمة.. وبعض المذيعين أو المتحدثين إلي قضاة وإصدار أحكام.. أو تعليقات تضر بسير العدالة.. أو تؤثر علي الرأي العام أو القضاة أنفسهم.. كل هذا ليس في صالح حرية الإعلام.. أو حق المواطن في المعرفة. فالانفلات ترتب عليه ضرورة إصدار ضوابط نتج عنها منع بث وإذاعة جلسات المحاكمات.. لأن بعض الفضائيات تمادت في انفلاتها وأجرت محاكمات موازية للمحاكمات التي تجري في ساحات القضاء والمحاكم.. وهو ما يسيء إلي هيبة القضاة والتشكيك في بعض الأحكام القضائية.. وإتاحة الفرصة لبعض المحامين في التطاول أو نقد أحكام القضاء وسرد أقوال تؤثر علي الرأي العام. عندما اجتمع المجلس الأعلي للقضاء واصدر الضوابط والقواعد لحظر البث وإذاعة المحاكمات بواسطة وسائل الإعلام المختلفة.. فإنه قد اجتمع لمواجهة هذا الانفلات وتلك الفوضي التي حدثت علي شاشات الفضائيات وليس لمنع النشر بالصحف أو إذاعة التقارير الموضوعية المتعلقة بالقضايا في المحاكم.. وإنما لمنع فوضي وسائل الإعلام أثناء جلسات المحاكمة.. ومحاولات التأثير علي القضاة أو الرأي العام أثناء نظر القضايا. فالمجلس الأعلي للقضاء أكد انحيازه لحق المواطنين في المعرفة.. وحق وسائل الإعلام في النشر وفقاً للضوابط والقواعد الدستورية والقانونية. فالمجلس لم يحظر نشر وقائع الدعاوي وتقارير الجلسات في الصحف مادام النشر بأمانة ونوايا حسنة.. فمن حق الصحفي أو الإعلامي أن يحضر الجلسات ويدون تقاريره بأمانة وصدق.. لاعدادها للنشر للحفاظ علي حق القارئ في المعرفة. للمواطن الحق في المعرفة.. وللصحفي الحق في نقل المعلومات والحقائق بحرية.. وللقاضي الحق في الحفاظ علي هيبة وكرامة مهنته وسير العدالة. المنفلتون لم يستمعوا إلي النصائح.. وأضروا بحرية الإعلام واساءوا لمهنتهم.. ولم يدركوا أن الحرية لا تعني الفوضي.