المفروض حسب العقل والقانون أن أرض الدولة ملكية عامة.. أي أن الشعب بكل أفراده يملكون تلك الأراضي وتقوم الحكومة بالتصرف فيها نيابة عن هذا الشعب الذي فوضها بذلك، بهدف تحقيق مصلحته العامة، ولكن الواضح الآن أن الحكومة تتصرف في الأرض المملوكة للشعب بما لا يحقق مصلحته، وقد اتضح ذلك جلياً من خلال متابعتنا لقضية .مدينتي. وحكم المحكمة النهائي ببطلان العقد الذي قامت الحكومة بإبرامه مع شركة طلعت مصطفي لبيع ثمانية آلاف فدان 33 مليون متر مكعب لبناء مدينة سكنية عليها وبيعها للمواطنين، وجاء حكم البطلان الذي أصدرته المحكمة مبنياً علي أن عملية البيع تمت بالأمر المباشر بالمخالفة للقانون الذي كان يلزمها ببيع هذه المساحة الشاسعة عن طريق المزاد العلني، وهوما يعني بطلان عملية البيع وإعادة ملكية الأرض للحكومة للتصرف فيها بالطرق القانونية، ولكن الحكومة التي أخطأت في حق القانون في عملية البيع الأولي تنوي أيضاً الخطأ في حق القانون في عملية البيع الثانية، حيث تصر علي إعادة البيع، وبالأمر المباشر أيضاً لشركة طلعت مصطفي وليس عن طريق المزاد العلني كما جاء في حكم المحكمة الإدارية العليا، وهوما سوف يعرضها مرة أخري لحكم آخر بالبطلان، فنعود إلي المربع صفر من جديد بسبب تعنت الحكومة وعنادها وتحديها للقانون وأحكام القضاء! ولعل أغرب ما في هذه القضية أن الحكومة عن طريق هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة هي التي كانت تتصدي للقضاء خوفاً من أن يأتي الحكم في صالحها باسترداد ملكية الأرض وإعادة تقييم سعرها من جديد بما يعني زيادته بعدة مليارات إضافية تدخل خزينتها العامة لصالح الشعب، أي أنها كانت تدافع عن طلعت مصطفي ومصلحته وليس مصلحة الشعب، صاحب الملكية الأصيل للأرض، وصاحب المصلحة في زيادة سعرها، ولعل الأغرب من ذلك وأنكي، هوما قامت به الحكومة تنفيذاً لحكم المحكمة، فاستردت الأرض فعلاً، ولكنها لا تزال مصرة بعناد غريب علي منحها لطلعت مصطفي من جديد وبالأمر المباشر، خلافاً لحكم المحكمة الذي يلزمها بالبيع عن طريق المزاد العلني، أي أنها ارتكبت مخالفة للقانون في عملية البيع مرة أخري، وذلك كله من أجل عيون طلعت مصطفي الذي يواجه الآن حكماً بالإعدام في قضية اغتيال المطربة اللبنانية سوزان تميم. ولا تزال تصرفات الحكومة الغريبة والمشبوهة تتوالي، حين أوصت بإعادة البيع لطلعت مصطفي بمبلغ يقل عن عشرة مليارات جنيه فقط، بينما تقول التقديرات الأولية، إن الثمن الذي تستحقه هذه المساحة الشاسعة هوثلاثة أضعاف هذا المبلغ علي الأقل. وإذا كانت الحكومة تبرر تصرفها علي هذا النحو المخالف للقانون، وتحديها الواضح لحكم قضائي، بحالة الضرورة لتحقيق اعتبارات اجتماعية واقتصادية تقتضيها المصلحة العامة، فهل المصلحة العامة تقتضي الاكتفاء بعشرة مليارات ثمناً للأرض.. أم بثلاثين ملياراً؟! أي السعرين يحقق المصلحة العامة والاعتبارات الاقتصادية التي تبرر للحكومة إعادة البيع بالمخالفة للقانون وحكم المحكمة؟! ما هواللغز المحير في موقف الحكومة واصرارها علي التحايل علي القانون وحكم المحكمة؟ وإذا كانت الحكومة هي التي تتحايل علي القوانين وأحكام القضاء.. من الذي يقوم بردع هؤلاء المحتالين والنصابين إذن؟! إنها قضية مليئة بالألغاز المحيرة، خاصة بعد أن اصدرت النيابة العامة قراراً بعدم بطلان عقد .مدينتي.، وصحة الإجراءات التي اتبعتها الحكومة لإبرامه مع شركة طلعت مصطفي، ولم تكن تمضي عدة أيام علي هذا القرار، حتي جاء حكم المحكمة الإدارية العليا، وهوحكم نهائي واجب التنفيذ، ببطلان العقد وعدم صحة الاجراءات التي اتبعتها الحكومة في ابرامه، وإذا كان قرار النيابة العامة بصحة العقد غير ملزم لأطراف النزاع فإن قرار المحكمة الإدارية يتمتع بصفة الإلزام لتنفيذه، ولم يعد في إمكان الحكومة الاستناد لقرار النيابة في التحايل علي عدم التنفيذ. وأخيراً تحية للمهندس حمدي الفخراني الذي اخذ علي عاتقه الكفاح في ردهات المحكمة واللجوء إلي القانون لاسترداد حقوق الشعب الضائعة التي أهدرتها الحكومة إما عن جهل بالقانون.. أوتجاهله عمداً!