كان استهلالا موفقا أن يقول الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء لنظيره الجزائري السيد عبد المالك السلال في الزيارة الاخيرة للبلد الشقيق قبل أيام: جئت لاستعادة العلاقات التاريخية بين البلدين، ولأن المثل المصري القديم يعرف الكتاب من عنوانه لم يكذب، فقد كان ولابد له من وضع عنوان بارز لموضوع الزيارة يمكنه من لملمة شتات ما تفرق من علاقات علي كافة الأصعدة منذ عام 2009علي خلفية أزمة مباراة كرة القدم الشهيرة التي انتهت بتأهل الفريق الجزائري لبطولة كأس العالم في2010. وبعيدا عما حصدته الزيارة من ثمار، ولأكثر من صنف ونوع، كالاتفاق مثلا علي رفع الحظر عن السلع المصرية الموجودة في القائمة السلبية، فضلا عن تشكيل لجنة مشتركة لحل مشكلة التاشيرات، مرورا برفع الحظر عن دخول المصريين لأماكن محددة بالجزائر وتحقيق المشاركة في مجال الصناعة لا سيما في انتاج مواد البناء والبتروكيماويات، انتهاء بزيادة عدد العمال المصريين وبنسب أعلي من العمالة الصينية وغيرها، فبعيدا عن كل هذا وذاك، فما يهمنا هنا أن توقيت الزيارة المصرية كان ذكيا، حيث احتفال الاشقاء الجزائريين بالذكري الخمسين لاستقلال بلادهم، فكانت فرصة غنية كي يسترجع شعبا البلدين وبلا دعوة من أحدهما للآخر، ذكريات اللحمة المصرية - الجزائرية والتاريخ التليد المشترك منذ خمسينيات القرن الماضي حين وضعت مصر عبد الناصر كل امكاناتها المادية والمعنوية لمناصرة ثورة الجزائر عام 1954 الي ان حصلت الأخيرة علي استقلالها. إرث حضاري وعربي مصيري ومشترك بين مصر والجزائر، لا يمكن للتاريخ ان يهمله، وكما كانت مصر- ناصر أولي الدول التي شاركت بأبنائها في تحقيق عملية التعريب لمناهج التعليم بالجزائر واستعادة هويتها العربية، كانت الجزائر- بومدين صاحبة نصيب كبير مع السعودية- فيصل، في الانتصار الذي حققته مصر في حرب أكتوبر 1973 باعتراف الرئيس السادات نفسه، علي لسان السيدة كاميليا ابنته لقناة الحياة الفضائية في ذكري اكتوبر: اتصل الرئيس هواري بومدين بالرئيس السادات مع بداية حرب اكتوبر يخبره بأنه يضع كل امكانات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية ويسأله عن احتياجات مصر من السلاح ، فأخبره السادات بان الجيش المصري بحاجة الي المزيد من الدبابات ، وان السوفيت يرفضون تزويده بها ، بما جعل بومدين يطير الي الاتحاد السوفيتي ويبذل كل ما في وسعه، بل وفتح حسابا بنكيا بالدولار ليقنع السوفيت بالتعجل بإرسال السلاح الي الجيش المصري والسوري، بل وهدد الرئيس بومدين القيادة السوفيتية قائلا: ان رفضتم بيعنا السلاح فسوف أعود الي بلادي وأوجه خطابا الي الرأي العام ضدكم وأنكم ترفضون مساندة الحق العربي، ولم يغادر بومدين موسكو حتي تأكد من أن الشحنة الاولي من الدبابات قد توجهت الي مصر. من المؤكد ان مصر الجديدة حريصة علي إصلاح ما أفسدته سياسات ما قبل 25 يناير من تفسخ في العديد من العلاقات السياسية المصرية - العربية والإفريقية والخليجية وما كان لذلك من سوء الأثر علي الجناح الاقتصادي في تلك العلاقات، ولعل اشارات الدكتور هشام قنديل في الزيارة الأخيرة، بضرورة التركيز علي الإيجابيات واستلهام روح ثورة الجزائر في تجديد دماء علاقة البلدين، مستعيدا الدعم الجزائري حتي تحقق نصر أكتوبر، ثم اشادة نظيره الجزائري عبد المالك السلال وفي المقابل بالدور المصري في مساندة ثورة التحريرالتي انطلقت شرارة دعمها الاولي من القاهرة في الاول من نوفمبر1954 حتي تحقق الاستقلال عام 1962، لعل كل ذلك يفتح صفحة جديدة في كتاب العلاقات المصرية- الجزائرية، ويقيني أنه قد حدث بالفعل.